المعنى لم يعد في قلب الشاعر

علي علي

لا تأمنن بعيش طاب أوله
وتستقل من الدنيا بمحبوب
وجرب الناس تأمن من عواقبهم
لا يعرف الشيء إلا بالتجاريب
صدق قائل هذين البيتين، فالتجارب هي المحك الأصدق في تبيان معادن الناس.
لو أردنا الحديث عن المنعطفات الخطيرة التي مر بها العراق، فأظن أننا لن ننتهي منه إلا بعد شهور أو سنين، أما أخر منعطف خطير بل خطير جدا، هو المنعطف الذي صنعه لنا ابن البلد، ابن ثاني أكبر قومية فيه، ذاك هو السيد مسعود بارزاني. ولعل الحديث فيما أدخلنا فيه هذا الرجل مؤخرا من مطب، يطول ويعرض ويتشعب ليجسد مدى الخطر الجسيم الذي تسبب به، ولعلي باستذكاري في سطوري الآتية شيئا من مواقف هذا الرجل، أضيف شيئا او أؤكد بعضا من التهم الموجهة اليه، والتي تصفه باللاوطنية وتقر ميوله التوسعية، وتفضح أطماعه على حساب أرض وطنه الأم وأخوانه فيه. فبنظرة سريعة على ماقاله بارزاني في واحدة من صيحات التصريحات والخطابات، نرى قمة الإبداع والإمكانية العالية في كيفية التنقل السريع بالرأي، والمراوغة بالجمل والعبارات، والمناورة الخاطفة في استنتاجات قد تصلح اللحظة ولاتصلح العمر كله. فعلى الرغم من أن كاكه مسعود عراقي كردي، إلا أن انتقاءه مفردات تصريحاته ينم عن تفقه ودراية باللغتين العربية والكردية، ويدرك تمام الإدراك مرادفات الكلمة الكردية باللغة العربية.
لقد باحت تصريحات كاكه مسعود الأخيرة بما لايقبل الشك بما كان يتأبطه من نيات، يظنها البعض أنها بدافع القومية، في حين أن توقيتها على أقل تقدير يحيلها الى أنها لا قومية ولا وطنية ولا أخلاقية أيضا. فالعراق اليوم أضحى جريحا، وهو بلده الأم، وكان حريا به أداء الواجب وتلبية نداء الوطنية، وإن كان ثمة مطلب لشعبه العراقي الكردي، فكان حريا به أيضا إرجاؤه الى حين ميسرة ورخاء.
أذكر رسالة وجهها كاكه مسعود الى الشعب العراقي في تموز عام 2014، وكانت بين سطورها إرهاصات ومحاولات لرمي حجارة في الليل الحالك الذي يمر به العراق آنذاك، كما تضمنت تهربات -بين سطر وسطر- تفاديا لوقوفه في قفص الاتهام، حيث لجأ الى مصطلحات توحي بأنه يحمل روحا وطنية، ويحلم بحياة مجتمع طوبائي، أولها ماجاء بعنوان الرسالة الذي كان تحت مسمى؛ (رسالة مفتوحة الى الشعب العراقي وقواه الوطنية). أما مفردات؛ (الوطن، الشعب الواحد، الأخوة العربية الكردية، العراق بأسره، البيئة الوطنية المشتركة، الكفاح المشترك، الانخراط في العملية السياسية، عراق ديمقراطي اتحادي تداولي) فقد كان لها قصب السبق في الحشو بين السطور، لتكون الصورة السائدة لخطابه من منطلق حب الوطن والمحافظة على وحدة البلاد.
ولكن هذا كله لم يمنع وقوع بارزاني في شرك الكلام المزيف والمصطنع، فقد جاء في الفقرة “ثانيا” من رسالته تلك مانصه: “…لقد استطعنا بكفاحنا وتضحياتنا انتزاع حقنا وان كان (منقوصا) في ظل حكم صدام حسين…”. هنا ياكاكه مسعود خانتك قدرتك على إيلاج الكذبة بلبوس المصداقية، وأخفقت في استخدام الطلاء المناسب لتغطيتها، فالجميع يعرف من الذي وهبك ماأسميته “شبه استقلال”.
وتكررت الإخفاقات لديك كاكه في الفقرة “ثالثا” عندما قلت: “…بعد سقوط الدكتاتورية، في عام ٢٠٠٣ بادرنا -باختيارنا- ورغبة منا بالمشاركة الفعالة في رسم ملامح العراق الجديد، بالتخلي عما كنا فيه من (شبه استقلال) والانخراط في العملية السياسية”. وهنا أيضا خانتك محاولة التمويه، إذ من الواضح جدا للقاصي والداني تدخلاتك المباشرة وغير المباشرة، طيلة الأعوام الأربعة عشر الماضية في تغيير ملامح العراق الجديد على ما تصبو اليه أحلامك ومخيلاتك التوسعية.
أما “رابعا” فقولك: “…لكن ما واجهناه من عنتٍ ومجافاةٍ وانكارٍ وتعالٍ، منذ تولي السيد نوري المالكي السلطة…”.
فأظنك هنا قد جسدت قول المثل العربي: “رمتني بدائها وانسلت” فالعنت والمجافاة والإنكار والتعالي هي سماتك وخصالك وصفاتك انت ياكاكه.
ويضيق مقامي هذا باستحضار كثير من المفارقات في كلمات السيد بارزاني، إذ لطالما يخلط هذا الرجل بالطرح والمقاربة بين ما ينطق به، وما في خلده وقلبه، فهل يدري كاكه مسعود أن المعنى لم يعد في قلب الشاعر وحده؟

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here