وجهة نظر : عن تمثال الكاتب غائب طعمه فرمان في موسكو

يوسف أبو الفوز

نقلت الاخبار من العاصمة الروسية، موسكو، خبر ازاحة الستار عن تمثال نصفي من البرونز للأديب الروائي الرائد غائب طعمة فرمان (1927 ـ 1990) ، في مكتبة اللغات الاجنبية في موسكو، وهي من المكتبات المهمة، وتعد قبلة لطلبة الدراسات العليا، لوفرة وتنوع الكتب فيها. ويأتي تدشين التمثال أعترافا بأنجازات فرمان الادبية كمؤلف ومترجم عن اللغة الروسية الى اللغة العربية ، وحيث يعد بشهادة معاصريه، واحدا من أبرز مترجمي “مدرسة موسكو” للترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية .

رعا المشروع، وبلمسة وفاء للصداقة والاعتزاز بأنجازات فرمان ، صديقا الاديب الراحل، المترجمان عبدالله حبه وخيري الضامن، حيث دفعا من جيبهما الخاص تكاليف انجاز المشروع بالبرونز، بعد ان قام النحات المصري اسامة السروي بانجاز النسخة بالجبس ودون مقابل. وبين السيد عبدالله حبه في لقاء مباشر بالفيديو أجراه الصحفي سلام مسافر، ونشر على الموقع الاليكتروني لتلفزيون “روسيا اليوم “، ان الكثير من الجهات وعدت بالمساهمة المالية لانجاز المشروع ولكن للاسف لم يلتزم احد بوعده، وجاء في حديثه على ذكر اسماء وزارة الثقافة العراقية، الاتحاد العام للكتاب والادباء في العراق وجمعية المقيمين العراقيين في روسيا وايضا بعض الافراد.

الملفت للانتباه ، وكما بينت الصور المنشورة، ان النحات المصري لم يوفق في خلق أي شبه مع الروائي غائب طعمه فرمان (ربما ما عدا نظارته الطبية !) ، ورغم ان القائمين على المشروع افادوا بأن المهم في المشروع هو أنه رمز من خلاله يمكن الاشارة الى اسم فرمان ودوره الريادي في الرواية العراقية، الا ان الامر يثير العديد من الاسئلة منها : الم يكن بالامكان ان يبادر فنان عراقي لعمل التمثال؟ وهل يا ترى تم الاتصال بفنانين عراقيين نحاتين معروفين لهذا الغرض، وفي البال عدة اسماء من محبي فرمان وكتاباته، وتم طرح الفكرة عليهم لاجل انجاز عمل فني يحمل شيئا من روح وملامح الاديب الراحل ؟

واذا سلمنا بمحدودية الامكانيات المالية للاتحاد العام للكتاب والادباء في العراق، فيا ترى الم يكن بامكان الاتحاد العام تبني الدعوة للمشروع والبحث عن داعمين ومانحين؟ وأيضا اليس من المؤلم ان المؤسسات الرسمية العراقية المعنية، سواء وزارة الثقافة، أو السفارة العراقية في موسكو، لا تقوم باي مبادرة مالية للمساهمة ولو رمزية، والاخبار والمعلومات تشير دائما الى حجم الصرفيات على الولائم والدعوات العامة، ويبين لنا ذلك انه بالامكان انجاز تمثال كامل وليس نصفي فقط ان توفرت القناعة والارادة؟

ايضا، والمهم هنا، اود ان أثبت وللتأريخ، بأن الفنان الموصلي الراحل الدكتور احمد النعمان، الذي رحل عنا عام 2012، في لندن ، اخبرني شخصيا، وفي احدى احاديثنا الهاتفية، انه قام بنفسه بعد وفاة الاديب فرمان بإنجاز قناع جبسي لوجهه. مما يعني انه يحمل ويحفط ادق ملامحه، فيا ترى الا يستحق انجاز تمثال مُقنع ومقبول، الاتصال بعائلة الفنان الراحل النعمان والاستفسار منهم عن القناع ومحاولة استعارته او اقتنائه بشكل ما والاستفادة منه فنيا، خصوصا وان القائمين على المشروع وبحكم قربهم من الراحلين، الاديب فرمان والفنان نعمان، أكيد لهم علم ما بموضوع القناع ؟ وما هو يا ترى مصير هذا القناع الان ؟ الا يمكن الان لفنانين عراقيين اخذ زمام المبادرة والاستفادة من ذلك ؟

بأعتقادي أن الاشكالية التي ترافق هذا الحدث، واحوال الدولة العراقية، ومؤسسات الثقافةعموما، لا تقف عند وجود تمثال لا يشبه الاديب الراحل غائب طعمة فرمان، وانما ان ما يجري كله لا يشبه المطلوب حضاريا في تقدير وتقييم الثقافة والمثقفين .

* المدى البغدادية العدد رقم (4031) بتاريخ 2017/10/03

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here