كانت الموافقة علی الدستور العراقی بطلب من القیادة الكوردیة فقط

عماد علي
قد يتصور البعض بان الكورد حينما وافقوا و ادلوا باصواتهم لصالح تمرير الدستور العراقي قد يكون نابعا عن رضا الشعب عنه معتقدا بانه يشفي غليله و هو نهاية امنياته و حقوقه التي نضال من اجلها . لو فكرنا جيدا و بموضوعية و حللنا الواقع بعين تلك المرحلة و ما حصل من انهيار الدولة العراقية و ما كان عليه الكورد بعد نجاته من الحصار الظالم عليه من قبل الدكتاتورية و تحرره من اعتى نظام في المنطقة، فانه كان يريد ان يخطوا خطوة بسيطة فقط من اجل ان يتخذ موقفا جديدا و ان المرحلة كانت استراحة مقاتل و الا لم يكن مقتنعا بالبقاء تحت خيمة العراق مهما كانت سلطته و جوهرها . و انه لم يقتنص الفرصة السانحة لاعلان الاستقلال في وقت كان العراق منحلا بشكل كامل بل ساعده على الانتعاش, و هذا فعل مقاتل شهم يواجه الاخر وجها لوجه و في الوقت المناسب و ليس باستغلال المرحلة التي يكون المقابل يُشفع على حاله . هذه هي الحقيقية لان الدماء التي سفكت لم تكن من اجل اقل من الاستقلال الكامل مهما ادعى البعض نتيجة سيطرة الخيال اليساري و بعض التوجهات غير الواقعية على تفكيره و سلوكه في مرحلة ما من مراحل النضال الكوردستاني.
ان الخطا الاكبر في مرحلة مابعد السقوط هو ذهاب القادة الى بغداد كي يعيدوا بناء العراق و تاسيسه من جديد متعاونين بعاطفية ساذجة مع من انقلب عليهم فيمابعد بكل صلافة نتيجة عدم تعمقهم في الامور الستراتيجية من جهة و اتباع بعضهم لرغباته و مصالحه الشخصية و طموحه في اعتلاء مناصب الدولة العراقية كدولة عضو في الامم المتحدة من جهة اخرى، او خوفهم في بروز ردود الفعل تجاه بيان راي و موقف و امنية و هدف الشعب الحقيقي في تحقيق الاستقلال لكوردستان من جهة ثالثة .
و عندما طرح الدستور للموافقة علي الشعب الكوردستاني كانه حل وسط و فرض ذلك نتيجة قناعته المبتسرة بالقادة و ثقتهم بهم، وعليه وافقهم الشعب مرغمين وعلى مضض و الا لم يقرا النسبة المطلقة من الشعب العراقي و الكوردي من ضمنهم الدستور الجديد كي يدلوا باصواتهم و هم مقتنعين بمتنه و ما جاء فيه بخصوصهم . اما السبب الحقيقي الاخر في سلوك القادة الكورد هو اتخاذ تلك المرحلة كجسر للوصول المبتغى الرئيسي الخاص وهو الاستقلال في الوقت المناسب. و كان الشك دائما هو السيد على مشاركة الكورد في كل تقارب مع المركز في اية مرحلة كانت و حتى في مرحلة كتابة الدستور و كم من خلاف حصل و نقاش توسع و امتد عن مجموعة من البنود و المواد، و حتى الفكر الاستراتيجي و خطوط الرجعة كانت دائما لاعبة في اذهان قادة الكورد عن هذا الدستور و تفكيرهم في تثبيت مواد كخط رجعة للتوجه نحو الاستقلال في اية مرحلة اخرى و الدليل مطالبتهم بضمانات لحقوق الكورد في فرض ارادته لتقرير المصير في حال تراجع المركز عن حقوقهم, و لم يوافق عليه العرب من السلطة الجديدة و عليه رحل هذا الطلب الى الديباجة و هو ينص على ان الالتزام بالدستور مرهون بالتزام العراق ببنوده واهمها الحفاظ على النظام الاتحادي الحر، و وفق القانون ان الديباجة بند لا ينفصل عن البنود الاخرى وفق نسبة و قوة القانون .
لم يخسر الكورد شيئا من الاستفتاء و لم ينقضوا عهدا من اجراءه بل لاول مرة في التاريخ يسير قادته وفق طموح و امنيات شعبهم. ان الخطوة و العملية اوضحت للعالم و ذكرتهم بان الكورد ليسوا جزءا من العراق و انهم شعب له سماته وتاريخه و له وطن وصاحب جغرافيا وقيم خاصة بهم و انهم اصحاب ثقافة و سمات اجتماعية مختلفة عن الاخرين في المنطقة .
من يعتقد بان الدعم الدولي لهم كان نتيجة بقائهم مع العراق فهو واهم و ان الدول و نظرتهم لقضايا العالم يبنى على مدى المصلحة التي يمكن ان يحققوها من مواقفهم و ليس من اجل عيون اي احد، و الايام القادمة تؤكد لنا ذلك من خلال من يتراجع عن المواقف المتسرعة او المؤقتة المتخذة كهدف تكتيكي مؤقت، اللهم الا من قسم على بلده الكورد فقط من دول الجوار . لم يعتد الكورد على احد بخطوته و هو مارس حقه المشروع, و ليس لاحد ان يعتبره امة مضطهدِة لاحد و هو ينادي بابسط حقوقه المهضومة و المقضومة منذ قرن و اكثر . و الاراضي التي اجريت فيها عملية الاستفتاء كوردستانة وفق كل الوثائق و ما يوضحه التاريخ، و لم يعتد على احد بل التغيير الديموغرافي الذي حصل على يد الحكومات المتتالية قد اقضم نسبة كبيرة من اراضيهم، و ليس لهم اية اطماع توسعية بل الاخر هو من اخذ و قضم الارض الكوردستاني و طرد من عليها من الكورد الاصلاء عندما عاشوا على اراضي ابائهم و اجدادهم .
قد ينتشي البعض ببعض المواقف من بعض المستعربين من الكورد او من عمت عيونه المصالح الخاصة, كما حصل في التاريخ و يوجد من امثال هؤلاء القلة القليلة في صفوف كافة الامم، و لكن يجب ان نكون واقعيين و نحسب و نقدر على النسبة الساحقة التي قالت كلمتها و هي نعم للاستقلال .
و اخيرا لابد ان نقول و لا نشمت لاننا شعب حر ابي و صاحب خصلات و سمات انسانية يعترف بها الاعداء قبل الاصدقاء، فان هناك من عاشوا في كوردستان و تكلموا بشيء من الحقانية و الاعتدال و احترمناهم كثيرا و لازالوا ، الا ان هناك من بان على حقيقته و حوهره و انكر الجميل من اجل مصلحة شخصية ضيقة و مؤقتة يريدها من بغداد او من اجل بقائه على منصبه الصغير، و يبدوا ان طعامنا لم يغزر, و لن نقول الا ان يفكروا جيدا و يستمعوا الى صوت ضميرهم ان بقي حيا و لم يعميهم المال و المنصب الزائل حقا و يبقى المواقف و الشهامة و العهد و الوفاء دوما وارجوا ان يكون ضميرهم حيا وصحوا دائما .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here