يحيى الكبيسي: الفاعل السياسي الشيعي يحتكر القرارات السياسية في بغداد

تحدث الباحث في الشأن العراقي، يحيى الكبيسي، عن استفتاء استقلال إقليم كوردستان والتداعيات التي يمكن أن تحدث عقب التصعيد الكلامي من قبل الحكومة المركزية في بغداد، مؤكداً أن الفاعل السياسي الشيعي يحتكر القرار السياسي في بغداد.

وقال يحيى الكبيسي، في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية، إنه لم يرد في الدستور العراقي أي إشارة إلى المنافذ الحدودية، لا في الصلاحيات الحصرية ولا في الصلاحيات المشتركة، مستبعداً في الوقت ذاته أن تُقدم إيران وتركيا على إغلاق حدودها مع إقليم كوردستان، نظراً للتبادل التجاري الكبير بين إيران وتركيا من جهة، وبين إقليم كوردستان والعراق من جهة أخرى، كما أجاب الكبيسي على أسئلة شبكة رووداو الإعلامية، فيما يلي نصها:

رووداو: كيف تُقيم موقف العرب السنة من استفتاء استقلال إقليم كوردستان؟

يحيى الكبيسي: ليس هناك موقف موحد من الاستفتاء حتى الآن بسبب طبيعة تشظي الموقف السني، وبالتالي لا يمكن التعويل على أي موقف من أي طرف على أنه يمثل الموقف السني، خاصة في ظل أزمة التمثيل السني القائمة اليوم، وبالتأكيد الوثيقة التي صدرت عن اجتماع تحالف القوى الوطنية العراقية يوم أمس تضمن بضع نقاط إيجابية، ولكن لا أعتقد أنه سيكون لها تأثير على القرار في بغداد بسبب احتكار القرار السياسي من قبل الفاعل السياسي الشيعي في بغداد.

رووداو: في حال استقلال كوردستان، أنتم كعرب سُنة ماذا ستختارون، دولة كوردستان، أم العراق بشكله الحالي؟

الكبيسي: هذا سؤال مركب، وأعتقد أنه ليس هناك شروط موضوعية لاستقلال كوردستان على المديين القريب والمتوسط، وعليه فإن هذا الاحتمال غير قائم، والأمر الآخر هو أن النظام السياسي القائم في العراق هو سبب هذه المشاكل، وعليه أعتقد أن على العرب السنة أن يدفعوا باتجاه إقتاع الطرف الكوردي بضرورة العمل على إعادة هيكلة النظام السياسي في العراق بما يمنع احتكار السلطة في بغداد من قبل أي طرف من الأطراف، وبرأيي فإن الآلية الوحيدة المتاحة لتحقيق هذا الأمر هو اتفاق العرب السنة والكورد على إقناع المجتمع الدولي بأن النظام السياسي القائم في العراق اليوم غير قابل للاستمرار، ولا بد من إقامة مؤتمر دولي يشترك فيه المجتمع الدولي مع الأمم المتحدة لإعادة هيكلة النظام السياسي في العراق، على أن تكون هناك ضمانات دولية بأن لا يخرق أي طرف هذا الاتفاق، وأعتقد أن هذه هي الآلية الوحيدة التي يمكن أن تُطمئن الكورد والعرب السنة بأنه لن تكون هناك عودة إلى أساليب احتكار السلطة التي مورست خلال السنوات السابقة، وأن يكون الجميع شركاء حقيقيين في صياغة القرار السياسي والعسكري والأمني، أي أن يكون الجميع شركاء على قدم المساواة لقيادة الدولة.

رووداو: برلمان العراق منذ تأسيسه بعد 2003 لم يعرف الاستقرار والاتفاق، ولكنه اتحد واتفق ضد استفتاء استقلال كوردستان فقط، كيف تُقيم ذلك؟

الكبيسي: برأيي هذا التوصيف غير دقيق، كما أعتقد أنه دائماً كانت هناك توافقات في البرلمان العراقي لم يكن الغرض منها بناء الدولة العراقية، وإنما الحصول على مكاسب فئوية، وفي كثير من القرارات التي اعترض عليها النواب السنة أو قاطعوها، كان النواب الكورد يشاركون النواب الشيعة في اتخاذ تلك القرارات، الأمر الآخر اليوم هو أن هناك نوع من التوافق السني الشيعي في ظل انسحاب النواب الكورد، وبالتالي نحن نتحدث هنا عن توافقات بين طرفين ضد طرف آخر، وهذه المعادلة هي التي أوصلتنا إلى الأزمة الحالية، بمعنى أن الجميع كان ينظر لمصالحه الفئوية على حساب المصلحة الوطنية، ولا أحد كان ينتبه إلى أن مثل هذه الاصطفافات هي في النهاية اصطفافات قومية ومذهبية، لهذا أعتقد أن الجميع شارك في هذه اللعبة، الكورد والسنة والشيعية، وعليه لا يمكن إلقاء اللوم على طرف ضد آخر في هذه اللعبة الانتهازية التي مورست طيلة السنوات السابقة من قبل الجميع.

رووداو: الكثير من عشائر السنة أعلنت في مؤتمرها بمدينة أربيل مؤخراً، أن السياسيين السنة لا يمثلونهم ولا يطالبون بحقوقهم في بغداد، هل تتفق مع هذا الرأي؟

الكبيسي: نحن اتفقنا على وجود أزمة تمثيل سني حادة في العراق، وهذا يعني أن ممثلي السنة في بغداد لا يعبرون عن مصالح شعبهم، ولكن في الوقت ذاته لا يمكن التعاطي مع اجتماعات مثل مؤتمر العشائر السنية في أربيل على أنها معبرة عن رأي العشائر السنية، فأن يجتمع بضعة مئات هنا وهناك لا يمكن لهذا المشهد أن يختزل موقف مكون كامل مثل المكون السني، وبالتالي نحن شهدنا الآلاف من هذه المؤتمرات التي لم تنتج شيئاً، ومن الخطأ التعويل على هكذا اجتماعات على أنها تمثل رأي المكون السني، وإنما هي اجتهادات من بعض الأشخاص ولا تُلزم المكون السني بشيء.

رووداو: سليم الجبوري ترك مجلس عزاء والده والتحق بجلسة البرلمان المخصصة لمناقشة استفتاء كوردستان، لماذا لم تحظى الملفات الأخرى بهذا الاهتمام من البرلمان ورئيسه وأعضائه؟

الكبيسي: هذا السؤال يوجه إلى السيد سليم الجبوري، ولكننني أعتقد أن الأداء السياسي للجبوري، على الأقل بعد أزمة البرلمان في عام 2015، جعلت السيد سليم الجبوري خاضعاً لابتزاز الفاعل السياسي الشيعي في بغداد، لأنه قادر على إزاحته في أي لحظة، لهذا لا يمكنني شخصياً أن أنتظر موقفاً مختلفاً من الجبوري، بمعنى أنه كان مضطراً للحضور ولم يكن الأمر باختياره.

رووداو: العراق غارق في ملفات الفساد والطائفية، والفقر والجريمة تنخر في مفاصله، فيما تنشغل القيادة في بغداد باستفتاء كوردستان، هل الاستفتاء ذريعة تتهرب بغداد من خلالها لعدم فتح تلك الملفات؟

الكبيسي: لا بالتأكيد، أعتقد أن الاستفتاء نفسه يأتي في سياق الأزمة العراقية، بمعنى أنه مجرد مظهر من مظاهر فشل بناء الدولة بعد 2003، وبالتأكيد الأطراف السياسية العراقية دون أي استثناء غالباً ما تلجأ إلى استخدام بعض الأزمات للتحشيد الجماهيري للتغطية على موضوعات كالفساد والفقر والعجز في الموازنة وغيرها.

رووداو: هل تستند قرارات الحكومة العراقية إلى بنود نظام الطيران المدني العراقي؟

الكبيسي: هذا سؤال جزئي، وأنا من الناس الذين تحدثوا طوال السنوات الماضية عن أنه لا أحد في العراق يحترم الدستور أو القانون أو الاتفاقيات المبرمة، وأن كل شيء يخضع لعلاقات القوة، وبالتالي لا وجود لمرجعية حقيقية يستند إليها جميع الفاعلين السياسيين عند اتخاذ قراراتهم سوى علاقات القوة تلك، ولكن يُستخدم الدستور والقانون كأداة سياسية لتسويق تلك المواقف، ولو عدنا إلى القانون والدستور لوجدنا أنه انتهك من قبل الجميع، وبتواطؤ من قبل الجميع طوال سنوات ما بعد 2003، لهذا فإن الحديث عن أي مرجعية دستورية وقانونية لا معنى له، بدليل أن معظم القرارات التي اتخذت والتي حددت مسار العملية السياسية في العراق كانت خارج إطار هذا الدستور وهذه القوانين النافذة، وإذا ما تحدثا عن قضية المطارات، فبالتأكيد لا يمكن الحديث عن إطار دستوري أو قانوني للإجراءات التي تمت، ولكن هذه الإجراءات ستنفذ لأنها تمثل إرادة الطرف الأقوى في الأزمة الحالية، وهو بغداد، وبالتالي يمكن لهذه القرارات أن تتغير مع أي تغير في علاقات القوة، بمعنى إذا ما تدخل الفاعل الأمريكي مثلاً في هذه المسألة، وبالتالي تغيرت علاقات القوة، فيمكن وقتها إلغاء هذه الإجراءات بنفس البساطة التي صيغت بها، وحينها سينسى الجميع خرافة الدستور والقانون التي تم اعتمادها لاتخاذ هذه القرارات.

رووداو: كيف تستطيع بغداد فرض سيطرتها على المطارات والمنافذ الحدودية في إقليم كوردستان؟

الكبيسي: هذا سؤال إشكالي لم يُجب عنه أحد حتى الآن، فهناك إشكالية حول ما إذا كانت المنافذ الحدودية والمطارات هي سلطات حصرية للحكومة الاتحادية أو سلطات مشتركة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، أم أنها جزء من سلطات الإقليم بمفرده، لأنه لم يرد في الدستور العراقي أي إشارة إلى المنافذ الحدودية لا في الصلاحيات الحصرية ولا في الصلاحيات المشتركة، وبالعودة إلى القانون 30 لسنة 2016 الخاص بهيئة المنافذ الحدودية نكتشف أن القانون تحدث عن تنسيق وتعاون بين السلطات الاتحادية وسلطة الإقليم في إدارة هذه المنافذ الحدودية، وهذا يعني عملياً أن المنافذ الحدودية عُدت كصلاحيات مشتركة وليس صلاحية حصرية، مما يعطي للإقليم العلوية قي هذه المسألة تبعاً للمادة 115 من الدستور العراقي، ولكن كما قلت سابقاً، هذه الإشكاليات تتعلق بالدستور العراقي وبآليات كتابة القوانين في العراق، بمعنى أن ما اتفق عليه في لحظة ما في إطار صفقة سياسية يمكن أن يتغير في أي لحظة، لهذا أقول دائماً إن من العبث الاستناد إلى النصوص الدستورية والقانونية، فكل شيء في العراق يجري في إطار صفقات سياسية خارج إطار الدستور والقانون، وبالتالي من الواضح الآن أن علاقات القوة التي أنتجت الصفقة التي استطاع الإقليم بموجبها تولي إدارة المنافذ الحدودية على مدى 14 عاماً لا يُراد لها الاستمرار، لذلك علينا انتظار الصفقة الجديدة التي ستتم في هذه المسألة بعيداً عن الدستور والقانون أيضاً.

رووداو: هناك تبادل تجاري كبير بين إقليم كوردستان، وكلٍّ من إيران وتركيا، فهل يمكن أن يغلق هذين البلدين منافذهما الحدودية مع كوردستان ببساطة؟

الكبيسي: فيما يتعلق بتركيا، أعتقد أن الأمر صعب جداً لأن إغلاق المنافذ مع تركيا يعني فقدان تركيا تجارتها مع الإقليم ومع العراق ككل، لأن جميع المعابر مع تركيا تمر بإقليم كوردستان، وبالتالي ستكون هناك خسارة كبيرة لتركيا والعراق حتى وإن لجأت تركيا إلى استخدام البحر لإيصال منتجاتها إلى العراق عبر ميناء البصرة، وعليه نحن نتحدث عن خسارة كبيرة لتركيا، وأشكُّ في أن يتم تنفيذ قرار المقاطعة من جانب تركيا، أما إيران، فهي لم تعلن حتى الآن إغلاق المنافذ الحدودية مع إقليم كوردستان، خاصة وأن الجميع يعلم طبيعة العلاقات التاريخية بين إيران والاتحاد الوطني الكوردستاني، وعليه استبعد أن تلجأ تركيا وإيران إلى اتخاذ قرارات مقاطعة حقيقية، وفي النهاية ستكون هناك تسوية لهذا الموضوع، خاصة وأن أياً من الدولتين لا تستطيع الاستغناء عن تجاريتها مع إقليم كوردستان أو مع العراق في ظل حجم التبادل التجاري الكبير لهما مع العراق.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here