الرواتب الخياليّة في حُكومة الحراميّة

محمد حسين سيدني

لا يوجد رئيس جهورية ولا توجد أية وظيفة رئاسية أو سلطة حكومية في العالم تأخذ رواتب وإمتيازات ومستحقات أعلى مما يأخذه رئيس جهورية العراق الجديد وكل طاقم حكومته من السيد رئيس الوزراء مرورا بكافة الوزراء وجميع المناصب الرياديّة والسياديّة في البلد وصولا الى رواتب البرلمانيين.

والأقبح من كل هذا وذاك هو قانون التقاعد الذي شملهم بعد أربعة سنوات فقط من خدماتهم الوظيفية والتي ضمنت لهم رواتبهم ومستحقاتهم وإمتيازاتهم مدى الحياة، فقط لأنهم (تشرّفوا) وعملوا وتوظفوا في هذه المناصب العليا في الحكومة!!. أي إستهزاء بالناس وأي إستهتار بعقول المواطنين.

ولم يكتفوا حكام العراق الجديد بذلك بل راحوا الى الأبعد حين أقرّوا قوانين التعويضات، بالله عليكم أية معارضة سياسية في العالم تطالب بالتعويضات المالية مقابل قيامهم و(نهوضهم الثوري) لنصرة شعوبهم والذود عنهم بتقديم قوافل الشهداء والمعتقلين والمعذبين في السجون والمشردين حول العالم؟ حقا إنها مهزلة اخلاقية وإنسانية ووطنية لكل الثوار أينما كانوا ومهما كانت جنسياتهم وقومياتهم ولغاتهم ـ لو كانت مخططاتهم وأهدافهم هي التعويض المالي مقابل مقارعتهم وكفاحهم المدني أو المسلح ضد الطواغيت والنظم الدكتاتورية المستبدة.

ولا يخلوا تاريخ شمس الثائرين في كل شعوب الارض من رجال ونساء نبلاء قارعوا الحكام الظلمة وضحّوا بأعمارهم ومستقبلهم من اجل الخلاص من الحاكم الجائر تحقيقا للعدالة وإنتصارا لشعوبهم المفجوعة دون مقابل ودون أيّة اطماع مالية أو مكاسب وظيفية حكومية لهم.

وعلى صعيد المعارضة العراقية ماقبل 2003 فأغلبنا شاهد وقرأ وسمع عن أشخاص كانوا قادة في المعارضة ممن ناضلوا وحاربوا نظام البعث الجائر ممن قدموا أرواحهم ودمائهم فداء للوطن، وممن نجو وهاجروا الى مختلف اقصاع الارض هربا من بطش جلاوزة نظامه وحزبه الفاشي، إلا أن الناجين منهم لم يُطالبوا أو يطمعوا يوما بمنصب او راتب تقاعدي او تعويض مالي على الذي جرى عليهم وعلى عوائلهم من الويلات والمحن والمصائب بسبب ترك وطنهم ولجوءهم الى بلدان اخرى، ولم يشكوا يوما ما نوع الضرر الهائل والاحباط النفسي الكبير الذي تعرضوا إليه، وهم لازالوا يدفعون ثمن كفاحهم وغربتهم ويندبون حظهم على كل الإحباطات التي توالت على الشعب كله من أعمال وأفعال غير وطنية من جميع الكتل والأحزاب السياسية التي حكمت العراق منذ 2003، ولازال معظمهم بعيدون عن اهلهم ووطنهم الأم رغم التغيير وسقوط البعث ونظامه دون رجعة، صابرين محتسبين راضين بقضاء الله سبحانه وتعالى وقدره، مستمرين في عطائهم وتواصلهم مع مصالح شعبهم ووطنهم دون كلل او ملل، ولا يتنظرون من أحد جزاءً ولا شكورا.

ان الحشد الإعلامي لمحاربة الفساد إذ يتفهم بشكل دقيق ومسؤول مصائب وفواجع حرامية العراق الجديد الذين شاهدهم العالم عبر وسائل الاعلام المتنوعة خلال الأيام والأشهر والسنين الماضية، من مستوى وزير ومحافظ ومدير عام الى أصغر موظف وأحقر مستشار وأقبح سارق من كيس الشعب أي من المال العام، إضافة الى الاستمرار بنظام المُحاصصة (سيء الصيت) وعدم إستقرار الوضع السياسي والامني الذي يمر به العراق المظلوم من الارهاب التكفيري الخسيس الى أعداد الفاسدين السياسيين الهائل وسرّاق المال العام الذين نهبوا العباد والبلاد، إضافة الى أزمة الملف الكردي التي يعيشها العراقيون هذه الأيام.

فمع كل هذه الفواجع وتلك الأزمة السياسية الراهنة، إلا أن الواجب الاخلاقي والانساني والوطني يتحتّم على كل الشرفاء من الكتاب والاعلاميين العراقيين ورؤساء المنظمات المجتمعية داخل العراق ومؤسسات الجاليات العراقية في الخارج وكذلك الصحافة العراقية الورقية منها والألكترونية ان يقولوا كلمتهم وأن لايتركوا شعبنا يتخبط بين أمواج السراق والفاسدين وان يقوموا بدورهم التوعوي والتثقيفي من خلال رسائلهم وأفكارهم بالكتابات والاشعار والقصص والتمثيل والنشيد والأغنية والموسيقى والرسم والنحت وباقي الفنون وكل من موقعه بعقد الندوات والمؤتمرات خاصة ونحن على أبواب الانتخابات النيابية.

وعلى رجال الدين الوطنيون الأفاضل مسؤوليات دينية وأخلاقية كبيرة ومهمة تجاه مجتمعاتهم من خلال منابرهم وتوصياتهم الإرشادية للناس في المساجد والكنائيس والمنديّات وباقي دور العبادة بأن لا يتنخبوا من لا وعد ولا عهد له، وان لا ينتخبوا من جربوهم وذاقوا فسادهم، وعلى الجميع أن يقوموا ومن هذا اليوم على إطلاق النداءات والحملات والشعارات ضد الرواتب الخيالية التي يتقاضاها صناع القرار السياسي العراقي. وأن يطالبوا بإلغاء رواتب ومخصصات الحمايات الوهمية غير المبررة والفائضة عن الحاجة، حفاظا على أموال الشعب، فالكل مسؤول والكل له دور إنساني وأخلاقي يجب أن يُفعّله خدمة لأبناء شعبه ونجدتا لوطنه المنهوب.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here