قصار القامة يصيبون و يخطؤون أيضا , العبادي والبارزاني مثلا

محمد رضا عباس
هناك دراسات كثيرة تذهب الى ان قصار القامة أكثر إصرارا على انجاز مهماتهم او الوصول الى أهدافهم. الدراسات تقول , ان قصار القامة يشعرون اقل حظا من طوال القامة , وعليه فانهم يعملون بجد وساعات طويلة من اجل منافسة طوال القامة في تحقيق نتائج ملحوظة , سواء كانوا من رجال الاعمال , سياسيون , فنانون , موظفون حكوميون , او مختصون في احد العلوم التطبيقية او النظرية . ولكن , بدون شك , هناك الكثير من قصار القامة من لم يستطع تحقيق طموحاته , فاستسلم و انزوى .
يحكم العراق الان شخصين معدل طولهما اقل من معدل طول المواطن العراقي , وهما السيد حيدر العبادي , رئيس مجلس الوزراء العراقي , والسيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان العراق . كلاهما يريد فرض ارادته على الاخر في الازمة الأخيرة , الاستفتاء والانفصال . السيد العبادي مصر على ان يبقي العراق دولة موحدة يعيش كل مكوناته متساوون بالحقوق والواجبات , عراق يعيش فيه العربي والكردي , المسلم والمسيحي , السني والشيعي , اخوة يشارك الواحد الاخر افراحه واتراحه . العبادي يريد ان تكون ثروات البلد يتشارك بها جميع العراقيين , وبذلك من حق ابن الانبار وديالى مشاركة ابن البصرة بثروة البصرة النفطية . السيد العبادي يريد ان يكون العراق قويا بجميع مكوناته لا يفرقهم حزب او مذهب او دين. وبذلك فقد استطاع السيد العبادي كسب الأصدقاء داخليا وخارجيا. داخليا , فان اغلب العراقيين متعاطفين معه لانهم مقتنعون ان إنجازات السيد العبادي لم تصب بمصلحة حزب معين وانما شملت جميع مكونات الشعب العراقي . وان حملته العسكرية ضد داعش أصبحت يضرب بها الامثال في العالم , حيث ان قواته لم تدخل معركة الا وانجزتها بكل اقتدار , بعض المعارك اذهلت قادة العالم ولاسيما معركة الموصل و الفلوجة. اكثر من ذلك , ان السيد العبادي وضع تحرير الفرد قبل تحرير الأرض , وهكذا اضطرت القيادات العسكرية في كثير من الأحيان بتأخير اعلان النصر خوفا من تعرض المدنيين الى نيران المعارك. خارجيا , استطاعت سياسة العبادي الانفتاح على الدول العربية المجاورة والبعيدة مع عدم خسارة ايران الجارة الكبيرة على حدود بلاده الشرقية . سياسة العبادي الخارجية استطاعت حتى تقليل التشنجات التركية.
من طرف اخر , امامنا السيد مسعود البارزاني والذي يطالب بالانفصال منذ وقت طويل , والذي ينظر ان الاكراد من حقهم ان يكون لهم دولة مثل بقية الاقوام في العالم , حيث ان للفرس دولتهم , ايران , والأتراك دولتهم , وهي تركيا , والبشتيون لهم دولتهم وهي باكستان و أفغانستان . السيد مسعود البارزاني وجد الان هو الوقت المناسب لإعلان الاستقلال عن العراق , وذلك بسبب انشغال بغداد في حربها مع تنظيم داعش و انهيار المنظومة العربية , حيث ان التشرذم العربي اصبح من المحيط الى الخليج , وان الدماء تسيل في شوارع اليمن ,مصر , لبيا , سوريا , تونس , إضافة الى العراق. لقد وجد السيد البارزاني فرصته الذهبية لإعلان دولته , وليكون من الخالدين في كتب التاريخ. ولكن السيد مسعود البارزاني نسى ان ليس كل ما يبغاه المرء يدركه , خاصة في تأسيس دولة غير مرحب بها عالميا.
لقد ذكرت ان قصار القامة , يحاولون تحقيق إنجازات تفوق إنجازات طوال القامة للتعويض عن ما يفتقدوه واثباتا للوجود , وانهم يعملون من اجل تحقيق أهدافهم ساعات أطول وبجهود اكبر , وبالفعل , تحقق للسيد البارزاني طموحه , حيث لو جرى الاستفتاء هذا اليوم , لكان نتيجة الاستفتاء على الأقل 80% من أصوات الناخب الكردي بقول “نعم” للانفصال. السيد البارزاني ومن حوله استغلوا انشغال الحكومة في بغداد بمحاربة تنظيم القاعدة سابقا ومن ثم تنظيم داعش لاحقا , وبدأوا بتثقيف المواطن الكردي برفضه العيش ضمن الحدود العراقية وبكل الحجج . ولكن السيد البارزاني كان من الخاطئين. لقد ذكرت ان ليس كل ما يطمح به الفرد يناله , وان السيد البارزاني انهمك كثيرا من اجل تحقيق ما يصبو له , ولكن السيد البارزاني كان يجب ان يعرف ان ليس كل ما يريده يمكن تحقيقه . لقد أصبح مثل السيد مسعود مثل ذلك طالب الدكتوراه الذي اختار اسم اطروحته بدون معرفة من اين يجد مصادرها. إصرار السيد البارزاني , حتى وان اعتقد بأحقيته , لا يؤهله بتحقيقها, لأسباب كثيرة , منها هو عدم دستورية توجهه , عدم موافقة جيرانه , عدم موافقة الدول العظمى , عدم موافقة الدول العربية , المشاكل التي يعيشها الإقليم , إضافة الى رفض الشعب العراقي العربي وبقية المكونات العراقية.
هناك الكثير من قادة العالم عملوا على ما يعتقدون به صحيحا و يخلدهم , ولكن نتيجة أعمالهم كانت الدم والموت والحزن واليتامى والثكالى وتخريب المدن . ثلاثة من قصار القامة يعرفهم العالم بأجمعه وهم جنكيز خان ,نابليون , و ادولف هتلر . هؤلاء كانوا من العظام او أرادوا ان يكونوا من العظام , ولكن عظمتهم واخطائهم واصرارهم على الخطأ كلف البشرية الملايين من الضحايا , وفي النهاية اصبحوا غير مرغوبين حتى داخل مجتمعاتهم واوطانهم . جنكيز خان سيطر على أراضي من الصين الى بغداد , لكن هذا الزحف الجنكيزي لم يحقق لقومه دولة يعيش عليها , وان نابليون دخل في حروب طويلة عريضة كان اخرها عزله بعد ان قضى على نصف شعبه في الحروب الخارجية , بينما سبب ادولف هتلر قتل 60 مليون انسان , وفي الأخير خسر بلده. الإصرار على تحقيق هدف شخصي قد لا يأخذ صاحبه الى بر الأمان خاصة اذا كان هذا الهدف مختلف عليه مع الاخرين , وإصرار السيد البارزاني على الاستفتاء و الانفصال في احسن نتائجه هو انهاء السيد البارزاني سياسيا , وأسوئها دماء في شوارع كردستان .
إصرار السيد العبادي , من الجهة الأخرى, على وحدة البلاد مع إعطاء الحقوق المشروعة للمكون الكردي لاقى قبولا كبيرا داخليا وخارجيا . انه إصرار , اذا سمحت له الاقدار , فانه سيضع العراق على جادة التقدم والازدهار في جميع المجالات . هذا الإصرار , اذا وافق عليه المكون الكردي سيكون خيرا لهم ولجميع مكونات الشعب , لان القبول به يعني حماية أرواح المواطنين العراقيين , حفظ ممتلكاتهم وكرامتهم , العيش الكريم لهم ولأجيالهم القادمة , وقوة في المنطقة لا يمكن تجاوزها. وبذلك سيكون العرب والاكراد هم الفائزون. الحروب لا تخلف الا الاحزان والتخلف ولكن السلام ينتج الخير والرفاهية للجميع , وهذا ما يريده السيد العبادي من رفض الاستفتاء. الإصرار على تحقيق الهدف شيء يحمد به , ولكن يجب ان يكون مقبولا للأخرين , والا سيكون مصير صاحبه مصير ادولف هتلر.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here