في مسألة تجديد الخطاب الديني ..!

بقلم : شاكر فريد حسن

تتصاعد في الآونة الأخيرة الاصوات الداعية الى تجديد الخطاب الديني ، من قبل النخب الفكرية والثقافية والسياسية ، بغية محاصرة الارهاب والتطرف الديني بتكذيب أدبياته وتعرية اضاليله وافكاره البعيدة عن روح الدين الاسلامي ومبادئه وقيمه السمحة ، واعادة فتح باب الاجتهاد الذي اغلق واقفل وأدى بالتالي الى ضمور العقل الاسلامي .

وتأتي هذه الدعوات على ضوء ما يمر به عالمنا العربي الاسلامي من اعمال عنف وارهاب ظلامي ، وانتشار موجات التطرف والكراهية والتكفير والفتن والصراعات الاقليمية تحت دعاوى ويافطات باطلة تتخذ من الاسلام غطاء ومرجعية لها ، وعلى ضوء النعرات الطائفية وبمحاذاتها صراع الاسلام السياسي مع الدولة المدنية الحديثة ، حيث زادت هذه الصراعات الى درجة تمزيق الدولة وتهديد السلم الاجتماعي الأهلي واضطهاد الأقليات بصورة غير مسبوقة ، وكذلك على ضوء حالة الاستهداف الواضح من قبل دول وجهات معادية ، وفي مقدمتها امريكا رأس الحية ، التي وضعت نصب أعينها تجزئة وتقسيم الوطن العربي ، واعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط الجديد ، والسيطرة على الثروات النفطية الخليجية .

ولا جدال ان ما سمي ب” ثورات الربيع العربي ” فشلت في ارساء صيغ وقواعد ديمقراطية متطورة تسهم في ترسيخ اسس دولة المواطنة ما يعود بالاساس الى دور الاسلام السياسي في تحويل مسارها .

هنالك الكثير من القضايا والمستجدات التي يواجهها العالم العربي الاسلامي تحتاج الى بلورة خطاب ديني جديد يعي مقتضياتها وانعكاساتها ودورها في الواقع الاسلامي ، تستدعي مراجعة عميقة شاملة لطرق واساليب تبليغ الرسالة ومبادىء الاسلام الوسطي واحكامه وتوجيهها ، ونشر رسالته السمحة التي تدعو الى الخير والمحبة والسلم والتسامح والعدل ، ومن اجل جلاء الحقائق ودحض الاباطيل التي تشوه روح واخلاق الاسلام والدين الاسلامي الحقيقي ، والسعي الى تجديد الخطاب الديني بشكل واع وعقلاني وصادق وواقعي ، كرد على الفكر الوهابي المتطرف والقضاء على ظاهرة التطرف والارهاب المنتشرة التي تمر بها مجتمعاتنا ، وتحرق الأخضر واليابس ، وتغتال الضوء والثقافة والحضارة والابداع والفكر المستنير .

المرحلة الحالكة العاصفة والمصيرية التي يمر بها العالم العربي الاسلامي ، تحتاج الى حركة تنويرية تجديدية ونهضوية علمية ومعرفية وثقافية تقوم على أساس العقل والعلم والمعرفة والاحساس بالمسؤولية والتقدير العميق لأمانة الفكر التنوري والثقافة الاصلاحية المستنيرة التي ارسى جذورها ابن رشد وابو العلاء المعري واكمل خيوطها النهضويين رفاعة الطهطاوي وجمال الدين الافغاني ومحمد عبده وقاسم امين وعبد الرحمن الكواكبي ومحمد رشيد رضا وسواهم ممن اشغلتهم أسئلة التحديث والتجديد ، وجعلت من مهامهم العمل على غرس ابر الوعي المعرفي في مواضع الألم الحضاري ، وسار في دروبهم التنويريين الجدد محمد عابد الجابري ومحمد اراكون ونصر حامد أبو زيد وغيرهم ، الذين وقفوا وتصدوا في خطابهم بكل شدة ليد الظلام التي اطبقت قبضتها الحديدية على عنق العالم العربي ، الى درجة حجب الرؤية شبه الكاملة ، وايضاً تقديراً لرسالة الاصلاح الكامنة في الدين في حياة الناس والأمة ، فالدين في حقيقته هو دين المحبة والعدل والتسامح والحياة والانفتاح والشورى ، وكل ذلك يتطلب ضرورة تجديد الخطاب الديني ، ليس خطباً ومواعظ ودروس دينية واحاديث ذكر من قبل شيوخ وائمة الأمة ووعاظ السلاطين والحكام ، وانما النهوض بهذا الخطاب في عمقه ليواكب كل ما يخدم ديننا الاسلامي الحنيف القويم ، وكرسالة تنويرية عقلانية تهدف الى بناء الانسان ورفده واثرائه بالمبادىء والقيم الدينية والانسانية ، واغناء العقول وتفتيحها ، وترشيد السلوك العام ، وتأصيل مبادىء الاسلام السمحة ، واكتساب المعرفة الحقيقية الصحيحة عن كل ما يتعلق بالاسلام الوسطي المعتدل ، فالسلم والوسطية وبناء الانسان هي من غايات وأهداف الفكر الاسلامي والشريعة الاسلامية الحقة .

هذا بالاضافة الى اهمية الارتقاء بالخطاب الديني واكسابه مقومات التعاطي مع التقدم والحضارة والحداثة والتكيف مع التطور قضايا العصر ، ليشكل أداة لتبليغ وبث الرسالة الحقيقية للاسلام ، ووسيلة لبناء وخلق انسان جديد مبدع منفتح على عصره وزمانه ، ومندمج مع محيطه ، ويحترم حرية الاختلاف والرأي الآخر .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here