اغلبية صامتة: الموصل تدير ظهرها لاستفتاء كردستان

منذ عام 2003 والموصل تتداعى بالسهر والحمى لأي دوامة سياسية او أمنية تشهدها بغداد او أربيل، فهل تداعت مجددا لاستفتاء إقليم كردستان الذي يعد أول اختبار لمرحلة ما بعد داعش؟

ليس سهلا أن تلم بجميع ردود فعل محافظة بحجم نينوى إزاء قضية سياسية حرجة مثل الاستفتاء، لاسيما وانها ذات تركيبة سكانية معقدة، وما زالت تعيش في وضع استثنائي لأنها خرجت توا من حرب طاحنة وورثت عنها حالة من الفوضى في جميع تفاصيل الحياة اليومية.

بين عاصمتين

أول موقف علني عبرت عنه الموصل ازاء استفتاء انفصال إقليم كردستان العراق كان الرفض، وحدث ذلك قبل ثلاثة ايام من بدء الاستفتاء الذي اجري في 25 أيلول (سبتمبر).

لافتات رافضة لوح بها عشرات الشبان وسط المدينة، يقودهم قادة فصائل تابعة للحشد الشعبي أبرزهم الشيخ ريان الكلداني وهو مسيحي يقود قوات بابليون المؤلفة من مقاتلين مسيحيين إلى جانب عرب مسلمين.

التظاهرة هذه لم تكن عفوية، لقد دعا إليها بعض قادة الحشد الشعبي من المكونين المسيحي والشبكي على وجه التحديد فهؤلاء يستمدون سلطتهم من الحكومة الاتحادية في بغداد، وبطبيعة الحال كان هناك حضور لشخصيات وشيوخ عشائر عربية يرفضون الاستفتاء أيضاً.

في بلدة تلكيف (7كلم) شمال الموصل التي كانت سابقا ذات أغلبية مسيحية، وإحدى المناطق التي يطالب الكرد بضمها للإقليم، دعت وشجعت قوات بابليون التي تسيطر على البلدة السكان للمشاركة في التظاهرات، علما ان غالبيتهم من العرب المسلمين، ومثل هذا حدث أيضا في مناطق أخرى على أطراف المدينة.

يقول محمد الحديدي، دُعينا من كتائب بابليون للمشاركة في التظاهرات ضد الاستفتاء، وقد ذهبت واصطحبت معي أولادي الثلاثة، لا نريد ان تعود سيطرة السلطات الكردية على البلدة من جديد.

في المقابل فان نسبة كبيرة من الموصليين ابدوا استياءهم من هذه التظاهرات، “هي لا تمثل المدينة فالغالبية الساحقة من المتظاهرين قدموا من الاقضية والنواحي، نعتقد بان مدينتنا منهمكة بتضميد جراحها الآن، وليس من مصلحتها الخوض في أي صراع”، يقول الشاب يونس حميد وهو ينظر إلى مجموعة متظاهرين تجمعوا قرب مكتبه وهتفوا يهددون بالحرب ضد اقليم كردستان.

بعد ثلاثة أيام من التظاهرات كان هناك مشهدٌ آخر مناقض تماما، في بلدة ربيعة معقل عشيرة شمر العربية، اصطف مجموعة من الرجال يرتدون الزي العربي للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء وهم يحملون أعلام إقليم كردستان.

ناحية ربيعة (106 كم غرب الموصل) ذات الغالبية العربية، واحدة من (16) وحدة إدارية مشمولة بالمادة (140) من الدستور العراقي، التي تشمل المناطق المتنازع عليها بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية.

وقد شهدت ربيعة وسبع وحدات إدارية أخرى إجراء الاستفتاء لأنها تخضع لسيطرة الإقليم، وهي تضم خليطا من العرب والايزيديين والكرد والتركمان والشبك، ولم يخلُ الأمر من ضغط على السكان هناك لدفهم نحو المشاركة في الاستفتاء والتصويت بنعم.

أغلبية صامتة

بين هذا الموقف وذاك ثمة أغلبية صامتة إزاء الاستفتاء والتجاذبات التي تدور حوله. يقول الدكتور محمود عزو أستاذ العلوم السياسية في جامعة الموصل، التزم غالبية الموصليين الحياد إزاء ما يحدث، فالاستفتاء لم يستفزهم في هذا الوقت لأنهم منهمكون بتضميد جراحهم بعد الخلاص من داعش، كما ان خطاب الاستفتاء الكردي عزف على الوتر الطائفي وكان موجها إلى بغداد بالدرجة الأساس.

وذلك لا يعني عدم وجود اهتمام بالأمر، فنسبة كبيرة من سكان المناطق المتنازع عليها من العرب نزحوا الى مدينة الموصل على مرحلتين، الأولى بعد سيطرة داعش على مناطقهم والثانية بعد تحريرها من القوات الكردية، وهؤلاء يراقبون ما يجري في مناطقهم التي شملت بإجراء الاستفتاء، ويتطلعون للعودة اليها مستقبلا، يضيف عزو.

في النتيجة ثمة أغلبية صامتة في الموصل، ليس على المستوى الشعبي فقط بل على مستوى الحكومة المحلية التي باتت في موقف لا تحسد عليه، إنها الآن بين مطرقة بغداد وسندان أربيل وربما في المستقبل القريب ستتعرض لضغط اكبر كلما توترت العلاقة بين هاتين “العاصمتين”، خاصة وان المناطق التي يطالب اقليم كردستان باستقطاعها من محافظ نينوى وضمها اليه غنية بالنفط وغيرها من الثروات الطبيعية، وهي تشكل مساحة اكبر من محافظة كركوك.

الخوف من حرب أخرى

الآن وقد انتهى الاستفتاء ما زالت الموصل صامتة، غير أنها خائفة من التداعيات، وما يخيفها وقوع حرب بين بغداد واربيل وبالتأكيد لن تكون هي بمنأى عن نيرانها.

يقول نشوان الزبيدي “لقد مللنا الخوف والرعب والنزوح، كنت أعيش وعائلتي في ناحية زمار (70 كم غرب الموصل) واضطررنا لمغادرتها بعد سيطرة داعش عليها، وعندما حررتها قوات البيشمركة لم تسمح لنا بالعودة، لذا أعيش الآن في ناحية العياضية الواقعة على التماس بين قوات الحشد الشعبي التابعة لبغداد والقوات الكردية، وأخشى ان تحرقنا نيران الحرب مجددا”.

القوات التي تسيطر على الموصل وبعض الاقضية والنواحي تأتمر بأمر الحكومة الاتحادية والجزء الآخر من المحافظة خاضع لسيطرة البيشمركة الكردية وبالتالي هناك خط تماس لأكثر من (150 كلم) يتقابل فيه هذان الطرفان المتخاصمان، اللذان كانا قبل اربعة أشهر يقاتلان جنبا الى جنب ضد تنظيم داعش.

وما يقلق الموصليين أكثر أنهم يعتمدون على الإقليم كمصدر رئيس لوصول البضائع والسلع الغذائية والوقود وحتى الكهرباء، فالمسافة بين الموصل واربيل نحو (80 كلم) وإذا ما حدث وأغلقت بوابات الإقليم بوجه الموصل سيتحتم عليها الاعتماد على بغداد التي تبعد عنها مسافة (400 كلم).

إذن الموصل بحاجة إلى تجنب ويلات حرب جديدة وبدء عمليات الإعمار التي تأخرت حتى الآن في الجانب الأيمن الذي تعرض لدمار كبير، واذا ما اندلعت فإنها ستكون الخاسر الأكبر فيها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here