هل نحن شياطين , ام ملائكة ؟

عباس طريم_

هل هناك من يستطيع ان يحدد معالم الانسان العراقي ؟ وهل هناك ضوابط دينية , اخلاقية , انسانية . تستطيع ان تترجم

سلوكه وردات فعله , عبر تلك العصور , والحقب الزمنية التي مرت عليها البشرية ؟ وهل نعتقد اننا من صنف البشر فعلا ؟ ام نرتقي الى صنف الملائكة ؟ وما هو المقياس الحقيقي , الذي على اساسه يقيم البشر ؟ هل هو الشرف ؟ او الضمير ؟ او الخوف من العاقبة , ومن رب العالمين ؟ واذا كان اي من تلك العوامل الانفة الذكر .. فهل شعبنا يحترمها ويقيم لها وزنا؟

نحن نجمع كل المتناقضات , ولا يستطيع احد ان يضبط ايقاع سلوكنا , ويحدد معالمه. نحتقر الطيب ولا نقيم له وزنا، ونهاب الشرير وتنشرح قلوبنا لمقدمه

. ونحترم السارق ونجله، ونزدري النزيه ولا نعير له اهتماما . نهاب القوي ونمجده، [ونسبه لحد جده السابع] . نحترم الغني حتى وان كان بخيلا وجلفا، المهم انه غني وعلينا احترامه . ونعامل الفقير وعسير الحال، معاملة الحيوان . اذا تخاصما زيد وعمر، وجاء ابن الحلال الذي يوفق بينهما، سرعان ما ينقلبوا عليه فيصير عدوهما وتنقلب الطاولة فوق راسه . نصلي ونسرق ونعلم علم اليقين، بان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر . المسؤول فينا يرتشي، واليافطة فوق راسه مكتوب عليها [لعن الله الراشي والمرتشي] نفسر ايات الله ! جل جلاله، بما يتوافق واعمالنا الدنيئة، واصبح الصادق، عملة نادرة من الصعب ايجادها بيننا، وانعدمت المصداقية في التعامل.الحقد والحسد يملان قلوبنا ولا نتمنى لابناء جنسنا الا الخراب , ولا نحب لاخينا ما نحب لانفسنا، ونفسر ديننا، بما يتوافق ومصالحنا الدنيوية، فنحلل ما نحلل ونحرم ما نحرم . خطيبنا ينصحنا بالابتعاد عما يفعله هو كل يوم، وكبيرنا ينهانا عما يمارسه في الليل والنهار .الجشع يملاء قلوبنا جميعا، والمال يغرينا، ونتمنى الوصول اليه باي طريقة مهما كانت ومهما كان السبيل للحصول عليها . من ينادي بقطع دابر الفساد، هو راس الفساد الاول عندنا. ومن يبحث عن طريقة ناجعة لهلاك الحرامية، هو المنظر الاول والمخطط الرسمي لكل السرقات . ومن يحمي الوطن وتتكل عليه امة محمد، هو الجرذ الكبير الذي يدخل بقدرة قادر الى البنوك فيقضي عليها ويترك جدرانها خاوية داوية . تغني بقصيدة: [انه وجيبي تسامرنه وحجينه … الدرهم والفلس حسره علينه .والبطانه خفيفه … مكنوسه ونظيفه. انه وجيبي، انه وجيبي تسامرنه وحجينه ] .واذا تغير المسؤول الفاسد، فالذي ياتي .. افسد منه بالف مرة , وكل وزارة دولة مستقلة، والوزير يحيط به اخوته وعشيرته وحاشيته المقربة , وكل ما يخصص للوزارة من اموال تذهب الى الجيب وتنقل خارج العراق، وتربع العراق على عرش الفساد، وجاء بالمرتبة الاولى حيث حصد جميع الجوائز دون منازع، وانتقل من اغنى بلد في العالم، الى دولة [مفلسة] تقترض من اليابان وغيرها، وتتوسل بالامم لمساعدتها في توفير الرواتب، وحقوق الناس ضاعت واصبح حالهم لا يسر الصديق ، وانتشرت الرشوة والمحسوبية في كل مفاصل الدولة، وتغير اسم الرشوة الى [المعلوم] اي الذي يجب ان يدفع قبل كل شيء .قال والدي رحمه الله !: سافرنا في باص قديم الى خارج محافظتنا، وعند نقطة التفتيش , صعد الشرطي ليفتش الاغراض، واذا باحد الركاب ينهض وينادي الشرطي: ياحضرة الشرطي هاي المرة شايله وياهه اغراض مهربه واحنه لازم انحافظ على وطنه . فقال له الشرطي :[تعرف وين امخليه الغراض] فقال : نعم في المكان الخلفي للسيارة .اشار الشرطي للحجية ان تنزل، نزلت وهي تبكي وتصيح [ولك الله لا يوفقك يبو رباط اتورطت وكتلك .] اخذت الحجية تبكي وتتوسل به ان يتركها , لان الاغراض امانة لجيرانها، وهي عبارة عن سكائر وقطع ذهبيه صغيرة، ليس الا .فحن لها الشرطي وفكر في [لفط الغراض] وقال: [المفروض انوديج للاعدام فورا لان هاي خيانه، وانعدمج مثل حسقيل، بس اني طيب وراح اصادر المواد واوديهه البغداد واكول المهرب شرد وما كضيناه، بعد شتردين خلصناج من الاعدام حجيه] فقبلت الحجية بالصخونه لانها افضل من الاعدام , وقام الشرطي، بتقديم الشكر الجزيل للشاب الشهم الوطني الذي كان سببا باكتشاف ذالك التهريب الخطير .وكانت بجانب اغراض الحجية، ثلاث حقائب كبيرة .. صاح الشرطي: لمن هذه الحقائب ؟. اجاب الشاب الذي وشى بالحجية: انها لي ياحضرة الشرطي [اتريد ان افتحها لك] فاجاب الشرطي: [لا بويه انته شهم وطني وشريف شلون نفتح جنطتك، جا موش انته الدليتنه على المهربه الخطيره، احنه هواي متشكرين منك يابعد عمك . وقبله في راسه] وهكذا تركت حقائب الشاب، صاحب القاط والرباط . هذا [ والحجية تنوح كما ناح الحمام المطوق [ياهلي يامن ضيعوني] . حتى مل الركاب من اهازيجها الحزينة [وكولاتها التي ابكت كل الحاضرين]. وعندما نزلنا في محطتنا الاخيرة، “ولا زال الحديث لوالدي ” اشار الشاب الى الحجية ان تمشي خلفه، فقالت: [خاله بعد شتريد مني هجمت بيتي، الله يهجم بيتك وبيت الخلفك فضحك الشاب وقال: [مقبوله منج حجيه] بس اني اريد اعوضج لاني انا المهرب الحقيقي، وهذه احقائبي فيها مصائب، ولولا اني ورطتك، لكان مصيري الان في السجن، اضافة الى مصادرة البلاوي الموجودة في الحقائب . فكم ثمن الاغراض التي صودرت منك؟ واخرج محفظته واعطاه اضعاف ما خسرته . عندها قبلته الحجية وقالت [يمه ما ادري بيك ملج ابن ملج وشيطان ابن شيطان، جا شلون ايكول عنك الشرطي وطني واتحب البلد وتاليتك مهرب وحرامي ؟. جا وين الوطنيه يمه ؟]. هذه القصة القديمة التي اصبحت لا شيء امام تدهور المنظومة الاخلاقية وانحدار الانموذج الامثل الذي كان يسعى له الفرد العراقي , والا ما هو التفسير المنطقي للسرقة المتواصلة؟فما ان نتخلص من سارق، حتى ياتي من هو احط منه واكثر نجاسة . ومن حقنا ان نسأل: الا يوجد نزيه في العراق؟ وهل جميعنا حرامية فعلا؟ الا يوجد من يقدر الارض التي ولد فيها؟ الا يوجد من يخاف الله ورسوله؟ من اي طينة هؤولاء الذين جاءوا ..فقلبوا التراب على ساكنيه، واحالوا الحياة الى جحيم . منذ الاطاحة بالنظام السابق الى يومنا هذا .. لم نسمع بنزيه واحد في بلدنا، ولا بموقف وطني حقيقي من قبل اصحاب القرار الذين يمسكون بحبال اللعبة السياسية , بينما نسمع اقوالا خالية من الافعال. فالى متى هذا الضحك على الذقون؟ الى متى؟ الى متى؟

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here