لا .. لإراقة قطرة دم واحدة !

محمد عبد الرحمن
لم يعد خافيا على المتابعين الجادين للشأن العراقي وللتفاعلات الجارية فيه منذ 2003 حتى الان، ان الازمات المتتالية التي عصفت وما زالت تعصف بوطننا، انما تدلل على فشل المنهج الذي اعتمد في ادارة الحكم، وتقع مسؤولية ذلك بالكامل على القوى التي تسيدت المشهد منذ التغيير وإن بدرجات متفاوتة، وتبقى الحصة الاكبر تقع على عاتق الكتلة السياسية التي ينتمي اليها رئيس الوزراء، بحكم موقعه الدستوري وما يتمتع به من صلاحيات. فلا ينسجم مع المنطق والواقع توزيع البعض مسؤولية هذا الفشل على الجميع بالتساوي، الامر الذي لا يصمد في اي جدل جدي. وهل تصح مثلا مساواة مسؤولية رئيس الوزراء مع مسؤولية وزير او وكيل وزارة او مدير عام ؟! ثم ان هذه المسؤولية لا علاقة لها قطعا بعدد الحقائب الوزارية لهذا الطرف او ذاك .
نقول هذا وامامنا مشكلة جدية، وقضية غاية في التعقيد. ونعني بها مصير اقليم كردستان وعلاقته باجزاء العراق الاخرى، ولا نقول هنا الاستفتاء فهو بحد ذاته يمكن اجراؤه، ولكن السؤال الاهم المرتبط به هو: ماذا يراد منه وماذا يمكن ان يترتب عليه من نتائج ؟ خصوصا بعد ان تم توسيع مساحة الاستفتاء الى مناطق مختلف عليها او كما تسمى دستوريا متنازع عليها. وقد رسم الدستور في المادة 140 طريقا لمعالجتها، ولكن ذلك لم يحصل، وهو مثال على حالة الفشل متعدد الجوانب والمسؤوليات كما اشرنا اعلاه. فهذا التوسيع اضاف استعصاء جديدا الى المشهد المعقد اصلا، واثار ردود فعل كبيرة لدى قطاعات واسعة من مواطني تلك المدن والقصبات.
وفي هذا الشان نشير الى ان البعض استخف كثيرا بقضية علاقة الاقليم مع بقية اجزاء الوطن، التي هي غاية في الحساسية، وتعامل معها بردود فعل اسهمت هي الاخرى في توفيرملفات خلافية جديدة، تضاف الى ما هو قائم اصلا من ملفات عالقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم. والمثال الاقرب هنا ما اتخذه مجلس النواب اخيرا من قرارات ذات صلة بموضوعنا، في وقت يدعو فيه رئيس الوزراء القادة الكرد الى القدوم الى بغداد وتدشين حوار جديد!
من المؤكد ان مجلس النواب كان يمكن ان ينتظر بضعة ايام حتى تنجلى كل المواقف وتستقر على حال، خاصة بعد لقاء السفراء الثلاثة مع السيد البارزاني، بدلا ان يصب الزيت على النار المستعرة ! ولا غرابة عندنا في مواقف بعض النواب الذين كانوا يكررون بالحاح قائلين “خلي يروحون ونخلص منهم”، ولكن العتب على العقلاء الذين ما انفكوا يدعون الى المزيد من الحوار ويجهدون النفس في توجيه النداءات !
وتتواصل مظاهر الاستخفاف على نحو تراجيدي، وتتمثل هذه المرة في التهديدات المتقابلة وتجييش الجيوش واستدرار العواطف، من دون التوقف ولو لحظة واحدة للتمعن في حال بلدنا والتحديات التي تحيط به من كل جانب، وفي مقدمتها الارهاب وداعش اللذين لم يهزما بعد رغم الانتصارات المتحققة والتي هي موضع اعتزاز وتقدير. وستكون الصورة التي غابت عمن اطلق العنان لشوفينيته وتعصبه، مأساوية بكل معنى الكلمة اذا ما اريقت قطرة دم واحدة. وسيكون الموقف اكثر قتامة اذا ما تدخلت دول الجوار في ذلك وطبقت فعلا تصريحاتها ! ولنا في ما يحصل في دولة جنوب السودان مثال جدير بالتأمل.
ويبقى مهما القول ان الاستفتاء، حسب رأينا، حق يوجد خلاف على توقيته ومساحته، واذا حصل او لم يحصل فلا بد من الحوار، وليس غير الحوار والعقلانية سبيلا للحل الآن وفي المستقبل. ولتصمت اصوات الحقد والكراهية والثار والانتقام والحرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الاحد 17/ 9/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here