العراق من الملكية الى الجمهورية والمعاناة مستمرة ــ 3 ــ

العراق من الملكية الى الجمهورية والمعاناة مستمرة ــ 3 ــ

إن وصول حزب البعث للسلطة والممارسات القمعية التي انتهجها وغياب الحريات وسيطرة الحزب الواحد والنظرة الشوفينية تجاه الاخرين اوصلت العراق الى حالة يرثى لها واصبح الشعب العراقي يعيش حالة من الخوف والرعب وغياب ابسط الحقوق التي من المفروض ان يمارسها الفرد العراقي ، واصبح هذا الحزب وعن طريق السلطة يفعل ما يشاء ويدخل البلاد في حروب خاسرة والضحية هو المواطن العراقي المظلوم .
ان اللعب بمقدراته كانت حالة يومية يعيشها الشعب العراقي من خلال الاجهزة القمعية التي كانت تراقب كل شيء ولا تثق بالمواطن مهما كان وحتى المقربين من النظام ايضاً لم يسلموا من بطشه وتم تصفيتهم منذ استلام السلطة سنة  1968 م .
عندما تم اختيار الوزراء في بداية سيطرة حزب البعث كانت المذهبية والمناطقية تلعب دوراً كبيراً فيها بحيث اصبح الاختيار على اساس المذهب وحتى المدينة بالرغم من ان هؤلاء الوزراء كانوا ذو كفاءات عالية وكان ينظر اليهم وكأنهم خطراً عليهم ولا يمكن التعامل معهم ، كانت هذه الاشكالية محور حوار البعثيين وقتها وكانت توضع العراقيل عند انتخاب وزير شيعي ، بالرغم من انه كان في البداية ، من كان له التأثير بمساعدة البعثيين بالخبرة التي كانت لديه  واستغل البعثيين ذلك  وقتها ، ومنهم وزير التخطيط جواد هاشم ( الشيعي ) الذي كان مقرباً من احمد حسن البكر وبعدها اصبح مقرباً من صدام حسين .
كان وزيراً للتخطيط ( جواد هاشم )  يعتمد عليه من قبل السلطة وكان يقدم الدراسات التي تصب في مصلحة البلد بالرغم من المعوقات التي كان يضعها البعض من اعضاء مجلس قيادة الثورة حينها امامه من الحاقدين على شيعة العراق ولديهم حساسية كبيرة من الكلمة نفسها ( الشيعة ) وتصورهم الخبيث تجاههم واعتبارهم من العجم .
     ان هذا الاعتقاد الراسخ من قبل سلطة البعث بان العراقيين اللذين تقع مدنهم متاخمة او قريبة للحدود الايرانية هم من العجم ولايمكن الوثوق بهم ويجب التعامل معهم كالغرباء وكأن المدن الاخرى هي عراقية اصيلة دون غيرها والسلطة يجب ان تكون محصورة بيدهم وعلى الاخرين القبول بهذا الوضع بل وكانت محصورة بمدينة تكريت التي هم اتوا منها ، بل من قرية العوجة المعروفة بالسرقة والقتل وألسمعة السيئة واصبحت كلمة التكريتي مرادفة للسلطة وكل من يحمل هذا اللقب يحصل على التسهيلات والقوة .
يذكر الوزير جواد هاشم ( وزير التخطيط ) في كتابه مذكرات وزير عراقي مع البكر وصدام ، عندما استدعاه رئيس الجمهورية احمد حسن البكر الى القصر ، ( دخلت المكتب فوجدت فيه وزيرين آخرين هما الدكتور احمد عبد الستار الجواري وزير التربية ( مدني سني ) والفريق حماد شهاب التكريتي وزير الدفاع وعضو مجلس قيادة الثورة ( عسكري سني ) كانا في حديث عن محافظات العراق ، سمعت حماد شهاب يقول للجواري إن جميع سكان المنطقة التي تقع بين المحمودية وجنوب العراق هم عجم ، ولابد من التخلص منهم لتنقية الدم العربي العراقي ) . وكأن هذه البقعة الجغرافية كانت خالية سابقاً ولم يقطنها احد بالرغم من انهم من السكان الاصليين وعراقيين اباً عن جد وجذورهم في عمق التاريخ ، وهذه العقلية الشوفينية المقيتة ادت الى حالة من الاستغراب من طرف وزير التخطيط جواد هاشم حين قال له بانه (  اي جواد هاشم ) من مدينة عين التمر التابعة لكربلاء .
هنالك احداث اخرى حدثت بالفعل تصب كلها في ان الشيعة ليس لهم الحق في ان يعينوا في الوزارات العراقية الا ماندر وذلك لانهم كانوا بحاجة ماسة الى الكفاءات العالية والخبرة في مجال عملهم واراد التكريتيين البعثيين الاستفادة منهم لحين السيطرة التامة على السلطة التي سعوا اليها وبكل قوة ، ومثال على ذلك شركة النفط الوطنية عندما اقترح الدكتور رشيد الرفاعي وزير النفط والمعادن ( مدني شيعي ) تعيين المهندس على هادي الجابر نائباً لرئيس شركة النفط الوطنية وكان قد شغل مناصب مهمة في مؤسسات النفط وشركاته ومن العناصر العالية الكفاءة في الحقل النفطي ولم يكن بعثياً ، حيث اتهم وزير الصناعة خالد مكي الهاشمي ( عسكري سني ) وزير النفط والمعادن الدكتور رشيد الرفاعي بان الاخير اقترح الجابر ليس على اساس الكفاءة والخبرة ولكن بسبب العلاقة الشخصية التي تربطهما وان الجابر شعوبي وطائفي !! ، وكان قد رشح الدكتور عدنان شريف التكريتي !! بدلاً من علي هادي الجابر ( الشيعي ) ذاكراً بأن الدكتور عدنان من جماعتنا وبعثي وغير طائفي !!! والهدف من كلامه ان لايكون هنالك شيعياً في هذا المنصب ، وغيرها من الاحداث التي تبين لنا كيف ان هؤلاء العبثيين يحملون الافكار الخبيثة والرعناء واوصلوا العراق الى الدمار والخراب .

ان جذور الطائفية والمذهبية وحتى المناطقية موجودة في العراق منذ العهد الملكي وليست وليدة اللحظة والتي يروج لها الكثيرين من العبثيين والمخربين والحاقدين على الشعب العراقي واللذين يحاولون ان يعكسوا الصورة الحقيقية لهذا البلد العراق ويظهروها على اساس ان الاحداث الحالية التي تحدث في العراق سببها الشيعة وهم المسؤولين عنها متناسين ومتعمدين انهم هم العلة الحقيقية وعليهم ان لايدمروا العراق الجريح وان لايستمروا بذلك وان يعوا ويفهموا معنى الوطنية ومعنى حب الوطن بعيداً عن الطائفية والمذهبية والمناطقية وان وان لايزيدوا الطين بلة ، وان يكون انتمائهم للعراق اولاً واخيراً، وان العراق لجميع العراقيين كورداً وعرباً وسنة وشيعة وايزديين وشبك ومسيحيين ومندائيين وتركمان .

انتهى
بقلم 
جلال باقر 
‎2015-‎11-‎07     

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here