ماذا كتب الإعلام الدولي عن استقلال الكرد؟

كاثرين شير

معظم وسائل الإعلام الدولية كتبت عن الاستفتاء الكردي المقبل، ولكن في العديد من الكتابات الرئيسية كان هناك سياق مهم مفقود من شأنه أن يساعد على تكوين آراء مستنيرة.

الاستفتاء على الاستقلال في كردستان العراق لم يحتل الصفحات الأمامية للصحف الدولية في جميع أنحاء العالم، إلا أنه أيضا لم يكن بعيدا جدا عنها، ويرجع ذلك في معظمه إلى القلق الدولي واسع النطاق بشأن ما سيعنيه الاستفتاء ونوع المشكلات التي يمكن أن يسببها في الفترة التي تسبق الحدث أو بعده.

ولعل من أكثر الأمور إثارة للاهتمام بالنسبة للسكان المحليين حول التغطية الدولية لاستفتاء الاستقلال هو نظرة التعاطف التي ينظر بها العالم كله إلى الشعب الكردي في العراق.

تقر معظم الكتابات بحرية أن الكرد هم أكبر أقلية عرقية في العالم ليس لها دولة، ويفصل كل كاتب تقريبا التجارب والمحن التي مر بها الكرد العراقيون، وعلى وجه الخصوص ما عانوا منه تحت حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، فالهجوم الكيميائي على مدينة حلبجة، الذي أدى الى موت الآلاف، لم ينس بعد.

ولكن بعد التعبير عن تفهمها، تنتقل معظم وسائل الإعلام الغربية إلى الحديث عن الاستهجان الدولي للاستفتاء وقائمة الأصدقاء والأعداء الذين يعارضون هذا المثال الكردي للديمقراطية المباشرة تطول يوما بعد آخر وكلما أعلنت دولة ما معارضتها الاستفتاء احتلت تلك الدولة العناوين الرئيسية للصحف.

وسائل الإعلام الأوروبية وجدت أنه من الملاحظ بشكل خاص أن الولايات المتحدة هذه المرة، والتي هي عادة حليف وفيّ لكردستان العراق – لم تتمكن من عقد صفقات خلف الكواليس، كالتي يعقدها مبعوثوها عادة، لتأجيل الاستفتاء.

وأشار العديد من المحللين إلى أن البيان الذي أصدرته الولايات المتحدة في نهاية المطاف حول الموضوع كان عنيفا على غير العادة، ويتم تفسير المعارضة التركية والإيرانية دائما بخوف كلا الدولتين من استقلال الاكراد فيها.

وتعد ألمانيا موطنا لأكبر شتات كردي في العالم لجأ اليها منذ اعوام، ويحتفى بالألمان في كردستان العراق لمساعدتهم الجيش المحلي وتزويده بالسلاح، بيد أن وزارة الخارجية الألمانية قد أعربت أيضا عن رفضها للاستفتاء.

وفي بعض وسائل الإعلام الألمانية كانت المناطق الكردية شبه المستقلة في سوريا أيضا موضع تركيز، ربما لأن العديد من اليساريين الألمان يبدون إعجابهم بالنهج السياسي المعروف باسم “الكونفدرالية الديمقراطية” التي يمارسها حزب العمال الكردستاني الموجود في تلك المناطق.

وكانت الصحف تشير بشكل مستمر تقريبا إلى مدينة كركوك في الشمال بأنها “بقعة ساخنة”، فعلى سبيل المثال فإن وسائل الإعلام العالمية لا تلاحظ في كثير من الأحيان أياً من عمليات إطلاق النار الكثيرة التي تحدث هناك، إلا أن آخرها والتي جرت قبل ما يزيد قليلا على أسبوع واحد من إجراء الاستفتاء بين الكرد والتركمان، تصدرت عناوين الصحف الدولية.

في عموم الصحف كان هناك تعاطف مع الرغبة الكردية في إقامة دولة، ولا ينظر إلى الكرد على أنهم أشرار لتعبيرهم عن هذه الرغبة. ولكن، وكما ذكر العديد من دبلوماسيي حكومات كثيرة، أن الاستقلال ليس فكرة جيدة الآن.

ما لا تميل وسائل الإعلام الدولية إلى ذكره – أو في كثير من الأحيان تذكره بطريقة عابرة أو لا تغوص به بعمق أكثر – هو الاعتراف بتعقيدات السياسة الداخلية في الإقليم الكردي.

وبالكاد تذكر معظم الصحف الدولية أن برلمان كردستان العراق تم تعليق عمله منذ أكثر من عام، وبدأ مجددا يعود إلى العمل مترنحا في الآونة الأخيرة باتجاه أي شكل من أشكال النشاط – وحتى في هذا الحين رفض معارضو الاستفتاء المشاركة. وهي لا تميل إلى تفسير أن الأزمة المالية التي اجتاحت المنطقة منذ فترة طويلة، أدت إلى تدمير العمالة المحلية والأعمال التجارية وإثارة الاضطرابات المحلية.

وغالبا ما تتجاهل الصحف ان تذكر أنه على الرغم من المظاهر، فإن كردستان العراق هي أبعد ما تكون عن الديمقراطية الحقيقية، بل هي أيضا أكثر بعدا عن النزاهة أو الاتحاد.

أحد أهم العوامل في هذا الوضع كله بحسب نقاده، هو أن المؤيد الرئيسي لهذا الاستفتاء -مسعود بارزاني – ليس أيضا الرئيس الشرعي لكردستان العراق الآن.

لم يلاحظ الكثيرون هذه العوامل، لكن الواشنطن بوست والإيكونوميست لاحظتا بعضا مما سبق. على سبيل المثال، كتبت الصحيفة الأميركية تقول إن “منتقدي بارزاني الكرد يقولون إنه يستخدم التصويت لتدعيم سلطته وإرثه في الوقت الذي ضعفت فيه سلطته بسبب الأزمة المالية”.

وقال مراسل مجلة الأعمال البريطانية إنه في الوقت الذي تجري مسيرات وطنية ملونة وكبيرة مؤيدة للاستفتاء في أجزاء من كردستان العراق التي يديرها مسعود بارزاني وحزبه، الحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن النصف الآخر من الإقليم والذي يديره الاتحاد الوطني الكردستاني، المعارضة السابقة للحزب الديمقراطي الكردستاني، لا يبدو متحمسا كثيرا.

وهذا يعني أن المعضلة حول المطالب العاطفية والمفهومة (والمشروعة من بعض النواحي) للاستقلال الكردي غالبا ما توضع في صيغة معركة بين بغداد وأربيل، وهو أمر قد يحتاج فقط إلى مزيد من التفاوض لحله.

ولكن المراقبين منذ زمن للشأن العراقي يعرفون أن المشكلات المستعصية وراء تلك المعركة، والمتمثلة بمواضيع مثل عائدات النفط والمواطنة والتمويل العسكري والحدود، قد بقيت حرفيا بدون حل لسنوات عديدة، على الرغم من الخطوات الجانبية، والصفقات التي وقعت، والاتفاقات المبرمة، ومن ثم الوعود التي لم يتم الإيفاء بها.

فالاستفتاء على الاستقلال الكردي لن يحل أيا من هذه المشكلات. فإذا ما جاء الاستقلال الكردي، وإذا ما كانت الكونفيدرالية الكردية ممكنة، فإنها ستتطور، وبعد عملية طويلة.

المحلل مايكل نايتس كتب الى “بي بي سي” يقول “أسر لي العديد من كبار السياسيين العراقيين بأنهم يعتقدون أن كردستان العراق ستصبح ببطء وبلا رجعة دولة مستقلة”.

وأضاف مختتما “لا يستطيع أي زعيم عراقي أن يقول ذلك علنا، لاسيما مع اقتراب الانتخابات المحلية والوطنية … وهذا يعني أن اليوم الذي سيلي الاستفتاء قد يبدو شبيها الى حد كبير باليوم السابق له”.

كل ذلك يثير التساؤل الذي يجب أن يطرحه الإعلام العراقي والدولي على حد سواء: من هو الطرف الأكثر استفادة من هذا الاستفتاء الشعبي والشعبوي؟ هل هو الشعب الكردي؟ وتتطلب الإجابات تمحيصا ودراسة دقيقة من النوع الذي قد لا يكون ممكنا من دون مساعدة وسائل الإعلام الدولية نظرا لمناخ الصراع المحتدم في العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here