الاقتصاد التونسي مرهَق والقروض تُهدر في غير مكانها

بعد مضي نحو ست سنوات على الثورة التي أطاحت الرئيس السابق زين العابدين بن علي، تمكنت تونس من استكمال مراحل الانتقال السياسي، وقطعت شوطاً كبيراً في مسيرة تحقيق الديموقراطية. ولكنها لا تزال تحتاج إلى الكثير لتمكين الاقتصاد التونسي من استرجاع عافيته وتحقيق معدلات نمو مقبولة في ظل استمرار التهديدات الإرهابية وتفاقم العجز في مالية الدولة، وارتفاع إنفاق القطاع العام على الوظائف الحكومية، وانخفاض الإنفاق الاستثماري على تمويل المشاريع التنموية، وإغراق البلاد في الديون وأعبائها، والتي أصبحت تهدد بتدهور سعر صرف الدينار، فضلاً عن استمرار حالة عدم استقرار الوضع الاجتماعي، وارتفاع نسبة البطالة مع تراجع فرص العمل.

ولأن مواجهة كل هذه التطورات السلبية غير ممكنة إلا بجذب الاستثمارات الأجنبية وتفعيل الاستثمارات المحلية مع زيادة إنفاق الدولة على تمويل المشاريع الاستثمارية، تتطلع تونس من خلال تحسين مناخ الاستثمار، إلى زيادة حجم الاستثمارات الأجنبية بنسبة 80 في المئة، في إطار مخطط التنمية للسنوات الخمس 2016- 2020، مقارنة بالمخطط السابق 2011- 2015، والذي فشل في تحقيق أهدافه التنموية، على رغم انعقاد سلسلة مؤتمرات استثمارية عربية وإقليمية ودولية لدعم الاقتصاد التونسي، انطلاقاً من أن نجاح البناء الديموقراطي في تونس يخدم مصالح المنطقة، ويساهم في تعزيز استتباب الأمن والاستقرار على المستويين الإقليمي والدولي.

في عام 2010، قبل الانتفاضة والتغيير السياسي، سجل الاقتصاد التونسي نمواً بلغ 3.5 في المئة. وبسبب عمق الأزمة الاقتصادية، وفشل الحكومات المتعاقبة في إيجاد منوال تنموي عادل يحقق استقرار المؤشرات الاقتصادية ويساهم في تكريس السلم الاجتماعي، سجل النمو تباطؤاً حتى وصل إلى 1.2 في المئة في العام الماضي، وهو نمو ضعيف جداً، أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة واختلال التوازنات المالية الكبرى، وبالتالي إلى صعوبات في تمويل الاقتصاد. وقد أوضح البنك الدولي في تقرير أصدره أن الأداء الاقتصادي لتونس لا يزال ضعيفاً، والنمو متدنياً، في شكل لا يساعد في تحقيق تحسينات جوهرية على البطالة والفقر، والخلل الكبير في توزيع الدخل وسط اتساع العجز المالي وعجز الحساب الجاري.

وباعتماد تونس على الاقتراض لحل مشاكلها الاقتصادية، أصبحت من البلدان الأكثر اقتراضاً، وتضاعف حجم ديونها من 13.7 بليون دولار عام 2010، إلى نحو 30 بليوناً العام الماضي، وارتفعت نسبته إلى الناتج المحلي من 37 في المئة إلى نحو 60 في المئة، مع العلم أن الدَين الخارجي نشأ في تونس بعد الاستقلال، وكان يفترض به أن يكون أداة أساسية نحو تحقيق «التنمية الاقتصادية والاجتماعية» المنشودة، لكنه استمر كأداة لتمويل العجز المالي المتراكم في الموازنات للسنوات المتتالية، وأعباء خدمة هذا الدَين المتزايدة، حتى أن صندوق النقد الدولي، وهو المقرض الأكبر لتونس، وجه انتقادات لحكومتها بواسطة بعثاته التي زارتها أخيراً، على خلفية توجيه القروض التي حصلت عليها نحو توفير أجور جحافل من الموظفين المعتمدين في القطاع العام، وعدم توظيفها في مشاريع التنمية القادرة على إنتاج فرص عمل لأكثر من 630 ألف شخص يحتاجونها.

وسبق للمديرة العامة للصندوق كريستين لاغارد أن أشارت إلى أن «فاتورة الأجور المتنامية في المؤسسات الحكومية تعادل 13 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلد، وهي من أكبر فواتير الأجور في العالم.

ونظراً إلى مستوى الدَين الخارجي المرتفع وتفاقمه، وتعدد انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية، أصبح من أخطر معضلات الواقع التونسي، ولوحظ أن ما سددته تونس من اقتراض خارجي هو أكثر مما تلقته من قروض. وهكذا أصبحت مصدرة لرؤوس أموال الاقتراض، إذ تساهم في تمويل المؤسسات والأسواق المالية الدولية، لا العكس. وهي تواجه حالياً صعوبات في تسديد مبلغ 6 بلايين دينار (2.85 بليون دولار) من الديون الخارجية المستحقة خلال عام 2016، يضاف إليها مبلغ 8 بلايين دينار ملزمة بدفعها قبل نهاية العام الحالي.

تبرز أهمية هذه الصعوبات في تسديد الديون الخارجية، في ظل مؤشرات مالية واقتصادية سلبية تمر بها تونس، إذ إن المدخرات الصافية من العملة الصعبة تراجعت بنحو 42 مليون دينار حتى نهاية أيار (مايو) الماضي، إضافة إلى العجز المستمر في الميزان التجاري والذي بلغ خلال خمسة أشهر من العام الحالي نحو 3.23 بليون دولار، نتيجة ارتفاع كلفة الواردات التي نمت بنسبة 17.8 في المئة، في حين لم تتجاوز نسبة ارتفاع عائدات الصادرات 14 في المئة، وفقاً لإحصاءات المعهد الوطني التونسي.

وعلى رغم كل هذه الصعوبات، تأمل تونس في الوفاء بعدة هياكل تمويل دولية عبر تعهدات قطعتها على نفسها خلال المؤتمر الدولي للاستثمار «تونس 2020» في أواخر العام الماضي والبالغ مجموعها نحو 14 بليون دولار، وذلك بعدما هيأت الأرضية القانونية لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، من خلال إصدار قانون جديد للاستثمار والسعي لتنشيط الاستثمار المحلي ودفع النمو.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here