استفتاء إقليم كردستان وحد اقصى اليمين واقصى اليسار في العراق

محمد رضا عباس
هل يمكن خلط الزيت بالماء؟ علماء الفيزياء يقولون لا، السياسة تقول نعم. وهذا ما جرى قبل وبعد اجراء إقليم كردستان العراق استفتاء الانفصال. ومن لم يعرف علاقة اليمين باليسار في تاريخ السياسة العراقية , فيمكن اختصارها بالمثل القائل ” مثل الحية والبطنج” أي لا يمكن للحية العيش او التقرب الى البطنج , وهو نبات من عائلة النعناع. اليمين لا يستطيع التعايش مع اليسار ولا يتحمل الواحد الاخر حتى في الجلوس في مقهى المدينة، السفر في سيارة واحدة لمسافة 5 كيلومتر، البيع والشراء , حيث كان محرم على من يحمل الأفكار اليمينية شراء شيء من بقال السوق اذا كان هذا المكرود محسوب على خط اليسار , ووصل الحال رفض المريض المحسوب على قوى اليمين مراجعة الطبيب المحسوب على قوى اليسار.
لقد وصل الحقد والكراهية بين المخيمين في العراق ان يقتل الطبيب المحسوب على قوى اليسار مثل ما يقتل داعشي مواطن وهو جالس في دكانه , او مثل ما يفعل الدواعش بتفجير المقاهي والأسواق و مساطر العمال. لقد وصل الحال ان يقتل رجل , بسبب انضمامه الى لجنة السلام العالمي في نهاية الخمسينيات و بداية الستينيات من القرن الماضي , وهذا بالضبط ما جرى في قضاء الكاظمية من بغداد في عام 1960, عندما غدر بعض المجرمين قارئ المجلس الحسيني سيد لطيف وهو في عمر الثمانين عاما .لقد وصل الحال في بداية الستينيات من القرن الماضي ان لا يستطيع مواطن من اهل الكاظمية العبور الى منطقة الاعظمية لكون ان اهل الكاظمية كانوا محسوبين على الخط اليسار بينما كانت مدينة الاعظمية محسوبة على الخط العروبي القومجي. ومن عاش انقلاب 1963 يعرف جيدا ما جرى لقوى اليسار على يد البعثيين والقوميين , قتل هؤلاء عشرات الالاف من العراقيين الشرفاء بحجة انهم من الشيوعيين , وظل القتل بالمواطنين المحسوبين على اليسار وعلى يد القوى القومجية و البعثيين حتى سقوط بغداد. اذن , هذا هو تاريخ العراق , لا لقاء بين المخيم المحسوب على قوى اليسار ومخيم قوى اليمين في العراق , وظلت هذه العلاقة متوترة حتى هذه اللحظة , مع تغير الأسماء و التوجهات.
لكن هذه المرة وبقدرة قادر اتحد اليسار العراقي مع اليمين العراقي في قضية الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق. فلو قرات مقال مكتوب من قبل كاتب محسوب على قوى اليسار واخر محسوب على قوى اليمين , سوف لا تجد هناك فرق بين التوجهين , واصبح كل واحد يردد كلمات الاخر . اليمين العراقي يطالب الحكومة العراقية بعدم التعرض بعيشة المواطن الكردي في كردستان بسبب الحصار الذي تزمع الحكومة العراقية فرضه على حكومة إقليم كردستان , وقوى اليسار تطالب بعدم التلاعب بحياة المواطن الكردي في كردستان في حالة فرض حكومة بغداد المقاطعة الاقتصادية. اليمين يتشفى بالاستفتاء , لان الحكومة المركزية مازالت تستعمل “سياسة الاقصاء والتهميش” ضد مكونات الشعب العراقي , واليسار العراقي هو الاخر يدعي ان السياسة الطائفية والمحاصصة أدى الى سياسة “الاقصاء و التهميش” لمكونات الشعب العراقي. اليسار العراقي يعتبر ان حكومة بغداد مبنية على المحاصصة والطائفية ولكن تغض النظر عن إخفاقات إقليم كردستان ولم تتحدث عن المشاكل التي يعاني منها المواطن الكردي , وكذلك اليمين لم يجرئ حتى بالتلميح عن المشاكل التي يعاني منها شعب إقليم كردستان. اليسار العراقي يطالب بالتعقل بالتعامل مع القضية الاستفتاء , وقوى اليمين تعتبره الاستفتاء حق من حقوق السيد مسعود البارزاني في تحقيق مصير كردستان . اليمين يهاجم كل من ينتقد تحرك قادة إقليم كردستان نحو الاستفتاء والانفصال , واليسار يهاجم كل من عارض الاستفتاء بدعوة “جق تقرير المصير”. اليمين يرى ان الاستفتاء في غير وقته , واليسار يرى ان الاستفتاء في غير وقته.
كما ذكرت , ان كل من اليسار واليمين خطان لا يلتقيان , ولكن المصالح اقتضت ان يتحدوا ضد بغداد , فذلك بسبب علاقته بمصالحه التاريخية المتشابكة في كردستان والأخر بسبب طائفيته. اليسار العراقي أصبحت وظيفيته تسقيط النظام الجديد لأنه خسر جميع مواقعه في العراق بسبب خطابه الديناصوري وعدم استطاعته فهم الواقع العراقي الجديد , بينما يستمر الخط اليميني في حملته ضد بغداد وضد قادة البلاد المنتخبين لأنه خسر مواقعه في النظم القديمة. الخط اليميني او الخط القومجي والعروبي طيلة النظم السابقة اصدع رؤوس المواطنين بالوحدة العربية و الوحدة الوطنية , ولكن عندما خسر مواقعه الحكومية اصبح لا يهمه ان سقط العراق وانضم الى إسرائيل . اليمين العراقي سوف يرقص طربا ان تقسم العراق , لا حبا بالتقسيم وانما كرها بالتغيير. واليسار العراقي سوف لن يشعر بالحزن والأسى ان تقسم العراق الى ثلاثة دويلات باسم ” حق تقرير المصير” لا ايمانا بهذا الحق وانما نكاية بالأحزاب الدينية والتي كنست الساحة العراقية لصالحها.
كلا المخيمين يعرفون جيدا ان الخطوات التي اقرها البرلمان العراقي كانت ليست موجهة للمكون الكردي الكريم وانما الى توجهات احزابه وحكومته الى الانفصال . كلا المخيمين يعرفون جيدا الظلم الذي وقع على المواطن الكردي جراء تصرفات احزابه الغير مسؤولة , كلا المخيمين يعرفون ان قرار السيد البارزاني بالدعوة الى الاستفتاء كان ليس بالوقت المناسب , كلا المخيمين يعرفون ان حكومة الإقليم لم تحترم الشراكة , ولكن كلا المخيمين اعتبروا توجه أبناء كردستان الى الاستفتاء جاء بسبب فشل الحكومة العراقية باحتواء المكون الكردي والمكون السني. اليسار العراقي يشعر بكامل الحرية وهو ينتقد الصغيرة والكبيرة في بغداد , ولكن لم يتجرأ بانتقاد توجهات الإقليم الانفرادية والابتعاد عن بغداد . هل أحد منكم قرأ مقال من قبل كاتب محسوب على اليسار ينتقد قيادة إقليم كردستان في تعاملها مع ملف النفط؟ ملف المطارات والمنافذ الحدودية؟ الضرائب؟ ترك اللغة العربية؟ علاقة الإقليم بإسرائيل؟ تصريحات السيد البرزاني النارية والاستفزازية؟ حتى وان كتب شخص محسوب على اليسار العراقي حول الانفصال , تجد ان مقاله خجول وكتب على حذر , وكان صاحبه لا يريد ان يخسر شقته في أربيل.
المحسوبين على الخط العروبي والقومي كانوا أيضا شاهدين على خروقات إقليم كردستان ضد بغداد و كيف تعامل إقليم كردستان مع بغداد وكانه دولة أخرى , لا إقليم تابع الى بغداد. لم ينتقد احدهم توجهات إقليم كردستان خوفا من طردهم او طرد عوائلهم من السكن في كردستان , او خوفا من خسارة دعم مكون قوي لتوجهاتهم المستقبلية . لقد اصبح الإقليم مكان لكل من عادى العملية السياسية من العرب , ويشجع حتى أبناء العشائر العربية بالمطالبة بالإقليم , حيث لا نندهش عندما يطالب بعض شيوخ العشائر الموالية لنظام صدام سين او الطائفيون بالإقليم العربي السني , واخر هذه المطالبات جاءت من قبل شيخ عشيرة الندا , شيخ عشيرة الرئيس النظام السابق. اليمين العراقي يتباهى ما وصل إقليم كردستان من تقدم عمراني وينتقد بغداد بخراب العاصمة وبقية المحافظات الأخرى , ولكن اليمين العراقي نسوا ان راس البلاء والشقاء في العراق هو حكمهم للبلاد والذي طال 80 عاما حتى سلموا خزينة العراق فارغة . اليسار , من جهة أخرى , قلق جدا من ان يجوع المواطن الكردي , ولكن لا يستطيع حث حكومة الإقليم بالتعاون مع بغداد وحل المشاكل بالتي هي احسن . اليسار العراقي , يصور ان بغداد وحدها خرقت الدستور , بدون الإشارة الى خروقات إقليم كردستان للدستور والتي أصبحت حديث المقاهي و كبار السن . اليسار العراقي مازال يتحدث عن النضال ضد الطبقة الحاكمة , وهو خطاب اكل عليه الدهر وشرب , ولا يفكر لحظة واحدة ان النظام الجديد نظام ديمقراطي وانتخابات حرة نزيهة سمح لهم بالانتقادات من على وسائل الاعلام من دون خوف من أجهزة الامن العراقية . اليسار العراقي , كما كتب احد المحسوبين عليه , يقترح ان استقلال كردستان لا يحتاج الى استفتاء, وكأننا نعيش في القرون الوسطى . اليسار , هو أيضا يتهم الحكومة بفقر المواطن في الوسط والجنوب ولكن لا يريد ان يقول ان هذا الفقر هو بسبب سياسات النظم الديكتاتورية التي حكمت العراق. واليسار العراقي هو الاخر يدعي ان غياب المواطنة هو سبب عدم استطاعة المكونات العراقية التعايش الواحدة مع الأخرى , ولكن ينسون ان النظم السابقة والتي قادها اليمين هي التي قتلت روح الوطنية عند المواطن العراقي . وكل من التيار اليميني واليساري لا يريدان الاعتراف ان استفتاء إقليم كردستان رفضته كل الدول العظمى , مجلس الامن , والجامعة العربية. والغريب ان معظم من يكتب من المحسوبين على اليسار واليمين , يعيشون بعيدا عن العراق , بعضهم يحمل اكثر من جنسية اجنبية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here