‘الصراع من أجل العراق’ يرصد بعيون أميركية أخطاء ما بعد صدام

في رحلاته الثلاث إلى العراق يرصد الدكتور توماس ريناهان في كتابه “الصراع من أجل العراق.. نظرة من على الأرض” أهم الأزمات التي رافقت العراق في مرحلة ما بعد الرئيس الراحل صدام حسين (1979-2003).
وكذلك الأخطاء المتتابعة، التي أودت بالعراق إلى ما وصل إليه اليوم من حل الجيش والمؤسسات الأمنية العراقية عقب الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية عام 2003، إلى تشكيل مجلس الحكم فالفساد الإداري والسياسي الذي أنهك مفاصل الدولة والبطالة المقنعة والإرهاب وغيره مما يعصف اليوم بالعراق.
ما يميز ريناهان (74 عاما)، وهو خبير سياسي ومستشار تنمية دولي، هو أنه حظي بفرصة للعمل في ثلاثة من المراكز الحيوية بالنسبة للقضية العراقية، فمن محافظة ميسان (جنوب) ذات الأغلبية الشيعية، إلى العاصمة بغداد ذات الخليط الإثنو ديني ومركز الحكم السياسي إلى محافظة أربيل مقر حكومة اقليم كوردستان.
فساد متواصل
في كتابه، المكون من 520 صفحة والصادر مؤخرا، يروي ريناهان تفاصيل رحلته عبر المهام التي كلف بأدائها، فمن محاولة تدريب كوادر سياسية في مدينة العمارة، مركز محافظة ميسان، على تنظيم وإدارة شؤونهم السياسية، عن طريق العمل مع مجلس المحافظة (2003-2004)، مرورا بمحاولة تشخيص الفساد وتدريب منظمات مدنية في بغداد على مكافحته بين (2005-2006)، وانتهاء بدوره في أربيل، حيث عمل، في وزارة البلديات لتحسين قدرة حكومة الإقليم على التعامل مع التحديات (2007-2008).
يقول الخبير السياسي، في كتابه المكون من 22 فصلاً، إن “أحد أكثر الافتراضات السياسية الساذجة لدى التحالف (الذي غزا العراق) هو أن رحيل صدام سيؤدي إلى حكومة أقل فسادا”.
ويضيف “رغم أن نظامه (صدام) كان يفيد قادة (حزب) البعث (الحاكم) وبطانته (صدام)، إلا أن القوانين الصارمة وشبكات التجسس وعامل الترهيب كلها جعلت من الخطر للآخرين أن يحاولوا تحقيق منفعة شخصية”.
وعن رحلته الثانية إلى العراق والفساد الذي استشرى في مفاصل الدولة، يقول ريناهان: “كان الفساد كبيرا عندما وصلت (بغداد)، نوفمبر/تشرين ثان 2005، لدرجة أن تم تصنيف العراق واحدا من أكثر الدول فسادا في العالم، وشغل المركز (تناوليا) 137 من بين 159 دولة في تصنيف منظمة الشفافية الدولية”.
تفجيرات يومية
خلال هذه الفترة مر العراقيون بحالة إحباط يتحدث عنها الخبير الأميركي بقوله “كان رد فعل الطاقم (الحكومي) العراقي (على التفجيرات اليومية في بغداد) عامة غير مبالية.. التفجيرات القريبة ولدت همهمة وتعجبا”.
ويتابع: “كان هذا أقصى ما في الأمر، وكأنه لم يحدث ما يستحق الكلام.. مجرد تفجير آخر ومزيد من القتلى، ما الجديد في ذلك ؟”.
ويصف ما مر به سكان بغداد مع كثرة التفجيرات بقوله إنها “أوصلت الناس إلى درجة لم يتبق داخلهم طاقة عاطفية للتعبير عن رد فعل”.
تهديدات بالقتل
وبشأن تجربته في محافظة ميسان، يستذكر ريناهان، في كتابه، تعرض فريق عمله العراقي إلى تهديدات بالقتل، بعد انتشار شائعة عن البرنامج الذي كان يقوده بأنه تابع لتنظيم صهيوني.
ويتحدث عن رد فعل العاملين معه بعد تلقيهم التهديدات قائلا: “الذهاب إلى الشرطة نادرا ما كان يحدث، غالبا بسبب الاعتقاد المشفوع بالأدلة بأنهم (الشرطة) غير فعالين، وفي أحيان كثيرة يكونون هم أنفسهم المجرمين”.
ويضيف “بدلا من الذهاب إلى الشرطة، كان الضحايا يذهبون إلى شيوخ عشيرتهم، وهو ما قد يدفع إلى مفاوضات بين العشائر، تنتهي بمعاقبة العشيرة للجاني أو إجباره على دفع تعويض أو تسليمه إلى الشرطة”.
وفقد ريناهان عددا من موظفيه المخلصين جراء أعمال عنف مسلح، بينهم د. كفاية حسين، وهي أستاذة في اللغة الإنكليزية قُتلت على أيدي ثلاثة مسلحين يستقلون سيارة، لحظة خروجها من منزلها.
ويقول عنها: “عملت عن قرب مع كفاية.. كانت مخلصة جدا، وأعلم أنها كانت تحترمني، بدأت أفكر كم كانت لحظاتها الأخيرة مروعة بالنسبة لها… عندما عدت إلى فندقي، أجهشت بالبكاء والدعاء.. لم يكن هناك شيء في الحياة جعلني أبكي، على الأقل ليس بهذه الطريقة”.
وحول تجربته في إقليم كوردستان، يعتبر ريناهان أن “أحد الفروقات الكبيرة بين العراقيين العرب والكورد هو رأيهم في الولايات المتحدة، فرغم أن معظم العرب رحبوا بسقوط صدام، إلا أن القليل منهم أبدوا عرفانا للولايات المتحدة (لإسقاطها صدام) أو لم يظهروه مطلقا، بينما كان الكورد ممتنين بشكل كبير”.
ويرى أن هذا يعود إلى العلاقة التاريخية بين الكورد والولايات المتحدة بقوله إن الكورد “شعروا بالامتنان من قبل، لكنهم عانوا من خيانة واضعي السياسة الأميركية”.
ويتابع أن موقف الكورد من الولايات المتحدة “أدى إلى انتشار خرافات مبهجة عن الكورد، وكان أكبرها أنهم يديرون نموذجا ديمقراطيا على عكس حكومة العراق الشديدة التعثر (الحكومة المركزية)”.
ويضيف أنه “بينما عكست حكومة الإقليم بعضا من الخلل نفسه الذي عانت منه حكومة بغداد، لم يسمح الخصمان المتمثلان في الحزبان النفعيان المسيطران (في الإقليم)، وهما الحزب الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني، سوى بتقدم محدود في الديمقراطية”.
وانتقد في حديثه “وضع الحزبين وتحكمهما في جميع التعيينات للمناصب العليا، بما فيها رئيس الوزراء وكل الوزراء ووكلائهم والمديرون العامون والمستشارون وحتى المحافظين والمرشحين البرلمانيين (الذين يفترض أن يتم انتخابهم)، وكذلك رؤساء الجامعات والموظفين الجامعيين”.
هل تحقق المصالحة؟
في النهاية، يستنتج الخبير السياسي الأميركي أن الصراعات التي خاضتها المكونات الأساسية في العراق، منذ سقوط نظام صدام عام 2003، نتج عنها في النهاية سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية على أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية صيف 2014.
ويقول في هذا الصدد إن “الخسارة الكبرى للأراضي العراقية لصالح الارهابيين نابعة مباشرة من فشل القادة السياسيين للشيعة والعرب السنة والكورد في تجاوز مشاكلهم مع بعضهم البعض”.
ويتساءل ريناهان “إذا ما كانوا (القادة السياسيون) سيستطيعون في النهاية تحقيق مصالحة حقيقية، في ظل ثقافة سياسية لا تقبل التسويات في العراق حتى وهم يواجهون هذا النوع من الأزمات المريعة”، معتبرا أن هذا هو “سؤال الجائزة الكبرى ذي الإجابات غير المؤكدة”.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here