عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٢)

نـــــــــزار حيدر
لقد تحجَّج بعض الهاربين من تحمُّل المسؤوليَّة والَّذين خذلوا الحُسين السِّبط (ع) بالقولِ؛ أَنَّ السُّلطة سياسة فما بالنا نتدخَّل في السِّياسة؟! مالنا والدُّخول بين السَّلاطين؟!.
دعوا السِّياسةَ لأَهلِها ودعونا بحالِنا نعملُ ونأكلُ وننامُ! نروحُ في طريقِنا ونرجِعُ في طريقِنا ونسيرُ بجانبِ الحائِط مستورينَ مأمونينَ نحنُ وأُسرَنا وأَولادَنا!.
ومازال المتخاذلونَ يتذرَّعون بهذهِ الحِجَّة هرباً من المسؤوليَّة!.
١/ إِنَّ الحياةَ كلَّها سياسة! الاقتصادُ والتَّربيةُ والتَّعليمُ والعلاقات العامَّة والدَّوليَّة والصِّحَّة والزِّراعة والصِّناعة والتَّنمية والحقوق والواجبات والقضاء وكلَّ شيءٍ في هذهِ الحياة! فالسِّياسةُ هي التي تحدِّد وتنظِّم كلَّ ذلك! حتَّى لُقمة العَيش وغُرفة الماء سياسة! أَلم يُخاطب أَميرُ المؤمنينَ (ع) جيشهُ في [صفِّين] {رَوُّوا السُّيُوفَ مِنَ الدِّمَاءِ تَرْوَوْا مِنَ الماء}؟! ولذلك فانَّ مَن يهرب من السِّياسة يعني أَنَّهُ يهرب من كلِّ ذلك! فيسلِّم حياتهُ وكرامتهُ للآخَرين!.
ولذلك نلحَظ أَنَّ البُلدان التي تحكمها سياسة صالِحة [نسبيَّة طبعاً] يكونُ كلُّ شيءٍ فيها صالحاً، والعكس هو الصَّحيح فالبُلدان التي تحكمَها سياسة فاسِدة وفاشِلة فانَّ كلَّ شيءٍ فيها فاسدٌ وفاشلٌ!.
إِنَّ السِّياسة ونوعها في البلاد هي التي تحدِّد مسارات كلَّ شيءٍ آخر فيها! حتَّى قوانين السَّفر والهِجرة والتِّجارة والحدود تتَّبع السِّياسة! فما معنى [مالنا والدُّخول بين السَّلاطين]؟! أَلا يعني أَن لا نتدخَّل في كلِّ شيءٍ إِذا كانت السِّياسة هي التي ترسم كلَّ شيء؟!.
هل نسينا كيفَ أَنَّ نِظامَ الطَّاغية الذَّليل صدَّام حسين تدخَّل حتَّى في عناوين أَطاريح الدِّراسات الجامعيَّة العُليا؟! أَم نسينا كيف قادَ البِلاد إِلى حروبٍ عبثيَّةٍ تتبع الواحدة الأُخرى إِلى أَن إِنتهت آخرها بغزوِ الْعِراقِ وانتهاكِ سيادتهِ وحدودهِ وكلَّ ما فيهِ؟!.
٢/ إِنَّ الذين قالوا [مالَنا والدُّخول بَيْنَ السَّلاطين] والذين خذلوا الحُسين السِّبط (ع) دفعوا الثَّمن من دماءِ نحورهِم وشرفِ أَعراضهم وأَملاكهم رُبَّما قبل الآخرين! لأَنَّ السِّياسة عندما تقرِّر البطش لا تفرِّق بَيْنَ مَن واجهها بأَيِّ شَكلٍ من أَشكال المُواجهةِ وبينَ مَن تخاذلَ ولم يحرِّك ساكناً! فأَحسن لَكَ أَن تواجهَ السِّياسة الفاسِدة فتُصلح وتُصحِّح أَو تموتَ شهيداً! من أَن تموتَ في فراشِكَ مخذولاً ذليلاً خسِرتَ الدُّنيا والآخرة!.
سلوا مدينة رسول الله (ص) [المدينة المنوَّرة] مدينة الصَّحابة والمُهاجرين والأَنصار، مدينة الحافظين والقُرَّاء والمجاهدين! سلوهم عن الثَّمن الذي دفعوهُ في [واقعةِ الحرَّة] على الرَّغمِ من أَنَّهم لزموا بيوتهُم ولم يواجِهوا الطَّاغية الطَّليق إِبن الطَّليق يزيد؟!.
سلوا الْعِراقَ عن الثَّمن الذي دفعهُ المتخاذِلونَ الذين لم يُواجهوا الطَّاغوت! والذين سايروهُ وربَّما ساعدوهُ ليبطِشَ بالذين تصدَّوا له! بذريعةِ مدارتهِ لابعادِ شرِّهِ عنهُم؟!.
ولذلك وردَ في الأَثر أَنَّ الله تعالى أَوحى إِلى نبيٍّ من أَنبيائهِ، {أَنِّي مُهلكٌ من قومِكَ (١٠٠) أَلف! (٦٠) أَلفاً من الأَخيار و(٤٠) أَلفاً من الأَشرار!} وعندما سأَلَ النَّبيُّ ربَّهُ {فما بالُ الأَخيارِ تُهلكهُم؟!} قَالَ ربُّ العزَّة [لأَنَّهم سكتوا عن ظُلمِ الأَشرارِ]! وإِلى هذا المعنى تُشيرُ الآيةِ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}!.
لقد أَوجب الله الاصلاح ودفع الظُّلم عن المستضعَفين بقولهِ تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا} فلا معنى للقولِ [ما لنا والدُّخول بَيْنَ السَّلاطين] لأَنَّ أَوَّلَ الاصلاحِ والتَّغيير والمواجهة تَكُونُ عادةً مع الحاكِم الظَّالم والسِّياسي الفاسد والسُّلطة التي تقهر الشَّعب! وهذا ما فعلهُ الحُسين السِّبط (ع) في نهوضهِ وقيامهِ ضدَّ الأَمويِّين، فانَّ أَوَّل شيءٍ فعلهُ (ع) لتحقيقِ شعارهِ {وإِنَّما خرجتُ لطلبِ الاصلاحِ في أُمَّةٍ جَدِّي} هوَ أَنَّهُ رفضَ بيعة الطَّاغية يزيد ليؤَسِّس لمفهوم أَنَّ التَّدخُّل في السِّياسة هي أَولى خطوات المُواجهةِ الحقيقيَّة للاصلاحِ والأَمرِ بالمعروفِ والنَّي عَنِ المُنكرِ! فالسُّلطة الفاسِدة هي أَخطر مُنكر وأَنَّ المُصلح الحقيقي يبدأ بها فلا يتحاشاها ويبدأ بغيرِها فيضحك على ذقنهِ!.
١ تشرين الاوّل ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here