إنتحار وإندحار!!

الإنتحار ظاهرة سلوكية رافقت البشر مثلما رافقه القتل منذ الأزل , وقد تشترك معه العديد من المخلوقات الأخرى , بل أن الكواكب والنجوم وغيرها من الأجرام في تفاعلات إنتحارية متواصلة.
ومنذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين والمختصون بالعلوم النفسية والسلوكية يحسبون الإنتحار عَرضا ولا يخطر على بالهم بأنه مرض , ولهذا تجدهم يوعزونه إلى الكآبة وما يتسبب بها من سلوكيات كتناول العقاقير والمخدرات والإدمان بأنواعه ومشاربه.
وحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية فأن ما يقرب من مليون شخص ينتحر سنويا , وهذا المعدل لم تطرأ عليه تغيرات واضحة بعد إكتشاف الأدوية المعالجة للكآبة , وكلما إزداد عدد البشر إزداد عدد المنتحرين , وهذا يعني أن الجهود المبذولة للقضاء على الإنتحار لم تتكلل بنجاحات باهرة , لكنها ذات منافع وقائية وتحذيرية.
فالإنتحار ثاني سبب لموت البنات ما بين عمر (15-19) , وفي أمريكا ينتحر أكثر من (44000) شخص سنويا , وكل إنتحار يترافق مع (25) محاولة إنتحار , والإنتحار يكلف الخزينة أكثر من (51) بليون سنويا.
وينتحر (13.26) من (100000) شخص سنويا , أي بمعدل (121) شخص يوميا , وإستخدام الأسلحة النارية يكون في (50%) من الإنتحار , والرجال ينتحرون أكثر من النساء بمعدل مضاعف (3.5) , وتكون أعلى نسبة له في متوسطي الأعمار.
والعديد من دول العالم لا تحتفظ بإحصاءات دقيقة يمكن بها دراسة نسب الإنتحار فيها , لكن أكثر من (800000) شخص ينتحر في العالم كل عام , فالإنتحار هو السبب الثاني للوفاة للأعمار مابين (15-29) , ويبدو أن أكثر من (78%) من المنتحرين في المجتمعات الفقيرة وذات الدخل المحدود.
ومعظم العوامل المؤدية للإنتحار هي الإندفاعية والعوامل الإقتصادية , وفشل العلاقات العاطفية والأمراض المزمنة والآلام المرافقة لها وكذلك الأمراض الخبيثة , كما أنها أكثر في المجتمعات التي تعاني من الطائفية والتميز العنصري وفي المهجرين واللاجئين وغيرهم , وما يقرب من (30%) من المنتحرين يستخدمون المبيدات الحشرية , والمعروف أن كل شيئ قاتل يكون في المتناول يستخدم للإنتحار.
وتسعى الأمم المتحدة والمنظمات العالمية لوضع مناهج توعية لكي يكون الناس على دراية بمخاطر الإنتحار وما يؤدي إليه وهل يمكن التفاعل للحد منه , وهناك خطة عالمية لتقليل الإنتحار بنسبة (10%) في عام 2020 , وهذا قد يكون بعيد المنال , لأن نسبة الإنتحار تتخذ منحى تصاعدي , ولا تقل إلا في زمن الحروب والتحديات المصيرية الشاملة , عندما يقف الناس جميعا في مواجهة مصيرهم ويستشعرون بأن الحياة قد تضيع منهم.
هذا بعض مما يمكن قوله بخصوص الإنتحار بمناسبة اليوم العالمي للإنتحار في 6\9\2017.
لكن الإنتحار كسلوك قد يتخذ توجهات جماعية وإجتماعية , كأن تقرر جماعة من الناس الإنتحار , أو مجتمعات عن وعي أو لا وعي تخوض غمار الإنتحار , وكم من المجتمعات والشعوب قد إنتحرت عبر العصور , وحتى بعض الحيوانات لديها مسيرات إنتحار جماعية , وبعضها تعبر المياه المحتشدة بالتماسيح في قفزات إنتحارية ينجو منها مَن ينجو ويموت مَن يموت.
ومن الواضح أن العرب قد إنتحروا في الأندلس , فسلوكهم على مدى قرون كان إنتحاري الطباع حتى أدى بهم إلى الفناء , فالعرب لم ينهزموا في الأندلس وإنما إنتحروا, واليوم تحصل في المجتمعات العربية ذات السلوكيات الإنتحارية التي مارسوها في الأندلس , وهذا يعني أن الضعف سيدب والصراعات ستتواصل حتى تحقيق غايتها الفنائية.
فهل من قدرات وعي لما تتسبب به السلوكيات الإنتحارية الفاعلة في مجتمعاتنا؟!!
إنها تساؤلات قد تبدو غريبة لكن الواقع يتكلم بلغة يمكن حل رموزها ومعرفة عباراتها ومدلولاتها.
وهي تقول إنكم يا عرب تنتحرون!!
د-صادق السامرائي

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here