أكذوبة المُصالحة في نظام المُحاصصة

محمد حسين

إذا كان للجهل سبيل للمعرفة والرقي وإذا كان للغباء طريق للعلو والثريّا وإذا كانت للفيَلة الطيران وركوب الخيل فإن للمُحاصصة الطائفية والحزبية والمناطقية سبيل للوصول الى حلم المصالحة الوطنية المزعومة في العراق.

إن من أهم أسباب فشل المصالحة الوطنية التي دعت اليها العملية السياسية الجديدة في تاريخ العراق المعاصر هي عدم توفّر الأجواء المُلائمة لإنجاح هذه المُصالحة وهذا الحُلم النرجسي الكاذب.

فلقد تجمّعت الأجواء غير الملائمة ومنذ سنة 2003 في عدة محاور ، وتفاقمت الاختلافات والمشاكل بين جميع التيارات والأحزاب في عدة مجالات ومن مختلف المكونات والقوميّات ، وكانت أبرزها وكما نراها اليوم إستمرار المشاكل بين حكومة العراق وإقليم كردستان ، فالعراقييون والعالم يترقبون تداعيات إستفتاء يوم الأثنين 25-9-2017 وماستؤول إليه المستجدات وكيف ستتسارع الأحداث في هذا الملف غير المستقر منذ عقود ، وكذلك ستتوضح جميع النوايا الحميدة وغير الحميدة من جميع الأطراف أمام العراقيين من جهة وأمام الأكراد العراقيين من جهة أخرى . وإن هذه الأزمات لها تبعات سيئة على تركيبة المجتمع العراقي ككل من شماله الى جنوبه وقد تؤدي الى نتائج خطيرة على الشعب والوطن والدول المشمولة بملف كردستان.

الحقيقة إن العراق العظيم لم يستغل تنوعهُ الثقافي والقومي والديني والفكري واللوغوي خير إستغلال ولم يستثمرهُ خير إستثمار بسبب ضيق رؤية صناع القرار وغلبة المصالح الحزبية والطائفية والقومية على المصلحة العامة للوطن والأمة العراقية . إضافة الى الثارات الحزبية والشخصية بين السياسيين وصنّاع القرار وظاهرة الإنتفاع الوظيفي بينهم في مؤسسات الدولة وسفاراتها ، مما أثار وجعل حالات الفساد السياسي والاداري متفشيا وسائدا وبشكل تصاعدي دون رادع او خجل ، وبمرور الزمن وبعد كل هذه السنين ومنذ 2003 أصبحت الرشاوى والفساد الاداري وسرقة المال العام صفة حميدة وثقافة رائجة نافعة حلال تسير على نهجها جميع التيارات والأحزاب السياسية الكبيرة والصغيرة ، حيث بفعلتها هذه تكون قد أزاحت وأنكرت كل خلل أو رادع أخلاقي أو ديني او حتى جرم قانوني يدينهم أو يصدّهم عنه . وبالتالي جاءت نتائج هذه المآسي والجرائم والويلات على الانتشار الواسع بين ابناء وبنات الوطن ، وقد أرعبت هذا المآسي الإجتماعية وبمختلف صورها ومستوياتها وأصنافها جموع مكونات المجتمع العراقي وبمختلف الإعمار والأجناس ، مثل الادمان على المخدرات والتفكير بالانتحار والرغبة بالهجرة وحتى انه إزدادت حالات الأميّة المستشرية بين جنس النساء العراقيات بالتحديد ( حسب الإحصائيات الأخيرة ) بسبب الإحباطات النفسية والانكسار الأنثوي لدى معظم الفتيات بسبب صرامة التقاليد والعادات التي غابت لفترة من الزمن ولكنها تجدّدت مرة اخرى في المجتمع العراقي بسبب الظروف السياسية والإقتصادية ، والتغيّرات الإجتماعية والنفسية.

إن خمول وعدم تفاعل مُنظمات المجتمع المدني مع المواطن من خلال تواصلهم معهُ ومع مشاكله وهمومه وتقديم أي مقتراحات أو حلول للمطالبة بحقوقهم وتثقيفهم خير تثقيف خاصة الجيل الصاعد ، أدّت الى التباعد بين ابناء المجتمع ، وجعلت هناك فراغ وجدار سميك فيما بينهم ، مما سهل الطريق امام الأحزاب والتيارات السياسية وحتى قوى الجهل والضلالة والإرهاب والجريمة الى إصطيادهم خير إصطياد وإستخدامهم خير إستخدام لتحيق أهدافهم في الولاء الأعمى أو في الجريمة المنظمة ، وهذه المسألة طبعا جعلت الشباب يتشوشون ويتخبطون بين هذا وذاك ويترددون في أخذ القرارات الصائبة والصعبة والمهمة كإختيار النائب المناسب لتمثيله في البرلمان ، أوفي باقي مجالات الحياة العامّة.

ليس العراق البلد الوحيد الذي يتشكّل مُجتمعهُ من عدّة قوميات وأعراق ، بل إن معظم دول العالم تتكون مجتمعاتها من ثقافات مكونات وقوميات وأديان متعددة ، وإن التنوع العرقي ظاهرة حضارية وصحيّة ومصدر قوّة إذا استخدمت إيجابيا وبإخلاص في المجتمع ، ولكن أسفا فإن الطبقة السياسية التي تحكم العراق حولت هذا التناغم والتنوع المجتمعي في العراق الى التضاد والتنافر ، فبدل أن تُستثمره بشكل إيجابي ينفع الوطن والمواطن إستخدمته الحكومة أسوء إستخدام ، فقط تلبية لمصالحها الحزبية او القومية او المناطقية الضيقة ، فكانت هذه النتيجة ، الكراهية وعدم الاتفاق والكذب على الناس في الاعلام والمنابر العامة والخاصة بان هناك توافق ومصالحة وإنسجام ووحدة وكل هذه الاكاذيب زادت هُوّة الخلاف بين ابناء الشعب الواحد بسبب دنائة السياسيين الظالمين بحق اهلهم وشعبهم.

ان أغلبية الشعب العراقي مُؤيّدون ومُقتنعون بالعملية السياسية وبالعراق الديمقراطي الحُر الجديد ولكنهم ناقمون على السياسيين الفاشلين وصُنّاع القرار القائمين عليها ، لأنهم ليسوا رجال دولة بل أصحاب أطماع حزبية وطائفية ، وبسبب خياناتهم وسرقاتهم جُرّ البلد الى ماهو عليه . ولاينكر أحد إن التدخلات الخارجية الإقليمية منها والدولية ناهيك عن الارهاب العالمي المُتمثل بداعش واخواتها كانت لها الحصّة الأساسية والاولى في سلب أمن العراق وإستقراره. ولكن كان المُفترض على السياسيين العراقيين وصُناع القرار أن يُؤدوا الدور الوطني الأكثر نزاهتا ووفاءا وإخلاصا و ويُمارسوا المسؤولية الكاملة في إداء واجباتهم في خدمة الشعب والوطن ، ولكن اسفا ماشهاده العراقييون كان ولازال العكس من ذلك .

وبسبب سياسيي الغفلة والمصالح والأطماع أصبح العراق في وضع لايُحسد عليه ، وأهله في ظروف مأساوية غير متوازنة او مستقرة ، فهناك قانون الإنتخابات الجائر وهناك قانون المُحاصصة الفاشل الذي بسببه تفشى الفساد الاداري والمالي والاخلاقي في كل أجهزة ودوائر الحكومة ومؤسساتها وسفاراتها في الخارج ، وهناك وهناك ، حتى وصلت بهم الجُرئة والخسّة الى تعيين وتشغيل مئات الأشخاص الحزبيين او المناصرين لهم من الذين يُقيمون خارج العراق وتوظيفهم برتب إدارية من رتبة مُستشار او مندوب جهة حزبية او غيرها وكأن العراق خال من المتخصّصين ، بحجة ان لهم تاريج نضالي أو إنهم مُزكّون أو من الأشخاص المُعتمدين من الجهة الحزبية او السياسية الفلانية . أيُّ تزكية وأي نضال وأي إعتماد يتحدثون عنه :: إنها مُجرّد إستحمار للناس وإستهتار بعقولهم البريئة.

وبالمختصر المفيد : كل السياسيين العراقيين وأحزابهم ومنذ ٢٠٠٣ لم يُفكّروا بمصلحة وطنهم بقدر مافكّروا بمصلحة أحزابهم وطوائفهم وأديانهم وقومياتهم ، ولهذا السبب الجوهري تراجع العراق عن النهضة والتقدّم والأزدهار بكل مجالات حياته ، وللتاريخ نقول ــ إن كل هذا الفساد الإداري والمالي ، وكل فضائح الفاسدين وسراق المال العام هو بسبب أكذوبة المصالحة الوطنية في العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here