البرزانى والاستفتاء فى كردستان

د. حامد السهيل
سوى ان تم الاستفتاء او لم يتم, وسوى ان كانت النتيجة بالايجاب واعلان الدولة او الرفض والبقاء ضمن الدولة العراقية وفقا للدستور, فقد حققت القضية الكردية وتشكيل الدولة الكردية اهتماما اعلاميا عالميا واسعا واصبحت جزءا من الواقع الراهن والتخطيط المستقبلى, بالاضافة الى اتصالات العديد من رؤساء الدول, بما فيهم دول القرار فى مجلس الامن, امريكا فرنسا,وروسيا..الخ فى محاولة حث الرئيس البرزانى على تأجيل الاستفتاء لفترة قادمة, وذلك لان امام الدولة العراقية مهمات كبيرة وخطيرة لا تنحصر فى امن العراق وشعبة وانما بتمدد الارهاب المجرم الى اوربا وقارات اخرى, وكما هومعلوم فأن السيد البرزانى لم يستجيب لـ “لنداءات”, واصر على موقفه وتنفيذ وعده الذى اطلقه للشعب الكردى بالاستفتاء وتاسيس الدول الكرية, كحلم مشروع منذ عقود كثيرة.
كلما اقترب موعدالاستفتاء فان الاهتمام بالاستفتاء وقضية تشكيل الدولة, يأخذ مكانا واسعا فى جميع انواع وسائل الاتصال الجماهيرية العالمية وفى ذات الوقت تصل نجومية السيد البرزانى الى درجة”السوبر ستار” الذى تتلقف اخباره ونشاطاته الصغار والكبار, والحقيقة فقد نجح السيد البرزانى بـ “عناده” نجاحا باهرا, وكما يعرف ذلك اعلاميا, انه الحدث, القصة الفريدة التى يتسابق الصحفيون والاعلاميون للحصول عليها ولكى يكونوا على مستوى الحدث!!, ولا شك فأن الـ “انا” السيد البرزانى اصبحت الان ولسنين قادمة فى اعلى مستوياتها, انها القوة والصرامة والمجد والتاريخ, بالرغم من انتهاء شرعيته القانونية كرئيس لاقليم كردستان منذ بضعة سنوات, هذا يعنى, انه الدستور والشرعية وفوق كلاهما. والحقيقة الا يكفى انه سليل الثائر الاول الاب القائد السيد مصطفى البرزانى, وهو قد تربى على يديه واستلهم اخلاقة وافكاره واصبح جندى فى البشمركة وهو صغير جدا, وكانت البندقة الاولى التى استلمها الحبيبة الاولى وتعويض عن الحبيبة بنفس الوقت. ولابد من الاشارة الى ان السيد البرزانى, فى كل الاحوال المحتملة, سوف يفرض السيد البرزانى مطاليب واعلان حقوق جديدة والاحتفاظ بالمناطق التى شاركت البشمركة فى تحرريها, على طريقة ( موشى ديان الاسرائيلى) الذى نفى بشكل قاطع اطماع اسرائيلية بالاراضى الفلسطينية قبل حرب 1967, ولكن بعد ان تم احتلالها, اجاب ” ان الشهية تأتى اثناء الطعام”, وسوف يحصل على اشياء كثيرة مادية وغير مادية ويمكن ان تصل حتى على التنازل عن اراضى عراقية, هذه ترتبط وتتعلق بمصداقية النخبة السياسية الحاكمة فى بغداد ودرجة ارتباطها بالارض والشعب والمستقبل.
ان السيد البرزانى قد لعب اللعبة بشكل صحيح جدا, هذا مفهوم السياسة القائمة على مواقع القوة واستغلال الفرص, كما يمارسها الطغاة والحكام الذين لهم مصالح شخصية اكثر من مصلحة الوطن والشعب.ان هذا ما يمارسة السيد الرزانى تجاه اوضاع صعبة تعانى منها الدولة والشعب العراقى الذى هو والكتلة الكوردستانية فى البرلمان والوزراء الاكراد منذ 2003 جزءا مهما من العملية السياسية ويتحملون المسؤلية تجاه الاوضاع المتردية فى العراق, فهو قد اعلن رغبته وتاريخ الاستفتاء فى وقت تعتبر الدولة العراقية فى حالة يرثى لها, العمل وتحشيد القوى المادية والبشرية لتحرير بقايا المناطق التى احتلها ارهاب داعش وما زال متمسكنا بها, وهذه تتطلب توجيه الجهود وتوفير الموارد المادية واعداد قوى الجيش والامن وحتى قوى البيشمركة التى هى من ضمن مكونات الدولة العراقية وفقا للدستور بالاضافة الى ذلك فان ارهاب داعش مازال مستمرا فى كثير من المدن والبلدات العراقية حيث بين فترة واخرى يفجر انفسهم من مجنونى الدواعش فى تجمعات وسكن المواطنين التى تسبب ضحايا بشرية ومادية, بالاضافة الى تعرية الاجهزة المختصة وعدم قدرتها على تطوير ادوات عمل وستراتيجية للوقوف ضد هذا الارهاب وحفظ الامن وسلامة المواطنين.ان موقفه هذا يمثل الطعمة المبا شرة فى الظهر والصدر, وهى بمعنى ان العراق كدولة شعب ليس ضمن اهتماماته.
لقد تأخر حسم القضية الكردية, وكان يجب ان تجد حلولا منذ بضعة سنين, على الاقل عن طريق المباحثات المباشرة والتعرف على اهداف, تصورات ومخططات الاكراد وطموحاتهم واعلانها على الشعب العراقى عربا واكرادا وتركمان..الخ, ذلك ان الشارع العراقى منذ بضعة سنين حبلى بمقولات وطموحات” اطماع” الاكراد, ولكن لا نعرف ايضا عن تصورات النخبة الحاكمة فى بغداد شيعة وسنة حول هذه القضية المصيرية. اننى اؤيد اعلان تكوين الدولة الكردية, وذلك حفاضا على ارواح الشعب العراقى والشعب الكردى الذى سوف ينساق الى حروب شعبية لا نهاية لها, وبالتالى سوف تكون احد مفردات انهيار “الدولتين”. ان معاناة العراقيين والاكراد كانت مستمرة منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة, وقد لعبت الارادات القوية للقيادة العشائرية الاكرادية دورا فاعلا فى الانتفاضات واعلان التمرد وحمل السلاح ضد حكومة بغداد دون ان تتوفر الشروط الموضوعية لنجاح اولى لمثل هذه الانتفاضات, كما لعبت الدول المجاورة دورا غير مشرفا فى استخدام الاكراد, كأدوات حرب, لتحقيق مصالحها بأعلان العصيان والتمرد ضد الحكومة العراقية, وحينما تحققت مصالحها كان الاكراد فى نهاية الامر الضحية الرخيصة. ان بناء الدولة الكردية فى العراق يجب ان يجرى فى اجواء من الاعتراف والاحترام المتبادل من اجل ان تستمر العلاقة التاريخية التى تكونت بين الشعبين مع السنين يجب ان تستمرويجب ايضا ان تنتهى لغة الخطاب المأزومة بالاتهامات الرخيصة والمثقلة بالشوفينية والعنصرية.
ان دولة كردية فى شمال العراق تحكمها القبيلة والعشيرة لايمكن ان تكون فى خدمة الشعب الكردى… ما هى منجزات حكومة الاقليم بالمليارات التى كانت تحصل من حكومة بغداد,والتى كانت حوالى سنويا 17 مليار دولار, عدا زواتب الوزراء االنواب الاكراد وحماياتهم التى كانت تدفعها حكومة المركز. ان التطور العمرانى, وبناء العمارات والشقق فى الاقليم كانت استثمارات اجنبية, وكذلك شركات النقل وبعض المصانع وحتى تجهيز الكهرباء , هذه جميعا استثمارات اجنبية او من الاقارب وابناء العشيررة.
اننا لانعفى النخبة الشيعية والسنية الحاكمة فى بغداد من فشلها المروع فى جميع المجالات, ومن ضمنهاعدم الاهتمام بحسم القضية الكردية وتأجيلها الدائم, بحيث اصبحت وسيلة تهديد وابتزاز, ولكن كما يقول الحكماء “فاقد الشىء لايعطيه”.
د. حامد السهيل / المانيا الغربية

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here