الازمة بين العرب والاكراد في العراق: فتنه خطيره ضمن مسؤؤلية الجميع

بقلم: الدكتور سامي آل سيد عگلة الموسوي

ان تبعات انفصال الاقليم في شمال العراق بدولة كردية قد تكون اخطر بكثير من مرحلة داعش والحروب التي سبقت. والسؤال الذي يجب الانتباه اليه هو هل سيجر ذلك الى حرب او حروب او لربما قلاقل داخل الاقليم وداخل العراق نفسه؟ ليس ذلك فحسب بل سوف يؤدي الى تحقيق اطماع بعض الدول التي سمعنا تصريحات قادتها على اعلى المستويات لاسيما ايران وتركيا. الامر خطير جداً ويجب اتخاذ كافة الاجراءات للوقاية فهي خير من العلاج…

تقع مسؤولية تفادي تلك الاخطار على الجميع لنزع فتيل الازمة وتجنيب الاكراد والعرب شر هذه الفتنه والبليه في هذا الوقت الحرج.. واول من تقع عليه المسؤولية هي حكومة السيد حيدر العبادي والسيد مسعود البرزاني وكافة الاحزاب العربية والكردية وباقي الاقليات … ولايمكن ان يفوتنا دور المرجعية الدينية في التهدأه وردأ الصدع والتدخل من اجل الحوار والتفاهم …. والمطلوب من السيد العبادي هو ان يكون مبادراً فيشد الرحال هو الى مسعود البرزاني للتفاهم وتشخيص الازمة وتشكيل لجان متخصصة لوضع الحلول ورسم خريطة طريق صحيحية على ضوء المباديء والاسس العلمية الثابته والحقوق والواجبات وغيرها … وهنا اذا اراد السيد فؤاد معصوم ان يثبت دوره في حل الازمة فلابد له من التحرك السريع والمدروس وهو ضمن واجباته التي اقسم عليها يجب ان يفعل … للاسف اننا لم نرى من هؤلاء ولا من المرجعية الدينية خطط مدروسة لتفادي الصراع القادم وليس عليهم انتظار الامر ليكون ردة فعل فقط ! ومن المؤسف ان الاعلام المملوك للاحزاب والفئات المختلفه بدلاً من ان يحالو العلم بايجاد حلول اخذ يلتجأ الى الشعارات المؤيدة لهذا او ذاك او التهديد والوعيد وهو بذلك يمارس ردود فعل انفعالية لاتقل عن تلك التي ادت الى الازمة وما ذلك الا تعبير عن الفشل في وضع الحلول للازمات ..

القائد الحكيم هو الذي يتخذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب وحينما يكتشف ان هناك خطأ فانه يشخصه ويقوم بالتنبيه الى انهم يسيرون في الطريق الغير صحيح وهذا ما يجب ان تنظر اليه كافة الاطراف في العراق اليوم خاصة طرفي المعادلة الحالية حيدر العبادي ومسعود البرزاني. اذ ان المباديء والعمليات الطبيعية هي التي يمكن ان تبنى عليها الثقة وليس الشعارات والمظاهر السطحية وبناء العلاقات على اسس من التدخلات والخطب الرنانة من كافة الاطراف.

لابد ان نعرف بأن المشكلة تكمن في الاسلوب الذي نراها به فبامكاننا ان نمحو كافة المشاكل الصغيرة والكبيرة بتغيير نظرتنا اليها وذلك باصلاح انفسنا من الداخل الى الخارج والاستماع الى الطرف الاخر من خلال المباديء والقيم الثابته وليس من خلال الانفعالات والعواطف … والمباديء الثابته تعني ان نرى الفقر فقراً والجهل جهلاً والظلم ظلماً والحقوق حقوقاً والمساواة مساواةً وهلم جرى … خلق الله الناس سواسية ومنحهم حقوقاً لايمكن تجريدهم منها كالحق في الحياة والحرية والسعي لتحقيق السعادة ولكن يجب ان لاتبنى على الظلم والحروب وافتعال الازمات والمشاكل … فأن استشعرنا وقوع مخاطرها وجب علينا التوقف لللعمل للحيلولة دون وقوع تلك المخاطر على الناس ..

ذكر البرت انشتاين ملاحظة قال فيها: ”لايمكن ان نحل المشكلات الكبيرة التي تواجهنا ونحن على مستوى التفكير نفسه الذي كنا عليه عندما صنعنا هذه المشكلات“ …

وهذا معناه ان الشخص يجب ان يحسن نفسه من الداخل قبل ان يبحث عن تحسين علاقته مع الاخرين من الخارج والذي هو خطأ شائع … لانه من الصعب تحسين العلاقات مع الاخرين قبل اصلاح النفس .. فالحلول التي يراد لها ان تأتي من الخارج اي بين طرفي النزاع دون اصلاح ذات بينهما لايمكن ان تنجح الا اذا تم اصلاح ما في الذات … وابسط مثال هو التعايش السلمي بين السنة والشيعة والعرب والاكراد في وطن واحد لايمكن ان يتم وينجح ما لم يغير السني والشيعي والكردي والعربي ما في داخل نفسه ليكون محباً لاخيه المواطن غير منتقصاً من مذهبه او تفكيره او قوميته وغير مبغضاً له او كارهاً العيش معه. بذلك يكون الحل الصحيح الدائم وهو اصلاح ذات البين من الداخل وهو صعب ولكن ليس مستحيل… اما الحلول التي تأتي عبر تفاهمات مكتوبة دون تغيير الداخل فهي ستفشل لان الاتفاقات السطحية لاتمحي الكراهية المبطنة … لابأس من التفاوض ولكن يجب ان يسبقه او على اقل تقدير يتوازى معه تغيير ذات البين من الطرفين.. وان تغيير ذات البين هي درجة عالية من النضج لاتتسنى الا الى اناس معدودين .. وما نجاح يوسف (عليه السلام) الا عندما واجه الحياة والمصاعب التي مر بها من خلال المباديء التي ثبت عليها في داخله… حينها انتقل من عبد تم بيعه ثم سجين منسي الى الرجل الثاني بعد الفرعرن لحكم مصر.

نحن عندما نفكر بالمشكلة من منظورها هي في واقع الحال نعزز من هذه المشكلة ونجعلها تسيطر علينا … وحينذاك نسمح لها بالتفاقم وتسبب الالم لنا الى ان تصبح حياتنا رهناً لها ……… فأنت لايمكن لشخص ان يجرحك الا بموافقتك!

يقول الكاتب والشاعر الانكليزي المعروف صومائيل جونسون الذي عاش في القرن الثامن عشر: ”لابد ان يتدفق نبع الافكار من داخل العقل …. ومن يسعى وراء السعادة بتغيير كل شيء عدا شخصيته فأنه يهدر حياته في جهود لاطائل منها ويضاعف من الاسى الذي يحاول التخلص منه“ …

ويقول الكاتب والشاعر والصحفي والمسرحي والسياسي العبقري الانكليزي جوزيف اديسون الذي عاش في القرن السابع عشر:

”عندما انظر الى قبور العظماء يموت بداخلي اي شعور بالحسد وعندما اقرا العبارات الجميلة المكتوبة عليها تذوي بداخلي كل الرغبات الجامحة

وعندما ارى عيون الاباء تقطر حزنا عند القبور ينفطر قلبي تعاطفا معهم

وعندما ارى قبور الاباء انفسهم افكر في عدم جدوى الحزن على هؤلاء الذين سنلحق بهم سريعا

وعندما ارى الملوك يرقدون جنبا الى جنب مع هؤلاء الذين انتزعوا منهم الحكم و ارى المتنافسين او الرجال الذين قسموا العالم بسبب افكارهم و اثاروا به النزاعات يرقدون جنبا الى جنب اتدبر بحزن و دهشة المنافسات و الصراعات و المناظرات بين الجنس البشري

وعندما اقرا التواريخ المختلفة المكتوبة على القبور لبعض الذين توفوا بالامس و الذين توفوا من مئات السنين افكر في يوم القيامة حيث سنحشر جميعا!

ويقول البروفسور أريك فروم الباحث في علم الاجتماعيات والسايكولوجي:

”ان الانسان في عصرنا هذا اصبح يتصرف كالانسان الالي الذي لايعرف نفسه ولايفهما … وقد حلت لديه الدردشة عديمة المعنى محل الحديث التواصلي والابتسامة المصطنعه محل الضحكة الصادقة التي من القلب واستبدل الالم الراقي باليأس الممل .. وان هذا الانسان يعاني من عيوب في التعامل بتلقائية وعيوب في شخصيته غير قابلة للعلاج وانه موجود في ملايين من البشر الذي يعج بهم الكون“ ..

اذن يجب ان تكون المبادرة من حيدر العبادي لكي يتعرف على ما يحس به مسعود البرزاني من مظلومية ويشخصها كلاهما ولابأس وحسب المباديء السامية والحضارية للحوار ان يكون هناك حكماء لتذليل المصاعب وذلك بالاتفاق على نقاط الاختلاف ونقاط التوافق ومن ثم فتح طريق تفاوضي مستمر … ولابأس بأن يساعد في ذلك اطراف تسعى للخير سواء عربية او غير عربية او اجنبية او دينية ان كانت غاياتها صادقة وافضل الحلول ما كان من الداخل وما سبقه اصلاح ذات البين وتقديم تنازلات من الطرفين لقطع الطريق على من يريدون اذكاء حروب اخرى ….. والحليم تكفيه الاشاره…

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here