وماذا عن ملفات الفساد الكبيرة ؟

محمد عبد الرحمن
اتخذت في الفترة الاخيرة اجراءات ايجابية على طريق مكافحة الفساد والكشف عن رموزه ومحاسبتهم، فيما سارع بعض من تحوم حولهم الشبهات الى تسليم انفسهم الى “كتلهم”، وهم من ينطبق عليهم القول: يكاد المريب يقول خذوني .
على ان جولة سريعة في مواقع التواصل الاجتماعي التي غدت، بما لها وعليها، مجسا لمزاج الناس ورئة يتنفس عبرها المواطن المهموم، تظهر ان ما تم الاقدام عليه حتى الان هو دون الطموح بكثير. بل لعل القاسم المشترك في التعليقات يشير الى ان ما اتخذ من اجراءات ما زال (في الجلد) كما يقال او على السطح. وان تدقيقا موضوعيا يكشف عن انه جرى تحريك الموضوع ، ولكن لم ينفض الغبار بعد عن العديد من الملفات الكبيرة التي جرى الحديث عنها سابقا، سواء من قبل اعضاء في مجلس النواب ولجنته للنزاهة، ام في وسائل الاعلام .
ويلحظ المراقب ايضا ظاهرة غريبة، هي على كل حال اختراع عراقي، تتمثل في طلب المسؤول من كتلته السياسية وحزبه محاسبته بهدف تزكيته ! فيما المطلوب هو ان يقدم نفسه الى القضاء، كما يتوجب على الكتلة او الحزب المعني تسليمه لا ان يتستر عليه، مثلما هو حاصل في اغلب الحالات. وربما يختلف اليوم منهج السيد مقتدى الصدر في التعامل مع انصاره او المحسوبين على تياره فيما يخص مكافحة الفساد، وهو ما يستمر فيه ويظهر انه متمسك به ، مقدما حافزا للاخرين للسير على ذات المنوال .
على ان هناك حاجة الى تأشير اهمية وضرورة ابتعاد الدولة ومؤسساتها المعنية بمكافحة الفساد، عن المظاهر الاستعراضية في التصدي لهذه الآفة. والاهم ليس فقط ان ينال الفاسدون جزاءهم العادل، بل وان يجري التفكير جديا في كيفية وآلية استرداد الاموال التي اهدروها او سرقوها، او حولوها الى الخارج وحولوا قسما منها الى فيلات او عمارات او شركات. علما ان الداني والقاصي يعرف اوضاع اصحابها قبل 2003، وانهم مهما بلغت رواتب بعضهم بعد 2003، ومهما كانت عالية وضخمة فهي لا تشكل الا جزءا يسيرا من قيمة تلك العقارات او الممتلكات .
وهذا قطعا لا يحتاج الى الادلة التي يطالب بها رئيس الوزراء في الكثير من تصريحاته. ومعلوم ان المواطنين يقدمون يوميا المئات من الادلة على حالات الفساد والافساد وتفشي الرشى، حتى باتوا يتداولون شيئا اقرب الى الحقيقة المطلقة (الا في بعض الحالات النادرة) يتلخص في ان لا تعيين اليوم في دوائر الدولة الا عبر طريقين: واسطة “قوية” او دفع “المطلوب” والذي يصل الى الالاف! بل ويذكر الناس الوزارات والدوائر المتفشية فيها هذه الظاهرة، قائلين ان لا معاملة تنجز في مؤسسات الدولة الا بعد دفع “المقسوم” .
فهل ان مثل هذه الحالات تحتاج الى ادلة وبراهين؟
وفيما اخذت عجلة مكافحة الفساد تدور ولو بطيئا ، فلا بد من القول ان اي تمييز سياسي او لاي اعتبار آخر في التعامل، سوف يجهض العملية حتى تكون موضع سخرية وتندر. وسيقود ذلك الى استفحال الظاهرة وهروب “الحيتان”، فلن يبقى ليقع في الشباك سوى الاسماك الصغيرة .
على ان المكافحة الجادة ستصطدم بمعوقات كبار الفاسدين واخطبوطهم، ومن يساعدهم ويقف معهم في مؤسسات الدولة المختلفة. وما ظاهرة هروب بعض المتهمين بالفساد مؤخرا الا دليل واضح على سعة شبكة الفساد والمنتفعين من السحت الحرام. وان ما يحصل يقدم دليلا اخر على ان مكافحة الفساد ليست “دورة عرس”، بل هي منهج متكامل متواصل. ويبقى السؤال الكبير عن ملفات من “ارتكبوا الكوارث” حسب تعبير رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 10/ 9/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here