انتاجات ازمة الاستفتاء بين إقليم كردستان وبغداد

محمد رضا عباس

لقد جرى الاستفتاء , ونفذ السيد مسعود بارزاني وعده على الرغم من الرفض المحلي والإقليمي والدولي لهذا الاستفتاء. وباعتقادي , ان العلاقات الأخوية بين العرب والاكراد سوف لن تكون كما كانت قبل الاستفتاء , خاصة وان معركة الاستفتاء اخرجت الصراعات من القمة الى الشارع العربي والكردي , بعد ان كانت الخلافات بين القيادات فقط. لا احب ان تسيل الدماء بين الاخوة في الوطن الواحد , وأتمنى على الشرفاء من العرب والاكراد ان يعملوا بأقصى جهدهم بتلطيف الشارع العراقي وعدم السماح الى انزلاق حرب أهلية أخرى على أساس القومية . لقد عاش العرب والاكراد مئات السنين بدون مشاكل وبدن منغصات. اعتقد ان من حق الاكراد ان يقرروا مصيرهم , ولكن ليس بالطريقة التي شاهدناها من فرض الأرادات و التهديد , وعدم احترام بلد عمره اكثر من عشرة الاف سنة . ان الانفصال أصبح حلم يراود حتى البقال في قضاء جمجمال واسكي كلك. ثقافة الانفصال والتي طالت 25 عاما بين أبناء المكون الكردي فعلت فعلتها في عقل المواطن الكردي وأصبح من الصعوبة اقناعه العدول عن هذا الحلم. وعليه , أتمنى ان أراد الاكراد الطلاق فليكن بالمعروف لا بالتعالي والتهديد والوعيد , والبلد يخوض المعارك الأخيرة مع تنظيم داعش . إقليم كردستان طعن العراق بظهره , وكان الاحرى به الانتظار حتى بعد القضاء على عناصر داعش الاجرامية , رجوع المهجرين الى ديارهم , وإعادة بناء المدن التي دمرت بسبب الاعمال الحربية. لم يصبروا ولم يرعوا شعور ذلك المقاتل الذي يرقد المستشفى متأثرا من جراحاته دفاعا عن العراق وعن شعب العرق , العرب والاكراد. ان الفترة التي سبقت الاستفتاء والتي طالت أكثر من شهرين كشفت الاتي:
1. ان الازمة كشفت ان قادة إقليم كردستان لا يشعرون ان العراق هو موطنهم وانما مجرد مكان اجبروا العيش على ارضه رغم انوفهم وان معاهد سايكس –بيكو هي المسؤولة عن معاناتهم. جميع المكون الكردي يتفق مع هذه الاطروحات بغض النظر عن هوية المواطن الكردي الثقافية والحزبية والمهنية. الإقليم منذ ما يقارب 25 عام بدء بتثقيف المواطن الكردي على ثقافة الانفصال وقدم لهذه الاتجاه الكثير من المبررات.
2. لم يشترك مع المكون الشيعي في رفض انفصال إقليم كردستان بقية المكونات المجتمع العراقي. نعم جاء رفض من هذا السياسي او ذاك , ولكن لم يكن الرفض رفضا مجتمعيا من بقية المكونات. المكون الشيعي , المكون الوحيد الذي رفض الانفصال ومن جميع طبقاته , وبذلك اثبت العرب الشيعة هم من يحمل مشعل الوحدة العراقية والعربية , وقد افشل هذا التوجه الشعارات الوطنية والقومية التي تتبجح بها الأحزاب العروبية .
3. كان موقف المكون السني العراقي خجولا من رفض الاستفتاء و الانفصال , وهم الخاسر الوحيد منه . لان جميع المناطق المتنازع عليها فيها مكونات عربية سنية , وكان من المفروض رفض مشروع قرار الاستفتاء بصوت عالي من قبل هذا المكون . ربما سيقول احدهم , اين السنة من الرفض وهم غاطسين بمشاكلهم وتهجيرهم وفقرهم . لا أنكر ذلك ولكن هناك مدن كثيرة امنة مزدهرة لم يتحرك ابناءها حتى بقيام مظاهرة او تجمع على قارعة الطرق تطالب برفض الاستفتاء. ان من يقرا تغريدة اثيل النجيفي يشعر بالاسى والإحباط , على الرغم من انه لا يمثل المكون السني الكريم , الا ان تغريدته تعطي الفهم ان المكون السني قد طلقوا العراق بعد ذهاب حكمهم , حيث يقول ” مهما سمعنا عن مظلومية الشيعة وانفال الاكراد فانهم يتحدثون عن دولة غير دولتنا وعن دستور غير دستورنا و منظومة حكم غادرناها لا علاقة لها بمنظومة حكمنا”, مشيرا الى انهم ” يتحدثون عن تاريخ مضى منذ 14 عاما وانقضت معه اجهزته الأمنية واستحدث أصحاب المظلومية السابقة منظومتهم من رحم قوات معارضتهم”, قبله اخوه أسامة حيث يقول , ان ” ابعاد السنة عن القرار السياسي خلق المشكلة القائمة (الاستفتاء)”. ان تجاهل المكون السني بقضية الاستفتاء وسكوتهم هو الذي دعا السيد محمد الكربولي عضو اللجنة الأمنية في البرلمان العراقي بالقول ” البيشمركة يدمون مدننا والسنة ساكتين وإذا صارت حادثة من قبل الحشد الشعبي نسويها كربلاء عليهم “.
4. الحديث يشمل أيضا قوى اليسار العراقي , والتي اوجعت رؤوسنا بالحرية والديمقراطية و سكتت سكوت اهل القبور من استفراد الرئيس المنتهية راسته مسعود بارزاني في القرار السياسي لإقليم كردستان . أحزاب اليسار العراقي تراقب الصغيرة والكبيرة بما يجري في بغداد ولكن يصيب أجهزة مراقبتها الخلل الفني عندما يرجع الحديث عما يجري في إقليم كردستان من خروقات في العملية الديمقراطية.
5. حسننا فعلت المرجعية الدينية تجنب الخوض في حديث الانفصال , لأنها سوف لن تجد اذن صاغية من رئاسة الإقليم او مكونات الإقليم , وربما ستجابه المرجعية برد يسئ الى مقامها , حيث ان للإقليم جيش من المواقع التواصل الاجتماعية كلها موجهة بالهجوم على كل من يطالب التهدئة او الغاء الاستفتاء , في بعض الردود تستعمل كلمات جارحة خارجة عن الآداب.
6. إضافة الى إهانة وتهديد السياسيين الكرد اليومية لحكومة بغداد والتي نقراها على الصحف العراقية والعالمية , فان الساسة الاكراد لا يحترمون لا قرارات المحكمة الاتحادية ولا قرارات البرلمان العراقي و مواد الدستور . السياسيون الاكراد أعلنوا ان قرار البرلمان العراقي في رفض نتائج الاستفتاء سوف يكون مصيره مصير قرار المحكمة الاتحادية بأنزال العلم الكردستاني من الأبنية الحكومية في كركوك , والذي تجاهل من قبل محافظ كركوك. الكرد لا يعترفون بالدستور العراقي ولا بعلمه او بحكومته, على الرغم من تسلمهم مناصب حكومية و سياسية رفيعة المستوى.
7. لقد رفضت الدول العربية فرادا و جماعة قرار الاستفتاء والانفصال , الا ان الرفض جاء بشكل خجول . القرارات العربية لم تأكد على وحدة العراق اليوم وغدا , وانما اكدت على رفض الاستفتاء في الوقت الحاضر فقط . أي تأجيل المشكلة الان , لتجنب المنطقة المزيد من التوترات , ولكن على ما يبدوا ان الدول العربية لا ترفض بالانفصال لو ان المنطقة قد استقرت سياسيا , وربما لو سكتت ايران وتركيا عن قضية الانفصال .
8. ان الازمة كشفت ان إقليم كردستان هو دولة داخل دولة وان قادته لا يعتبرون أنفسهم جزء من الدولة العراقية. وبالحقيقية اصبح الإقليم لا يعوزه الا الاعتراف الدولي به , حيث ان حتى العراقي العربي من غير الإقليم لا يستطيع الدخول الى أراضيه الا بإجراءات تفوق إجراءات الفيزا , وان قرار منح الفيزا للأجانب لا دخل بغداد بها . إقليم كردستان أصبح حرا بمنح الفيزا لمن يشاء من الأجانب بغض النظر عن العلاقات بغداد مع بلد هذا الأجنبي.
9. كشفت الازمة , انه عندما يسقط الثور تكثر السكاكين من حوله , حسب المثل العراقي المعروف . لقد اثبتت التجربة انه لا اخلاق في السياسة , فعندما يضعف البلد تكثر سكاكين المطالبة من حوله . لقد وضعت بغداد ثقتها اكثر من اللازم بقادة الإقليم , على أساس ان الإقليم هو جزء من العراق وان قادة الإقليم هم عراقيون وما يصيبهم من خير , يصيب العراقيين جميعا . بغداد كانت على خطأ , بينما كانت بغداد منهمكة بمحاربة القاعدة وبعدها داعش , كانت قيادة الإقليم منهمكة في التحضير لإعلان دولتهم . كان من المفروض ومنذ البداية على بغداد ان تضع المجاملات جانبا , و تحدد خطوط المسؤوليات والصلاحيات و الواجبات واضحة كاملة , حتى يعرف كل فريق حجم مساحته .
10. كشفت الازمة ان الاعلام الكردي جاهز بتلفيق أي تهمة للحكومة الفدرالية في بغداد من اجل قطع حبال الوصل بين المجتمع الكردي والعربي. لقد اتهم الاعلام الكردي كذبا ان العراق يقوده الشيعة بالوقت الذي هم جزء من القيادة , واتهموا الحكومة بالطائفية كذبا وهم يعرفون ان الحكومة يشارك فيها العربي والكردي , والسني والشيعي , واتهموها بتهميش العرب السنة والاكراد وهما جزا من الحكومة وكلاهما يتمتعان بحقوق لا توفرها أي دولة في المنطقة لأقلياتها . الإقليم فتح بابه لاستقبل عتاة المجرمين الهاربين من قبضة القانون العراقي من اجل استعمالهم وقت الحاجة. وجود الحويت ورعد السلمان وعلي حاتم السليمان ورافع العيساوي خير دليل على ذلك.
11. لقد اثبتت التجارب ان هناك علاقة طردية بين مطالب الكرد العالية وقوة وسيطرة الحكومة المركزية في قراراتها. ان ضعف المركز و انشغاله في محاربة المجاميع الإرهابية ولاحقا محاربة داعش مهد الطريق للإقليم بالتجاوز على الكثير من الحقوق والتي هي من اختصاص الحكومة الفدرالية مثل جباية الضرائب على التجارة , إدارة المطارات , إدارة الأنهر والسدود , واخير احتلال بعض المناطق المتنازع عليه و ضمها الى ارض الإقليم على اعتبار ان ” الحدود تخطها الدماء” . ان انتصارات الجيش العراقي والمدعوم بالحشد الشعبي هو ما اقلق قادة إقليم كردستان وأنهى احلامهم في التمدد في قراراتهم على حساب الحكومة الفدرالية.
12. الكرد قد حسموا امرهم بالانفصال عن الجسم العراقي حتى وان استجابة الحكومة العراقية لكل مطالبهم و اكثر , وسوف يستمرون بخلق المشاكل التي لا تنتهي حتى الحصول على الانفصال . وعليه على حكومة المركز ان تكون دقيقة في التعامل مع المكون الكردي وعدم التنازل عن حقوق لا تعود لهم في حالة موافقتهم بالبقاء كجزء من العراق. الاكراد يتحسسون من حكومة وشعب اعطاهم كل شيء , ولكن ليس لهم مانع التعامل مع دولة حرمتهم من كل شيء , تركيا.
13. وعليه , ان وافق الاكراد على البقاء مع العراق عليهم ان يحترموا علم و دستور والقوانين العراقية , وان رفضوا البقاء كجزء من ارض العراق , فعلى حكومة السيد العبادي دعم الانفصال الان وليس غدا بعد اتفاق لا يظلم به احد , واتفاق يحمي حقوق كل العراقيين , و حتى تلتفت حكومته الى إعادة بناء ما خربه داعش و دعم التنمية الاقتصادية للمواطن العراقي الذي انهكته السنوات الماضية و تقوية العملية الديمقراطية . اعتقد ان الاكراد لديهم من الحنكة السياسية تجعلهم قادرين على العيش بين تركيا وايران و جاره الجديد , العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here