مللنا من الموت .. وماشبعنا.

زينب الغزي

ماكرهناك ياموت، لأننا نموت لنولد خالدين، وماشبعت مقابرنا من ريح المسك وماء الورد وأعواد البخور بنسيم الرازقي، وماتعبنا من إقامة الأعراس ونثر الحلوى فوق التوابيت، ومانشفت دموع أمي وهي تسكب المياه خلف شباب حينا، جثامين تتلقفهم الملائكة، ليبدأ عرسهم السماوي.

لقد خزينا من كثرة النظر إلى موتانا، وفي كل منظر لهم قصة وجرح بعمق جرح الوطن، من قال إن الوطن أرض وماء وسماء، من قال أننا نشترك فيه بالماء والكلأ، وأنه لفظة جماد، كلا ماكان يوما ليكون جماد.

وطننا شريك همنا، نراه في كل فاجعة يسبقنا في لملمة أجساد المغدورين، يحرق نفسه بين لظى النيران ليخمدها، يقع سترا على الأجساد العاريات، يركض جيئة وذهابا من ذهول مايرى وكأنه ثكلى فقدت وحيدا.

رأيته في بطحاء الناصرية يجلس رابعا لثلاثة شباب أستشهدوا واحدا في حضن الآخر، لم يمهلهم الموت لإكمال دردشتهم، ثم رأيته جالسا وفي حضنه طفلة خضب الدم ضفيرتها الطويلة، فأخذ يمسحها ويقطع كفنها إلى شرائط بيض يربطها حول الضفيرة، رفعت نظري إلى أم مهرولة تبحث عن الموت لتقايض روحها بروح الشهيد، فأحتضنها الوطن بكل جراحاته وبكى معها حتى نشفت الدموع.

بين صفير سيارات الشرطة والاطفاء، ونياح النساء وزعيق الرجال أنين المصابين وبكاء التائهين، سمعت صوتا صافيا وكأنه صوت جدتي وهي تغني لنا لننام، صوت حاني دافئ كليالي العراق الملئ بالنجوم، شدني إليه فأخذت أتبعه واقترب إليه أكثر، وهو يزداد علوا وحنانا وطمأنينة، وهنا كان الوطن يفترش الأرض إلى جنب طفل صغير رفعه صدر أبيه عن التراب كي لاتؤلمه صخورها، كان الوطن يدندن في أذن الطفل بصوت حزين بنشيد” موطني” الذي لم يمهله الموت لينشده في ساحة المدرسة.

مللنا من أسلوبكم أيها الكفرة في التفنن بقتلنا، هل نسيتم أننا حسينيون وسنبقى هكذا، نقدم القرابين العظيمة لنصرة الدين وحفظ الوطن .. فقد علمنا الحسين أن نموت لنحيا.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here