لا تجعلوها كوردية عربية

مع اقتراب موعد استفتاء اقليم كوردستان العراق للبقاء ضمن العراق او الانفصال عنه المزمع اجراءه في 25/9/2017 اي بعد ايام قليلة، كثرت الاقاويل والتصريحات والتهديدات الصادرة من هنا وهناك لتبعث في نفوس العراقيين بكل فئاتهم وطوائفهم وقومياتهم الخوف والقلق، وتعيد الى الذاكرة الحروب والمآسي التي دفع ثمنها الشعب العراقي مالا ودما لا يعوض ولا يقدر خلال سنوات طويلة بسبب الفكر القومي الشوفيني والعنصري الذي حكم العراق لعقود من الزمن، حتى ان خطاب الكراهية والتلويح باستخدام القوة ضد اقليم كوردستان بلغ حدا يعتقد فيه المواطن العادي والمتابع للاخبار ومجريات الامور ان الحرب الكوردية العربية قادمة لا محال.

لو رجعنا الى الوراء قليلا وبالتحديد الى ما بعد اسقاط النظام العراقي السابق عام 2003، سنلاحظ ان العراق شهد تهدورا امنيا وسياسيا واقتصاديا خطيرا لم يشهده البلد منذ تأسيسه، وبدلا من ايجاد حل توافقي ينهي المأساة العراقية والبدء ببناء وطن يسوده القانون وينعم بخيراته جميع ابنائه بغض النظر عن دينهم ولونهم وانتمائهم الحزبي والقومي والطائفي، لمسنا العكس من ذلك تماما فلم تستقر الامور حتى بدأت الكارثة الاكبر تحل من جديد، فالشعب الذي عانى ما عانى من كثرة الحروب في عهد النظام السابق دخل من جديد حربا دموية ليس فيها عدو وليس لها حدود بل هي حرب خفية يقتل فيها الفرد على الهوية!، فالعراق في عهد النظام السابق دخل حروبا خارجية مع دول الجوار وحروبا داخلية مع الكورد حيث كان المتقاتلين والمتحاربين يعرفون عدوهم ويعرفون من يقاتلون، اما في العهد الديمقراطي ( اي بعد 2003 ) فان المواطن العراقي لا يعرف من يقاتل لان عدوه اصبح ابن بلده، فاما هو واحد من جيرانه او اصدقائه او احد ابناء محلته …. لانه يكفي ان يأمر السيد الطائفي او حتى يؤشر لتندلع الحرب ويذهب ضحيتها الاف الابرياء دون سبب، او يكفي ان تنتمي الى طائفة معينة او دين معين لتكون هدفا للميليشيات المنتشرة في ربوع الوطن.

ربما يستطيع المواطن العراقي نسيان مئات المليارات التي نهبت من اموال الشعب من 2003 حتى يومنا هذا، وينسى ايضا الاميين الذين دخلوا قبة البرلمان او عينوا في مناصب مهمة ومرموقة في الحكومة بشهادات مزورة، وينسى ايضا كل الشعارات الرنانة التي اطلقتها الاحزاب والكتل الدينية عند بدء كل دورة انتخابية جديدة، وينسى ايضا كل الظلم الواقع على المواطن البسيط من مؤسسات الدولة ودوائرها وينسى …. وينسى ….، لكن من الصعب ان ينسى سبب نزوحه وتهجيره وقتله وتدمير بيته ووطنه، وسبب كل هذا كان قادة العراق الطائفيين الجدد الذين سكبوا الزيت على النار متظاهرين محاولة اخمادها.

اكبر الاخطاء القاتلة والمميتة التي ارتكبها المتنفذين والمتسطلين على رقاب الشعب ما بعد 2003 كان تسييس الدين واتخاذ الطائفة معيارا واساسا لتوزيع المناصب واحتكارها وبهذا فرقوا الشعب وزرعوا الفتنة بين ابنائه، وما ان اشتد عودهم ( الحكام الجدد ) في الحكم حتى بدأوا بتنفيذ مخططاتهم واجنداتهم التي اظهرت الحقيقة المخفية والتي كانت غريبة وبعيدة عن طموح وهموم الشعب العراقي، وابشع هذه الاجندات والمخططات كانت احتكار السلطة من قبل طائفة واحدة وتهميش واقصاء جميع المكونات الاخرى.

التذرع بعدم دستورية استفتاء اقليم كوردستان واللجوء الى المحكمة الاتحادية والبرلمان العراقي للتصويت واصدار القرارات بهذا الخصوص ليس سوى اخر وسيلة لحفظ ماء الوجه وتغطية اخفاقات الحكومات الجديدة، فلو كان البرلمان والحكام ومعهم القانونيين بهذه الجدية والاخلاص في التعامل مع القضايا المصيرية التي تمس حاضر الشعب ومستقبل الوطن ما كان ابدا حصل للعراق ما حصل!، فاين كان كل هؤلاء ( الحكام والبرلمانيين والقانونيين ) ولماذا لزموا الصمت كل هذه المدة، فلو كان الدستور سيدا والقانون معمما لما كان العراق قد افرغ من مسيحييه واقلياته الدينية وما كان ابنائه هجروا ونزحوا الى دول الجوار او اقليم كوردستان بسبب انتمائهم الديني او الطائفي، وما كانت الصفقات الفاسدة ترفرف فوق بناية البرلمان بكل فخر! دون تحقيق او متابعة او حتى سؤال؟ وما كانت مئات المليارات تنهب من اموال الدولة علانية في وضح النهار بينما الشعب يعاني ويعيش في الفقر ويفتقد الى ابسط مقومات الحياة، يا ترى اين كان هؤلاء الوطنيين منذ 2003 لحد اليوم وهذا الوطن ينزف ويدمر؟.

تهديد اقليم كوردستان باستخدام القوة ضده اذا ما استمر في تنفيذ الاستفتاء من قبل الحكومة تارة وميليشيات الحشد الشعبي تارة لن يؤدي بدوره الى ترويع واخافة الاحزاب الكوردستانية والشعب الكوردستاني وبالتالي الى العزوف والعدول عن اجراء الاستفتاء، بل بالعكس من ذلك تماما يزيدها عزما واصرارا للمضي في قرارها الانفصالي بدون وجود بدائل وضمانات مقنعة ومرضية، والحرب اذا ما نشبت بين الكورد والعرب كشعوب ( لا سمح الله ) فانها بالتأكيد ستأكل الاخضر واليابس معا وتؤدي الى تدمير ما بقى من العراق المدمر اصلا، لذلك على الملوحين باستخدام القوة مراجعة خطابهم التهديدي الاف المرات قبل القاءه او النطق به، وبدلا من هذه التهديدات عليهم تقديم بدائل معقولة للبدء بالحوار وحل المشاكل عبر التفاوض والتفاهم بعيدا عن لغة السلاح.

همسة:- بدلا من تهديد اقليم كوردستان وشعبه باستخدام القوة لفرض اوامر بغداد كان الاجدر بحكومة بغداد وميليشيات الحشد الشعبي الدعوة الى الحوار الهاديء العقلاني بعيدا عن لغة التهديدات الطائفية والقومية، وفي نفس الوقت توجيه انذار رسمي عن طريق وزارة الخارجية الى دول الجوار، التي صرحت انها ستقوم بشن هجوم واجتياح اقليم كوردستان لمنع الاستفتاء، باعتبار ان مسألة الاستفتاء في اقليم كوردستان تعتبر شأنا داخليا ولا يحق لاحد التدخل فيه او التطاول على السيادة العراقية.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here