خيول التعصب تمضي سراعاً

مرتضى عبد الحميد
منذ سقوط “هُبل” في نيسان 2003، وأمل العراقيين بحياة بديلة يسودها السلام والديمقراطية والعيش الرغيد، يُجهض يومياً على أيدي الكتل “الكبيرة” المتنفذة، بعد أن استمرأت طبخة المكونات المسمومة، وتخلت كلياً عن مبدأ المواطنة والهوية الوطنية، الأمر الذي أدى إلى ظهور وليد مسخ هو التعصب الطائفي، والقومي تربى وتضخم في أحضان المحاصصة الطائفية- الاثنية، ليصبح في المطاف الأخير غولا يهدد حاضر العراقيين ومستقبلهم، وهي نتيجة متوقعة سبق وأن حذرنا منها مراراً، لان حكم الطوائف والمكونات، لا ينتج إلا اقتتالاً داخلياً وتعصباً شديداً بشقيه الطائفي والقومي.
وهذا المآل الخطير لا يفلت منه أي بلد أو شعب ينتهج هذا النهج المأساوي المدمر.
إن حق تقرير المصير صار شرعة دولية منذ أمد بعيد لكل الشعوب كبيرها وصغيرها، ولكنه من ناحية أخرى، لا يمكن تحقيقه خارج منظومة الديمقراطية وحقوق الإنسان، أي أنه خاضع لعاملي الزمان والمكان والظروف الملائمة. كما إنه لا يعني بالضرورة الانفصال عن البلد الأم، فربما يأخذ صيغة الحكم الذاتي، أو الفيدرالية، أو الكونفدرالية.
ولهذا فإن الاستفتاء في كردستان، الذي أقام الدنيا، وسوف لن يقعدها لفترة طويلة، جاء في وقت غير مناسب تماماً، ليس بسبب المعارضة الداخلية والإقليمية والدولية الواسعة (لم يحظ أي قرار أو مشروع ربما في التاريخ كله بمثل هذا الرفض والمعارضة) فحسب، وإنما لأسباب داخلية أيضاً، سياسية واقتصادية، اجتماعية وأمنية، وتشظي البيت الداخلي الكردي، ما يعني أنها محاولة للهروب الى الأمام، وتعبيراً عن قصر نظر سياسي، يقابلها على الطرف الأخر انتعاش للشوفينية فكراً وممارسة، وأنتج خطاباً عدائياً مليئاً بالكراهية والحقد والدعوة إلى طرد الكرد من المناطق العربية، وهي سابقة لا مثيل لها في تاريخنا الحديث، يرافقها قرع لطبول الحرب الأهلية من الجانبين.
إن الوضع في بلدنا خطير جداً، إذا لم يتداركه عقلاء وحكماء شعبنا، الذين تقع على عاتقهم مسؤولية تاريخية لنزع فتيل الأزمة وإنقاذ العراق من الضياع. بمعنى أخر وعلى الرغم من الغيوم الداكنة التي تغطي سماء عراقنا لآن، لا بد لطيور الحكمة أن تحلق فيها، وهو ما يقوم به العديد من القوى والأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية، ومن ضمنها، البيان المشترك الذي أصدرته حركة التغيير والجماعة الإسلامية الكردستانية، حيث أشار بوضوح ما بعده وضوح إلى (أن إجراء الاستفتاء في هذا الوضع المتأزم لا يخدم الاستراتيجيات، فضلاً عن أنه يشكل خطراً على مستقبل شعبنا الكردي).
ربما من المفيد أيضاً التذكير بتصريح الرئيس جلال الطالباني قبل مرضه ببضعه أشهر لصحيفة “الشرق الأوسط”، الذي قال فيه بالحرف الواحد (لا يمكن الانفصال عن العراق في الظرف الحالي، لوجود وشائج تاريخية ونضالية، واقتصادية – إجتماعية كبيرة بين العرب والأكراد، فضلاً عن وجود مخالفة دستورية، لان 95في المائة من الأكراد صوتوا بـ “نعم” على الدستور العراقي، الذي ينص صراحة على أن العراق دولة ديمقراطية برلمانية اتحادية موحدة).
ان مصالح الشعوب ومصائرها تتطلب تعاملاً حريصاً ومتبصراً، مثلما تستلزم استبعاد اي نوع من التعصب، قومياً كان ام طائفياً!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة “طريق الشعب” ص2
الثلاثاء 26/ 9/ 2017

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here