حول مقالة : < كركوك عنوان الحرب المقبلة > !

مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكردستانية
نشر الدكتور ماجد السامرائي ، الناقد العراقي في موقع ( العرب ) مقالة عنوانها < كركوك عنوان الحرب المقبلة ) ، قال في مستهلِّها : ( منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 كانت الأزمة السياسية الدائمة هي القضية الكردية وليست الطائفية ، فالشيعة والسنة العرب هم الأساس التاريخي للعراق الواحد ) . ماذكره الدكتور ماجد السامرائي بقلمه ، وبعظمة لسانه في مطلع مقالته ، هو آعتراف صريح وواضح منه بأن الكرد في إقليم جنوب كردستان ليسوا عراقيين ، كما إن إقليمه لم يكن جزءً من العراق ، ولاأرضاً عراقية ، فقوله : ( فالشيعة والسنة العرب هم الأساس التاريخي للعراق الواحد ) ، هو صحيح بلا شك ، بخاصة قوله ( الأساس التاريخي ) ، فالكرد لم يكونوا ( الأساس التاريخي للعراق ) ، بل إن الأساس التاريخي وجذوره وآمتداداته العريقة للشعب الكردي كانت وماتزال هي كردستان . لهذا قال الدكتور ماجد السامرائي في بداية مقالته بأنه ( منذ تأسيس الدولة العراقية عام ( 1921 ) كانت الأزمة السياسية الدائمة هي القضية الكردية ) ، ثم أردف بعدها نافياً أيَّ عامل آخر ( وليست الطائفية ) العربية الشيعية والسنية ، وقوله ذلك لايعني إن عاملاً دخيلا أجنبياً قد طرأ على العراق فسببت له أزمة سياسية دائمة ، مع إن عامل ( الطروء الكردي ) الأجنبي الدخيل على العراق لم يكن بإرادته ، ولابحريته وآختياره ، بل كان عنوة وقسراً وبالإكراه من قِبَل بريطانيا التي في عام ( 1921 ) من القرن العشرين المنصرم أنشأت الدولة العراقية الحديثة فألحقت إقليم جنوب كردستان خلال إتفاقية سايكس – بيكو ( 1916 ) البريطانية – الفرنسية بالعراق الذي كان يومذاك يتكوَّن من ولايتين عثمانيتين ، هما : بغداد والبصرة فقط . إقراراً لِمَا ورد أعلاه يقول المؤرخ العراقي الدكتور جمال عمر نظمي : ( إن العراق الحديث هو النتاج التاريخي لعملية التوحيد السياسي والاقتصادي للولايات العثمانية الثلاث : الموصل وبغداد والبصرة . هذه الصيرورة التاريخية تعزَّزت بعاملين مهمين : أولاً / سياسات الحكومة البريطانية بعد الحرب العالمية الأولى . وثانياً / النمو المتزايد للحركة القومية والاستقلالية . إن تفاعل كل هذه العوامل أدت الى تشكيل الحكومة العراقية المؤقتة 1920 ، ومن ثم ميلاد الدولة العراقية الحديثة ) ينظر كتاب ( ثورة 1920 ) لمؤلفه الدكتور جمال عمر نظمي ، ص 31 ، ثم يضيف الدكتور جمال عمر نظمي : ( وطبقاً لإتفاقية سايكس – بيكو كانت الموصل تقع ضمن منطقة النفوذ الفرنسي ، وكان هذا يتعارض مع إتفاقية الحسين – مكماهون ، التي قضت بجعل الموصل جزءً من الدولة العربية المقترحة ) ينظر المصدر السابق والمؤلف ، ص 292 . والدولة العربية المقترحة لإنشائها وفق إتفاقية الحسين – مكماهون ( 1915 – 1916 ) ، هي العراق طبعاً . يتضح من ذلك مدى الجور التاريخي الذي ألحقته بريطانيا بالكرد في جميع أجزاء كردستان . لذلك يقول المفكر العراقي الدكتور محمد المهدي مؤكداً على الضرر الكبير لإلحاق جزءً من كردستان بالعراق ، حيث أصبح ( عقدة مستعصية ) في تاريخ العراق كله : ( لقد أصبحت القضية الكردية عقدة مستعصية أثبت تاريخ العراق في السنوات الستين الماضية إن هناك سبيلاً واحداً لفكها : قطع العقدة ) ينظر مقالة ( ما هو مصير الأكراد ) لكاتبه الدكتور محمد المهدي ، جريدة ( التيار ) ، لندن ، عام 1983 ، نقلاً عن صحيفة ( كورد نامه ) العدد ( 14 ) ، العام 1990 ، ص 5 مع ذلك كله لم يعدل الدكتور ماجد السامرائي في مقالته ، ولم ينصف الكرد فيها ، فيقول عن القضية الكردية بآستهانة وإدانة وتشويه : ( قضية الأكراد استخدمت فيها الحقوق كغطاء سياسي بوجه العراق ، فحقوق الأقليات من الطبيعي أن يتم تأمينها تحت ظل حكومة نظام ديمقراطي يضمن مصالح الجميع ، وليس تلبية للمصالح الكبرى الطامعة بالعراق الغني بثرواته ، حيث ظل مستهدفاً وآستخدمت القيادة الكردية عبر تاريخ العراق الحديث ) . تحدث الدكتور ماجد السامرائي في إستخدام الدول والمصالح الكبرى القضية الكردية وحقوقها ضد العراق ، هنا تناسى وتجاهل الدكتور السامرائي إن تلكم الدول والمصالح الكبرى نفسها ، بخاصة بريطانيا هي التي أنشأت العراق والدولة العراقية الحديثة ونصبت عليها ملكاً من خارج العراق ، وهو الملك فيصل بن الحسين (1883– 1933 ) ، وذلك بعد طرده من سوريا التي كانت تخضع لفرنسا عام ( 1920 ) . أما التناسي والتجاهل المتقصِّد الآخر للدكتور السامرائي المقرون بالحيف تجاه الكرد وقضيته العادلة ، هو ثورة وحركات القائد الكردي التاريخي المعروف الشيخ محمود الحفيد البرزنجي والمشهور كردياً بملك كردستان ( 1881 – 1956 ) ضد بريطانيا الدولة الكبرى قبل إنشاء بريطانيا للدولة العراقية الحديثة ، وذلك لأجل تحقيق الحقوق الكردية ، في مقدمتها تأسيس الدولة الكردية ، في حين كان قادة العرب يومذاك يتشبَّثون بالانجليز والفرنسيين لأنشاء كيان مصطنع لهم . عليه ، فإن ما قاله الدكتور السامرائي ليس خطأً وخبطاً قصدياً وحسب ، بل هو تحريف للحقائق والوقائع لقضية الشعب الكردي وتشويه متعمِّد له ولقضيته وحقوقه المشروعة بالشِرْعة السماوية والأرضية . الدكتور ماجد السامرائي وأمثاله لايرون حرجاً وإشكالاً أبداً لو أن قادة العرب تشبَّثوا بالدول الكبرى ، ولربما هم كانوا في غنىً عن كل تلكم التشبثات والإنبطاحات ، أو ان الدول الكبرى أنشأت لهم دولاً وكيانات سياسية ، لكنهم يكيلون العلاقات الإضطرارية لقادة الكرد الخارجية بمكيال آخر تماماً ، مع إن قادة الكرد آضطروا الى ذلك ، لأن الكرد تحيط به إحاطة السوار بالمعصم دول لايقيمون وزناً للعدل والانصاف وحقوق الانسان ، بل هم كانوا ومازالوا مستمرون في تدمير الكرد وكردستان من جميع الجهات . يجعل الدكتور ماجد السامرائي إتفاقية الحادي عشر من آذار لعام ( 1970 ) من القرن الماضي بين الحكومة البعثية العراقية المنحلة والثورة الكردية مِنَّة على الكرد ، لكنه يتجاهل العوامل التي أدت الى رضوخ الحكومة العراقية المذكورة لتوقيع الإتفاقية مع الثورة الكردية ، حيث منها أن الحكومة العراقية يومها فشلت في القضاء عسكرياً على الثورة الكردية ، أي إنها لم تعقد الاتفاقية مع الكرد حرصاً منها على العدل وحقوق الانسان الكردي في كردستان ، مع تجاهله لِما قامت به الحكومة العراقية يومها من الجرائم الكبرى بحق الشعب الكردي التي تمثلت في القتل الجماعي والاعدامات وسياسة التعريب العنصرية والتهجير القسري للكرد من العديد من المدن والقرى والمناطق الكردية وإحلال القبائل والعشائر العربية محلهم ، بخاصة في مدينة كركوك وضواحيها وضواحي مدينة الموصل ، وفي مدينتي خانقين ومندلي وغيرهما . يقول الدكتور ماجد السامرائي في مقالته بأن الحكومة العراقية يومها إعترفت بالحقوق القومية للكرد ( مع توفير فرص المشاركة في الحكومة العراقية ) وآستخدام ( اللغة الكردية في المؤسسات التعليمية ) ، أما لم يتم التوصل الى حل حاسم بشأن معضلة كركوك ، حيث كانت معلَّقة تنتظر نتائج الإحصاءات لمعرفة نسبة القوميات المختلفة في المدينة ، إذ تم التخطيط لإجراء الإحصائية المذكورة عام ( 1977 ) ، ( لكن تلك الاتفاقية الفريدة قبرت قبل ذلك التاريخ بعد تعنت الزعيم الكردي الملا مصطفى البارزاني وإعلانه حق الأكراد في نفط كركوك ما فجر الأزمة من جديد ودفع الحكومة المركزية في مارس 1974 الى إعلان الحكم الذاتي للأكراد من جانب واحد ، دون موافقة القيادة الكردية ) ! . قلنا آنفاً بأنه لم تكن للحكومة العراقية يومها نوايا سليمة تجاه الكرد وحقوقه المغموطة ، فهي رضخت من باب ضعفها لاتفاقية آذار عام ( 1970 ) مع الثورة الكردية ، وذلك بحسب الدلائل التالية : 1-/ إستمرار حكومة البعث العراقية المنحلة في ممارسة التعريب للمدن والقرى الكردية وتهجير السكان الكرد الأصليين منها . 2-/ قيام الحكومة العراقية البعثية بآغتيال المسؤولين والوزراء الكرد ، منهم الوزير الكردي نافذ جلال . 3-/ إختطاف الكوادر الكردية وزجهم في سجن قصر النهاية الرهيب في بغداد وغيره ، أو قتلهم في أحواض التيزاب ! . 4-/ محاولة إغتيال الزعيم الكردي المرحوم مصطفى البارزاني في عام ( 1971 ) خلال عملية إنتحارية فاشلة في مقر القيادة الكردية ، في بلدة حاج عمران ، وقد نجى مصطفى البارزاني منها بأعجوبة ! . 5-/ محاولة إغتيال نجل البارزانس المرحوم إدريس في بغداد ! . لقد كانت هذه الأعمال الإجرامية لحكومة البعث العراقية المنحلة تشكِّل خروقات فاضحة وصارخة لاتفاقية الحادي عشر من آذار لعام ( 1970 ) ، لهذا وصلت القيادة الكردية يومها الى حدود اليأس من أن الحكومة العراقية تسعى فعلاً الى السلام مع الكرد ، أو الى تطبيق الاتفاقية المذكورة والاعتراف الصادق بالحقوق الكردية المهضومة . أما بشأن كركوك فإن القيادة الكردية في أول تفاوضها مع بغداد عام ( 1970 ) ركزت على مدينة كركوك بآعتبارها مدينة كردستانية وإنها ( قلب كردستان ) كما قال الزعيم الكردي الراحل مصطفى البارزاني عنها ، لكن بغداد يومها أرجأت الاتفاق حول مدينة كركوك لأمور فنية مثل إجراء الاحصاءات لمعرفة الحالة الديموجرافية لسكانها ، ولم يكن ذلك حقيقة إلاّ تماطلاً من بغداد إزاء معضلة كركوك الكردستانية ، مضافاً تركيز القيادة الكردية على المدن والمناطق الكردية الأخرى في إقليم كردستان ، مثل مدينة سنجار وخانقين ومندلي وغيرها . خلال أعوام ( 1970 ) حتى عام ( 1974 ) قامت الحكومة العراقية البعثية المنحلة بتعزيز العلاقات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية والتسليحية مع الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق ، لهذا فإنها بمساعدتهم المتنوعة أقدمت على تطوير الجيش العراقي من جميع النواحي ، بخاصة إستيرادها وشرائها مختلف الأسلحة الحديثة الفتاكة منهم . بناءً على ذلك أقدمت الحكومة العراقية البعثية السابقة على إعلان نسخة مزورة ومزيفة للحكم الذاتي من جانبها فقط ، وذلك دون ( موافقة القيادة الكردية ) كما قال بنفسه الدكتور ماجد السامرائي ، وكان ذلك بالحقيقة إعلان حرب صريحة ضد الثورة الكردية ، وبالفعل فإنها بدأت بفرض الحرب وشنها على المدن والمناطق الكردية في إقليم جنوب كردستان عبر أحدث الطائرات والمقاتلات الحربية ، حيث تم آستهداف المدنيين الكرد صور وحشية للغاية ، حيث آرتكبت مجازر دموية مرعبة للمدنيين الكرد أطفالاً ونساءً ورجالاً ، حتى المدارس والجامعات الكردية لم تسلم من القصف ، بحيث تم قصف جامعة حلبجة فآستشهد وأصيب المئات من الطلبة والأساتذة الجامعيين الكرد ! . إذن ، ماذكره الدكتور ماجد السامرائي من إن ايران الشاه هي التي أجهضت أتفاقية آذار لعام ( 1970 ) ما هو إلاَ محاولة منه لإدانة القضية والثورة الكردية وتبرير سياسات الحكومة البعثية السابقة ، وذلك باقفز على الحقائق والوقائع التاريخية . يمضي الدكتور ماجد السامرائي في حديثه عن مدينة كركوك ، ليقول : ( ظلت قضية كركوك عالقة في الدستوركما كانت كذلك في إتفاقية مارس 1970 وقانون الحكم الذاتي 1974 لكي تبقى برميل الباروت الموقوت الذي تلعب به القيادات الكردية مستشمرة الوضع السياسي لما بعد 2003 ) ، وكل ذلك بسبب العقلية الشوفينية التي كانت سائدة لدى الحكومة البعثية العراقية السابقة ، حتى النظام الجديد للعراق بعد عام ( 2003 ) مازال يماطل حتى اليوم من الإقرار بكردستانية مدينة كركوك على رغم وجودة المادة رقم ( 140 ) الخاصة بمدينة كركوك ، ثم إن الكرد حينما يقولون بكردستانية كركوك لايقولون إنها تابعة للأمة الكردية وحسب كما قال الدكتور السامرائي ، بل إنها تعني جميع المكونات في مدينة كركوك من عرب وتركمان وكلدوآشور وأرمن ، فهؤلاء كلهم في المنظور الكردي مكونات كردستانية عزيزة على الشعب الكردي . إعتبر الدكتور ماجد السامرائي بأن رفع العلم الكردي على مباني محافظة كركوك من قبل محافظها ، هو خطوة إستفزازية ، وما ذكره السامرائي بأن ( القيادة الكردية تعلم بأنها غير قادرة على آنتزاع كركوك من العراق ) فهو غير صحيح ، ذلك إن القوات الكردية حررت كركوك عام ( 1992 ) ، لكن تحت الضغط الأمريكي الكبير تم إرجاع كركوك ثانية الى بغداد ، ثم إن القوات الكردية تمكنت مرة أخرى من تحرير كركوك عام ( 2014 ) ، وهاهي لليوم تخضع للقوات الكردية والإدارة الكردية ، أي إنها اليوم في رحاب أصلها الكردستاني ، وإن لم تتدخل الدول الكبرى فلن يكون بإمكان الحكومة العراقية الحالية أبداً من إسترجاع كركوك وآحتلالها مرة أخرى . ينصح الدكتور ماجد السامرائي ب( إدارة الأزمة من قبقل بغداد تتطلَّب وضع كركوك كخط أحمر في أيِّ تفاوض بينها وبين أربيل ، ومن يريد الاستقلال عن العراق فليتم له ذلك ولكن من دون كركوك ) . اذا كانت كركوك خطاً أحمر ، وهي مدينة كردستانية بالأصل والتاريخ والجغرافيا ، فهي بالنسبة للشعب الكردستاني أكثر من خط أحمر ولا إستقلال بدون مدينة كركوك ، وعلى السيد حيدر العبادي رئيس مجلس الوزراء العراقي وحكومته التحلي بالعدالة والشجاعة في الإقرار التاريخي بكردستانية كركوك وآستقلال كردستان بشكل عام ، وذلك على عكس ما ينصحهم الدكتور السامرائي عبر عقلية عنصرية بأتخاذ ( القرارات المصيرية الوطنية بشأن التمسك بكركوك وعراقيتها ) ، ثم تساءل الدكتور السامرائي : ( فهل تريد القيادة الكردية الحل العسكري ؟ ومن سيساعدها في ذلك ؟ ) . إن القيادة الكردية لاتريد ولاتحبذ الحل العسكري ، بل تسعى لعودة كركوك وغيرها الى كردستان بصورة سلمية وبإقرار حضاري إنساني عراقي شجاع . في تساؤله المذكور وكذا في العبارات الأخيرة من مقالته فيها إيماءات تحريضية وحملات هجومية هجومية ممكنة من قبل العراق ، ربما غير العراق أيضا على إقليم كردستان لاحتلال كركوك مرة ثانية ، فهل يخسر الشعب الكردستاني مدينة كركوك الكردستانية مرة أخرى ، هذا ما سنعرفه في الأيام القادمات ...؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here