شيعة العراق وحكمهم إلى أين؟

ياسر سمير اللامي
منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، لم يحظى شيعة العراق بأخذ دورهم في المشاركة في إدارة الدولة، وبسط نفوذهم داخل مؤسساتها، وهم يمثلون الاغلبية داخل النسيج المجتمعي العراقي.
وذلك الأمر يرجع إلى سببين هما، الخمول السياسي والاجندة الدولية التي يقودها المستعمر البريطاني لمواقف الأغلبية بمرجعيتها وعشائرها ضد الإحتلال في ثورة العشرين .
ولكن ذلك التردد، قد بدء بالازاحة ولو بشكل تدريجي، وبدءت ملامح الطموح السياسي الشيعي تبرز بشكل جلي في منتصف سبعينات القرن المنصرم، متمثلا بالمقاومة والمعارضة لنظام البعث الذي بقى جاثما على الصدور لقرابة 35 عام، وكثر السجال حول النظرية السياسية الشيعية في ذلك الوقت، ولعل من رواد تلك النظرية السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد باقر الحكيم رضوان الله تعالى عليهم.
وبعد التغيير الذي حدث بعد سقوط النظام الصدامي، وتصدي الشيعة لإدارة الحكم بالمشاركة مع ممثلي أطياف المجتمع العراقي الآخرين، أبرزهم السنة والكرد والمسيح، إلا أن هذة الفترة قد تخللتها العديد من المعوقات والصعوبات والمشاكل المتفاقمة مابين الشركاء في إدارة الحكم، ولكون الشيعة هم من يمثلون الأغلبية ولحرصهم على عدم تغييب الآخرين وتهميشهم، فقد بسطوا اليد للجميع وتنازلوا عن بعض حقوقهم في سبيل جمع كافة الشركاء تحت سقف وطن واحد وهدف واحد، ومن ثم تطمينهم وإعطائهم إمتيازات قد تكون في بعض الأوقات اكثر مما يستحقون، وكل ذلك يهدف إلى إبعاد شبح التقسيم الذي يطوف على سماء العراق منذ قرابة 14سنة ماضية.
ونتيجة لازدياد الطموح لدى الشركاء والسعي لكسب المزيد من الامتيازات في الحكومة المركزية ، إلا إن الشريك الأكبر يعد أكبر المتضررين من تلك المعادلة، كونه يمنح الحقوق دون أن يأخذ شيء في المقابل، فالشريك الأكبر حرص طيلة الفترة السابقة على منح الكثير من الحقوق التي تفوق الاستحقاقات الإنتخابية للشركاء، وكل ذلك بهدف حفظ الواقع السياسي العراقي، والسير بالعملية السياسية الفتية إلى مراحل متقدمة، وتطمين الشركاء بأننا سائرين نحو حكومات ديمقراطية تؤمن بالآخر، وليس حكومات ديكتاتورية تتخذ موقفا ممن يخالفها الرأي أوقد يكون الإختلاف معها مذهبيا أو دينيا، وفي قبال ذلك الحرص العالي للشريك الأكبر غير أن مطالب الشركاء قد وصلت إلى حد لايطاق ولايحتمل، وبالتالي يصبح لزاما على قادة الشيعة حفظ شعبهم وارضهم والدفاع عنه وجلب الحقوق التي استأثر بها البعض. ولعل من أهم الاهتزازات التي حدثت موخرا هو الإستفتاء الكردي الغير دستوري، والذي سوف يرسم خارطة جديدة لعراق جديد ومختلف عن عراق 2003، وبعيدا عن التجاذبات والتصريحات الإعلامية ينبغي على قادة الشيعة، إتخاذ كافة الإجراءات التي من شانها حماية مصلحة العراق وشعبه، والالتفات إلى الشركاء الآخرين في الوطن وأبرزهم السنة، والدخول في مفاوضات معمقة مع كل الشركاء، وتكوين رؤية جديدة لعراق خالي من الكرد، والنظر في دستور البلاد وتعديله وفق الرؤية الجديدة للحكم في العراق هذا من جانب،
ومن جانب آخر مطالبة من تمرد بكافة الحقوق التي سلبها واستولى عليها طيلة الفترة الماضية.
ولكن المطالبة تكون بالسبل القانونية السلمية، بعيدا عن زوبعة الإعلام والتصريحات النارية ودق طبول الحرب والانتقام، فالسياسة الهادئة والتي تحقق نتائج إيجابية خيرا من سياسة متشنجة لاتسمن ولاتغني من جوع ولا تجلب إلا الشر والنار.
والأمر أعلاه سيناريو متوقع نطمح أن يعمل الجميع على تحقيقه، ولكن السيناريو الآخر الذي يحمل بطياته رياح سوداء هو تقسيم العراق، وهذا الاحتمال يتحقق إذا ما نقلت العدوى لأبناء السنة في المناطق الغربية، أو قد تكون المطالبة بالإقليم شعبيا في المناطق الجنوبية، والحال هكذا ينذر بحرب أهلية ناتجة عن التنازع على الموارد والحدود وغيرها.
وإن الذهاب إلى هكذا سيناريو يعني بأن العراق أصبح ماض يذكر فقط في كتب التاريخ، وللوقاية من هذا السيناريو الرهيب، حدا بنا الجلوس على طاولة حوار تجمع كل من يؤمن بعراق موحد، ونضع النقاط على الحروف، ونتوقف عند المشتركات، ونحلحل الاختلافات، لكي نتمكن من النهوض بالوطن من جديد، ولكن ذلك لايجري ولايتم على أساس التنازل عن الحقوق التي أقرتها الأنظمة الديمقراطية للأغلبية في البلدان لصالح من هم شركاء، بل توزع الحقوق وفق حق كل منهم واستحقاقه الإنتخابي، ونسبة تمثيله الشعبي.
وأعتقد أن الأخذ بمشورة المرجعية العليا في مواجهة أي من السيناريوهات أعلاه اذا ما تحققت أحدهما، سوف يسير بنا إلى جادة الصواب ونستطيع بالتالي أن نحفظ الوطن بتلك الكلمات النورانية التي تطلقها المرجعية العليا، التي لا هدف لها غير حفظ العراق ومقدساته.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here