من يشكل خطرا على المنطقة؟

بقلم: ناظم امين
منذ الاعلان عن موعد الاستفتاء في اقليم كوردستان ومن ثم اجراؤه في الخامس والعشرين من شهر ايلول الماضي، لم تتوقف تهديدات الحكومة العراقية والكثير من السياسيين العراقيين، بل والدول المجاورة وعلى رأسها ايران وتركيا بالتدخل العسكري في الاقليم.
حكومة بغداد تتحدث عن ضرورة وحدة العراق أرضا وشعبا وعدم السماح بتجزئة العراق. الكورد أكدوا مرارا انهم يعملون من أجل الاستقلال عن العراق وليس لديهم أي نية لتجزئة العراق أو تقسيمه. أما البعض من السياسيين العراقيين فقد حذروا من ” اسرائيل ثانية” في المنطقة. هذا الموقف صدر في الوهلة الاولى من ايران، وسرعان ما أعلن رئيس دولة القانون نوري المالكي نفس الموقف تجاوبا مع الموقف الايراني.
فاذا كانت الحكومة العراقية تؤمن حقا بوحدة العراق وسيادته كما تدعي، فكيف لها أن تلتزم الصمت حيال التهديدات الايرانية والتركية باقتحام اقليم كوردستان؟ ولماذا لاتقول لهاتين الدولتين أن لاتتدخلا في الشؤون الداخلية للعراق؟ على العكس، فقد بدأت الحكومة العراقية بالاستقواء بالدول المجاورة ضد الشعب الكوردي الذي راحت تتباكى عليه في الاعلام وتؤكد حرصها عليه من أي سوء يصيبه.
رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قام ويقوم بخطوات مجحفة بحق اقليم كوردستان وذلك بضغط من ايران ومن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي يريد دفعه الى الحرب مع الاقليم وبالتالي اشغاله واضعافه ومن ثم تهيئة الاجواء لنفسه للسيطرة على زمام الامور في العراق بمساعدة مليشياته المسلحة ومن ثم تصفية حساباته مع الاكراد والعرب السنة وتوسيع دائرة نفوذ ايران في العراق.
ايران وتركيا تقولان ان الدولة الكوردية ستكون مصدر اضطرابات في المنطقة وتهدد أمنهما القومي. لنبدأ من تركيا أولا. قواتها دخلت بعشيقة ، فاكتفت الحكومة العراقية باستنكار فعلتها. أما طائراتها العسكرية فتخترق الأجواء العراقية بين فترة وأخرى بحجة ضرب قواعد حزب العمال الكوردستاني. فتركيا لاتحترم سيادة العراق ولا تعير أي اهتمام لصراخ الساسة العراقيين.
اردوغان أهان العبادي مرات عديدة بسبب حديث الاخير عن وجوب انسحاب تركيا من بعشيقة. استهزأ به في مناسبات مختلفة، وقد قال عنه في أحد المرات” أنت لست ندي ولست بمستواي وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الاطلاق. فنحن سنفعل مانشاء وعليك ان تعلم ذلك وعليك أن تلتزم حدك أولا”. وها هو العبادي يستنجد به اليوم لمحاربة الشعب الكوردي.
تركيا تدخلت في الشأن السوري، كما وقدمت السلاح والمال للتنظيمات المتطرفة التي تقاتل النظام السوري، وقدمت تسهيلات ومساعدات لما يسمى بتنظيم الدولة الاسلامية على مرآى ومسمع من العالم وبتأكيدات من أميركا والدول الغربية وحتى من العراق وايران والنظام السوري نفسه. من هذه النماذج التي ذكرناه، نستنتج ان تركيا هي احدى مصادر الاضطرابات في المنطقة.
أما حديث اردوغان عن ما أسماه تعاون اسرائيل واقليم كوردستان، فيثير السخرية، لانه كما هو معرف، كان حليفا لاسرائيل وتعاون معها على مختلف الاصعدة ، بالظبط كما كانت الحكومات التركية تفعل قبل مجيئه هو الى السلطة.
يتحدث بنفاق عن حقوق التركمان في العراق في وقت يعادي فيه الشعب الكوردي في تركيا. على سبيل المثال لا الحصر، دمر أكثر من مدينة كوردية في السنتين الاخيرتين وزج العديد من البرلمانيين الاكراد في السجون بتهم باطلة. أما الانقلاب الذي شهدته تركيا لم يكن في الواقع غير مسرحية للتخلص من معارضيه ليكون الحاكم الأوحد في البلاد. إذن لايمكن لشخص مثله أن يتحدث عن حرصه على وحدة الشعب العراقي وهو يعادي أكثر من نصف شعبه من مختلف الفئات.
لقد أستغل أردوغان مسالة الاستفتاء في اقليم كوردستان للتقرب مرة أخرى من الحكومة العراقية بعدما اتهمته في أكثر من مناسبة بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق. وبدأ في نفس الوقت بالتقرب من ايران والتعاون معها لتضييق الخناق على حزب العمال الكوردستاني. خلافات ايران والعراق وتركيا ليست حديثة العهد وانما تمتد لسنين طويلة، لكن هذه الدول ترمي خلافاتها جانبا وتتعاون معا فيما لو تطلبت الامور ايذاء الشعب الكوردي.
أما ايران فحدث ولاحرج. فهي المصدر الرئيسي للاضطرابات في المنطقة. تتآمر على السعودية والبحرين. تتدخل في اليمن وتسببت في مصرع الآلاف من أبناء هذا البلد. تعمل على تقوية حزب الله اللبناني بغية اضعاف الحكومة اللبنانية. أما مليشياتها في العراق فتتحكم بالكثير من مفاصل الدولة العراقية. هذه السياسات هي التي تثير الاضطرابات في المنطقة وليس مطالبة الشعب الكوردي باستقلاله. فالشعب الكوردي يمد يد الصداقة للجميع ولايتدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الاخرى ولعب دورا كبيرا في القضاء على داعش في أكثر من مدينة ومنطقة داخل العراق. ان معاداة تركيا وايران لاستقلال كوردستان العراق لايأتي حرصا منهما على وحدة التراب العراقي، وانما خوفا من امتداد حمى الاستقلال الى الشعبين الكورديين على ترابهما.
أما الدول العربية والاسلامية، فعليها أن تتفهم رغبة الشعب الكوردي في الاستقلال، لا أن تعاديه بغير وجه حق وبتبريرات لا أساس لها من الصحة. فلا الاسلام يتنكر لحقوق الشعوب ولا الأعراف الدولية تقف بالضد منها.
الامين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله الذي أسس دولة عسكرية داخل الدولة اللبنانية بقوة السلاح وبدعم من ايران، فقال في كلمة ألقاها بمناسبة ذكرى عاشوراء، ان ما يجري في كوردستان العراق يهدد المنطقة. هذا الكلام يأتي في وقت يوجه نصر الله بنادقه نحو صدور أبناء الشعب السوري دعما لنظام ظالم قتل الآلاف من أبناء هذا الشعب وشرد الملايين منهم. هذا التطاول على الشعب الكوردي لم يأت من باب الصدفة، وانما بأوامر من طهران.
أما موقف الأزهر من قضية استفتاء اقليم كوردستان فكان مجحفا ومخجلا وسياسيا منحازا بامتياز. هذا الموقف لايتماشى مع تعاليم الاسلام مطلقا ولايمكن تبريره، لانه لايستند الى أي حقائق، بل جاء لارضاء من يعادي حقوق الشعب الكوردي وهو نابع من عقلية شوفينية.
الكثير من الساسة العراقيين وجدوها فرصة للمزايدة بوطنيتهم وحرصهم المزيف على بلدهم الذي دمروه ونهبوا خيراته وأرجعوه الى الوراء عشرات السنين. فبدلا من توفير الماء والكهرباء والخدمات البسيطة الاخرى لابناء شعبهم ، نراهم يدقون طبول الحرب ويقومون بزرع الكراهية ضد الاكراد. ولكن اذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر، كما قال أبو القاسم الشابي0
باعتقادي من أراد أن يجرب حظه في محاربة الشعب الكوردي، عليه أن يتعلم من دروس التاريخ، والا سيواجه الفشل الذريع، والتاريخ لايرحم.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here