ماذا ستفعلون بأدباء صدام حسين ؟ .. سامي مهدي و حميد سعيد مثلا ؟

بقلم : فاطمة المحسن

سابدا بمقولة لسيد التسامح المعاصر مانديلا : ينبغي ان نتسامح ولكن لا للنسيان.
عشية سقوط صدام حسين سألني الشاعر عبده وازن محرر الصفحة الثقافية في جريدة الحياة : ماذا ستفعلون بأدباء صدام حسين وكنت قد كتبت الكثير عن ثقافة البعث الصدامي في الحياة، أجبته باندهاش ؛ ومن قال اننا سنكون في السلطة، ثم لو قيض لنا هذا فلا أظن اننا نفعل شيئا . اغلقت الهاتف وثار عندي سؤال حارق :.هل يظن هذا الرجل بأننا قتلة؟ لا اعرف لماذا فسرت سؤاله وقتها بنوايا سيئة رغم كونه شخصية ودودة . تعكر مزاجي وشتمت ثقافة العنف التي ارتبط اسمها بالعراق، وكأن العرب يمحون بتوصيفها تواريخهم العنفية.
وها نحن نعود الى السؤال الحارق كيف لنا ان نرى الى ثقافة البعث الصدامي ؟ وهل بمقدور اَي متابع ان يصف التاريخ الثقافي العراقي الحديث ويحذف هذه المرحلة؟ لو فعلنا هذا سنكون كمن يتغابى عن حقيقية بسيطة وهي ان ثقافة العراق الجديد هي نتاج تلك المرحلة الحاسمة في عمر هذا البلد لا بمقولاتها ولا بتركيبتها البنيوية ، بل بحضور واستمرار الوجود الواضح لمثقفي البعث في المفاصل الاساسية للحياة الثقافية العراقية . كتاب ، شعراء صحافيون، إعلاميون. اما الجيل الجديد من المثقفين فقد توارت بلا شك ملامحها من ذاكرته، و من كان في الخارج أو من الذين عانوا من السياسية الثقافية البعثية بالإبعاد والنفي والقتل ومحو تاريخ وجوده من الذاكرة الثقافية فقد طواهم النسيان أو اصبح وجودهم هامشيا.
تلك الحقائق الناصعة لا تجعلنا الْيَوْمَ وبعد كل هذا الوقت ان ننسى، رغم ان العراقي نساء بطبعه وهو يصفي حساباته مع كل مرحلة فوريا وبمنتهى الاستعجال وبعنف وانتقام ينتهي فيه من ضحية الى جلاد. بعد وفاة عبد الرزاق عبد الواحد الذي نشر ثقافة القصيدة العمودية الرخيصة في تملقها وركاكتها، وجدنا من يقف مع السلطة الجديدة بقضها وقضيتها الطائفي، يصفه بما يناسب المتنبي والمعري وبشار وسواهم لا لانعدام الذائقة لديه بل لانه تربى في احضان ثقافة صدام التي عاشت على طبول الأناشيد والمدائح . ولكن الاخطر من هذا ان عبد الرزاق عبد الواحد ترك جيلا من المداحين الذين استبدلوا اسم القائد الضرورة باسماء الأئمة الشيعة وتصفيط الكلام الرخيص في كل المنابر العابرة للحدود الجغرافية للقرية العراقية ومضاربها العشائرية . اما الشعراء الشعبيون فقد كان عليهم ان يورثوا الرثاثة العراقية بعض الجرأة على حرق المراحل في الإسفاف . ولن نتحدث عن الاعلامين الذين يملكون ناصية القنوات العراقية للأحزاب الاسلامية وحكومات الطوائف وملوينيرية الحقب الرديئة . كيف لنا في هذه الحالة ان نجد الفرصة كي نقول ببساطة وبصوت خفيض : هل بمقدورنا ان نكون عادلين في كتابة تاريخ الثقافة البعثية؟
الحق اننا سنضع العربة امام الحصان عندما نقول ان تلك الثقافة انتهت أو امحت أو ضاق هامشها ، فكل كبار البعثيين الذين رقصوا في عرس صدام الدموي هم موضع تبجيل من قبل خلفائهم في المنابر الرسمية وسواها، فلا يلفظ اسم عبد الرزاق عبد الواحد دون ان تصطحبه كلمة الشاعر الكبير ولا يلفظ اسم سامي مهدي صاحب أشهر قصيدة حربية ” الصعود الى سيحان ” الا ووضع قبله الشاعر النحرير والاديب الخطير الذي صان أعراض الماجدات من اغتصاب الفرس المجوس، وبما ان الفرس المجوس الْيَوْمَ لهم وكلاء في الدوائر الإعلامية الرسمية ، فستكون المفارقة في غاية الأهمية، مفارقة القهقهات التي ترن برأس هذا البلد المسكين .
لسنا يا سادتي من دعاة تصفية الحسابات بالعنف والقسوة ، وعلينا ان نتذكر ان الكثير من المثقفين انخرطوا في سياسية البعث خوفا وضعفا او حاجة ماسة أو لأسباب لا نستطيع الْيَوْمَ التخمين بها لأن من احتل المناصب الان واستمر كمثقف معارض لتلك السياسية حذف تلك المرحلة من تاريخه واحرقها من سجلاته. وكم من البعثيين من عاش الرعب ذاته التي عاشته المعارضة، لنتذكر ايّام شفيق الكمالي الأخيرة وما كتبه علي الحلي من تقييم لهذه المرحلة السوداء وكتاب هاني الفكيكي الهارب من جحيم صدام او من والذين ماتوا رعبا على سواتر الجبهات بعد ان اقتادوهم الى الحرب كي يكتبوا عنها.
التسامح يا سادتي المعتدلين لا يأتي دون ثقافة الاعتراف والاعتذار وهي مع الأسف لا توجد في العراق. ولن يكون مقابلها سوى القدرة على مسح التواريخ وتزويرها كما يجري الان . فلم يكن علينا المطالبة بتصفية سامي مهدي وحميد سعيد وسواهما من البعثيين الذين تمتعوا بمباهج السلطة الثقافية سواء مكثوا في العراق أو مارسوا مناصبهم في السفارات ونشروا مدونات الكراهية والاحقاد ثمنا لهذا النعيم ، لم يكن علينا وعلى سوانا الذين عانوا من الإبعاد القسري والظلم سوى مطلب صغير كي يستوي لنا الامر هو ان يخط هؤلاء كلمات اعتذار قليلة من أبناء المثقفين والصحافيين والكتاب والنَّاس البسطاء الذين ضاعوا في زحام الزنزانات وفِي مطحنة الحروب العبثية التي أشعلتها اشعارهم ومدوناتهم عن الأعداء الذين يستحقون السحق ،وتركت مخلفاتهم الثقافية رمادا على وجه العراق الْيَوْمَ ولأجيال قادمة

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here