قراءة للاحتلال الامريكي والايراني للعراق

ادهم ابراهيم
عند الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 لم تلق الجيوش الامريكية مقاومة عنيفة لها الا في مناطق محددة من الاراضي العراقية . وقد ظن الامريكان بصحة نظرياتهم السابقة من ان العراقيين سيستقبلونها بالورود خصوصا بعد ان تم قهرهم بالحصار الجائر الذي دام لفترة تزيد على عشر سنوات عجاف ، الا ان شهر العسل الامريكي هذا لم يدم طويلا ، حيث زادت نقمة العراقيين عليهم خصوصا بعد مارأوه من تدمير ممنهج للبنى الاساسية للدولة العراقية وسياسة التفرقة العنصرية والطائفية التي اتبعت ابتداء ومنذ تشكيل مجلس الحكم على اساس المحاصصة المذهبية للعرب ، والقومية للكورد . فاشتدت المقاومة العراقية بمساعدة السوريين اولا ثم بمساعدة اطراف خارجية وداخلية اخرى . وادت هذه المقاومة وخصوصا في الفلوجة الى خسائر مادية ومعنوية للجيش الامريكي وقد تم صرف المليارات لتثبيت الاحتلال في العراق كما تم التضحية بالعديد من الجنود الامريكان بين قتيل ومعوق ، ومريض نفسيا . فقررت امريكا سحب الكثير من قواتها من مدن وشوارع العراق . مع ابقاء قوة ضاربة نخبوية قليلة . وبذلك ظهرت امريكا بمظهر المنسحب الا انها لم تكن ترغب بهذا الانسحاب ، فكان انسحابا تكتيكيا والى حين

. واحلت محلها احزابا وافرادا عراقيون يتصارعون حول مقدسات وثروات . وقد سبق لها وان روجت لبرامج واسس مذهبية دعائية لتحقيق هذا الغرض . كما فسحت المجال لايران للتمدد في العراق للتحكم بشيعة العراق وفرض سيطرتها عليهم . مع استبعاد الشيعة من ذوي النزعة العربية . وبذلك تحقق هدفين

الاول . التخلص من كل فكر عربي عن طريق احلال المذهبية محل القومية العربية واخراج العراق من ميزان القوى العربية

والثاني .اثارة حفيظة دول الخليج والاردن تجاه السياسة الجديدة في المنطقة واظهار ايران كعدو اساس للدول العربية بدل اسرائيل

لقد ساعد على تنفيذ ذلك الاتفاق النووي الايراني مع دول الخمسة زائد واحد اي الدول الخمسة الاعضاء في مجلس الامن الدولي زائد المانيا . حيث ضمنت امريكا التخلص من البرنامج النووي الايراني مقابل رفع العقوبات المفروضة عليها . وربما كانت هناك بنود سرية اخرى على مايبدو . حيث توغلت ايران في بعض الدول العربية مثل سوريا ولبنان عن طريق بوابة العراق لتحقيق الحلم الامبراطوري الايراني ذو الابعاد التاريخية والستراتيجية

وقد جاء تنظيم الدولة الاسلامية المزعومة . داعش . ليرسخ هذا النفوذ اكثر وليظهر ايران بمظهر المكافحة للارهاب . حيث كانت تعتبر اساسا من الدول الارهابية او مايسمى سابقا بمحور الشر . فتدخلت ايران بشكل سافر بالشؤون الداخلية للعراق عن طريق تقديم الدعم العسكري ، وبموافقة الحكومة العراقية بعد ان كانت تدعم بشكل غير مباشر الاحزاب والميليشيات الموالية لها

وقد حققت سيطرتها على اغلب السلطات التنفيذية والتشريعية . بحيث اصبح الوزراء لايعينون الا بموافقة السلطات الايرانية كما ان اغلب النواب في مجلس النواب العراقي ياتمرون باوامر ايرانية في شتى المجالات بما فيها تشريع القوانين او استجواب الوزراء . كما سيطرت ايران على العشرات من الفضائيات العراقية للتأثير على الراي العام العراقي . وتوجيه الاعلام باتجاه مناصرة ايران والدفاع عنها ومحاربة كل من يحاول الاستقلال عن التأثير او القرار الايراني بالعراق . وان هناك ميليشيات تتولى تنفيذ السياسة الايرانية في الشارع العراقي وارهاب كل صوت او راي معارض للسياسة الايرانية في العراق . وكذلك محاربة اي فكر عربي او الدعوة له بحجة قطع الطريق على عودة حزب البعث . وتصوير كل مفكر عربي على انه من مؤيدي البعث او من انصار صدام

لقد كان مؤيدي ايران من اشد الداعين الى الاقاليم في العراق وتماهوا في ذلك مع الامريكان حتى جوز الدستور العراقي اقامة هذه الاقاليم . الا انه بعد السيطرة الايرانية بهذا الشكل على العراق والذي لم يكن متوقعا حتى من اشد المتفائلين من اصحاب القرار الايراني ، صارت ايران والموالين لها في العراق من اشد المعارضين للاقاليم فيه . كيف تؤيد ايران اقامة الاقاليم والعراق كله قد اصبح بيمين الحرس الثوري الايراني المرتبط مباشرة بالولي الفقيه القائد الاعلى للسياسة الايرانية

كل هذا يتعلق بالاحتلال الايراني للعراق ولغاية يومنا هذا

ولكن لاننسى الاحتلال الامريكي واهدافه بعيدة المدى للعراق

صحيح ان تغير رؤساء الولايات المتحدة لايغير كثيرا في السياسة الامريكية الا ان هذه السياسة لها مراحل وتكتيكات . وقد قلنا سابقا ان قرار امريكا بالانسحاب من العراق كان قرارا تكتيكيا لتقليل الخسائر . ان امريكا بعد احتلال العراق لايمكن ان تفرط به لاي سبب كان ولاي دولة كانت وان السماح لايران للتغلغل في العراق والسيطرة على سياسته كان ايضا قرارا تكتيكيا

الان تريد امريكا العودة الى العراق . ومن قال انها تركته اساسا ؟

بعد انتهاء مرحلة الانسحاب الامريكي التكتيكي الشكلي من العراق والذي تزامن مع مرحلة الرئيس اوباما . وجدت امريكا الان ان الفرصة قد اصبحت سانحة لها للعودة بهدوء الى العراق . خصوصا وان من كان معاديا لها او مقاوما للوجود الامريكي والذين اذاقوها الامرين ، يطمح الآن بعودة امريكا الى العراق للتخلص من النفوذ الايراني واتباعها

لقد قتل من قتل وهجر من هجر ومدن عريقة كاملة قد اطيح بها

والباقين في مدن الوسط والجنوب ذاقوا الجوع والهوان والحرمان من ابسط الخدمات وانعدمت الوظائف كما انعدم التعليم عن ابنائهم . ووجدوا ان حماية المذهب والادعاء بالدين واللحى والسبح والخواتم التي تجلب الحظ والمنصب والرزق . كان هراء في هراء والغرض منه هو نهب الدولة والمواطن واستغفاله والضحك على الذقون

الان وبعد كل الذي جرى . وجدت امريكا ان سياسة تصفية الخصوم بعضهم لبعض كما كان مخططا لها قد تمت بنجاح . وان وقت العودة قد حان . فبدأت بانشاء القواعد والتوسع بها لتشمل كل مناطق العراق . كما بدأت بالسيطرة على منفذ طريبيل وبعدها ستؤمن الحدود العراقية السورية لتقطع الطريق عن الامدادات الايرانية لحلفاؤها في سوريا ولبنان . والعمل بجهود حثيثة للقضاء على داعش واخواتها في العراق وسوريا . وتهدئة اللعب في العراق بعد كل هذه الفوضى . ويبدو ان الفوضى في العراق ستكون خلاقة على الطريقة الامريكية كما كانت هي سبب الفوضى ايضا

ان الوجود الامريكي الجديد في العراق سيكون بمعزل عن الوجود الايراني تماما

حيث لاتسمح امريكا لوجود اي منافس لها في العراق بعد الان . وان رسائل بهذا المعنى قد وجهت الى رئيس الوزراء العراقي . ويبدو ان السيد العبادي قد اخذ الامور بجدية ايضا ولذلك رأينا تحركات متبادلة لوزراء وعسكريين مع الاردن والسعودية . وان بقاء ايران في العراق هو مسألة وقت لان الامريكان لايرغبون بمواجهة مباشرة مع ايران وهم يعلمون ان لها اذرع عسكرية عديدة في العراق كما ان لديها وكلاء عديدين في دول العالم مستعدين لتنفيذ اوامر الحرس الثوري . والبديل هو مزيد من الضغوط الاقتصادية والمضايقات في البر والبحر مع افتعال الازمات حتى تحقيق انسحابها الى داخل الحدود الدولية العراقية الايرانية

اننا نعتقد ان امريكا سوف لن تغادر قواعدها او تنسحب من العراق تحت اي ظرف كان وان احتلالها للعراق سوف يتخذ شكل حلف طويل الامد لان العراق له اهمية قصوى لها من الناحية الجيوستراتيجية . اضافة الى الاهمية التاريخية . وسيعتبر جزءا مكملا لامن الولايات المتحدة الامريكية لامد طويل

ادهم ابراهيم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here