مذكرات رجل دخل جهنم

فراس الغضبان الحمداني

بعد شد وجذب مع عزرائيل لم يستطع صديقي أن يقاوم كثيرا فتم إنتزاع روحه بسرعة ونقلت جثته الباردة الى المقبرة وكان الحضور كالعادة يتوزع بين نساء باكيات وصغار في ذهول وكبار واجمين يبحثون عن فرصة لتداول حديث غير واضح بهمهمات يتردد صداها الباهت في أفق المقبرة المظلم والموحش بينما كان الدفان يحفر أكثر وأكثر ويضرب بمعوله طبقة أحجار هشة تناثرت وسرعان ما جاء أحدهم بمجرفة لرفع التراب حتى كبرت الحفرة رويدا وتعمقت ثم جيء بالجسد الملفوف بخرقة بيضاء ووضع في دهليز ضيق داخل زاوية من الحفرة المسماة القبر ووضع بعض الحجر المتصلب ليمنع التراب من النزول على الجسد وليكون حائلا بين المكان الذي وضعت فيه الجثة وبقية القبر .

قبل تلك اللحظات التي اهيل فيها التراب على الجسد المتهالك كان جمع من الرجال قد حملوا الجنازة الى المغتسل ووضعوها على دكة ونزعت عنها الثياب ووضع الماء عليها بالسدر والكافور ثم كفنت وجاء جمع آخر من الرجال وحملوها الى القبر عند غروب الشمس وتليت الصلوات والدعوات ثم وريت الثرى الى الأبد .

رأيته في المنام بعد عدة أيام وكان وجهه مكفهرا مسودا، وتبدو عليه علامات عدم الرضا والخوف والرعب وكأنه خرج للتو من حفلة تعذيب قاسية بالسياط والكابلات التي حولت جسده العاري الى خيوط حمراء على مستوى الظهر والصدر وعلى الأيدي والأفخاذ ، وقد بدت على جسده آثار الكي بالسياخ التي تستخدم في الشواء وهي تشبه البقع الشمسية وتساءلت في سري ترى مابال صديقي قد جرى ماجرى عليه من ويل وعذاب وكيف سيكون الحال معي وأنا الذي كنت أسايره فيما يعمل واذهب معه حيث يذهب وكنا نأكل سوية ونشرب ونمارس الرذائل ونتآمر على الناس ونتحدث بطريقة بشعة عن الأعراض ؟ كانت هذه الأسئلة تراودني وأنا أنظر في وجهه المكفهر منتظرا منه كلمة وكأنني في مشهد لإستحضار الأرواح الطائرة .

قلت له ، مابالك ياصديقي وماجرى عليك من أهوال الآخرة والقبر تحدث لي بربك عن تلك المشاهد لعلي أتجنب مصيرك الأسود ؟ فرد بسرعة وقد إنفرجت شفتاه عن إبتسامة خبيثة ، أو يائسة وقال لن تتجنب ولن تكون حالك باحسن مني وسوف يكون مصيرك مثلي حتما فقد كنت شريكي في البلاوي التي عملتها والفرق إن ورقتك لم تأت بعد ولم تنزل أوامر السماء بإجتثاث روحك من جسدك لكنني على أية حال في الإنتظار وسنرى كيف يكون المصير فهناك المزيد من العذاب ينتظرني وينتظرك معي وقد تجاوزتك بعدة أيام .

حكي لي عن العذاب الذي تلقاه وكيف جاءه الملكان الكريمان وأخذا يدققان في الأسئلة ولايغادرن صغيرة ولا كبيرة إلا وقد بحثا فيها وعرضا على وثيقة تتعلق بها ليكون الدليل علي ولم تنفع إعتذاراتي ولا إنكاري فكلما أنكرت شيئا جاءني الدليل الدامغ حتى إعترفت بكامل ماعلي وتقرر أن أكون من أهل النار وسيق معي المجرمون زمرا زمرا وكان ملائكة النار يضربون أظهرنا بغضب كبير في السياط الساخنة والحديد الذي يتطاير منه الشرر الذي يشوي لحومنا .

نظر إلي بخبث أكبر وقال ، أنا بإنتظارك ياصديقي الغضبان .

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here