يوسف أبو الفوز
أثارَ إجراء إقليم كُردستان الإستفتاء من جانبٍ واحد، أزمة لم تهدأ بعد، وغطى دخانها وغبارها على كل شيء، فنسينا حيتانَ الفسادِ، شمالاً وجنوباً، ومَنْ سلّم المَوْصِل لعصاباتِ “داعش” الإجرامية، ومَنْ تواطأ لدخولِها، ومَنْ كانَ السبب في جريمةِ مَذبحة سبايكر، ونتائج لجان التحقيق التي أختلطت أسماؤها لكثرتها، ومَنْ هو الـ…، ولكن المفيد ـ ولرُبَّ ضارٍة نافعةـ إِنَّ هَٰذِهِ الأزمة كَشَفَت لَناـ عَزيزي القاريءـ وبِشَكْلٍ سافر عن طَّائِفيّة وشوفينّية وتعصّب البعض من المتسترين بقميص الوطنية والليبراليةـ وحتى المدّنيةـ ،وبينت ان ولاءهم الطَّائِفِيّ أعلى من صوتِ الْمُوَاطَنَة، الذي يدّعونه، فراحوا يكيلون، لكل صوتٍ ينادي بالحوارِ وعدم التفريط بالشراكةِ التأريخية، تهماً تلائم رغبات دعاة تصعيد الموقف ونشر خِطاب الكَرَاهِيَة. ومن الجانب الاخر، فأن أزمة الإستفتاء مَسحت الرِتوش عن الوجهِ المُعيب للمتعصبين القومّيين، الذين صاروا يهاجمون كل من يقول بأن صيغة الدولة الإتحادية لا تزال قادرة على تأمين الحلول المُرضية لجميع الأطراف، وعلى تَطمين حقوق ومصالح الشعب الكُردي والمكونات الإجتماعية الأخرى في كُردستان وعموم العراق، اذا ما توفرت الإرادة السياسية لدى جميع الأطراف. وتضافر الطرفان، ِبشَكْلٍ غريب وقبيح، ليمنحوا “الحَربجيّة” الفرصة ليعلوا صوتهم القبيح، وهم ينادون بفرض الحصار على شعب اقليم كردستان وتجويع الاطفال، وأخذ الشعب بجريرة سياسات قياداته، وينادون بتحريك القوات والدبابات لدك المدن الكردستانية معرضين الوطن لمخاطر في الصميم. ولم ينس الطرفان ـ الشوفيني الطائفي والمتعصب قوميا ـ ان يذرفا الدموع على مظلوميتهم الطائفية أو القومية، اما الوطن، والتأريخ والمستقبل والاجيال القادمة، واطماع الدول الاقليمية، فهذا ليس له من قيمة عندهم، بل نسوا كل ذلك والتفتوا مسعورين ينهشون في جسد المخلصين للوطن الحريصين على تبديد المخاطر الماثلة، ومكشرين عن أنيابهم ضد اي صوت ينادي بالركون للعقل والحوار والسلام.
قال الشيوعييون بصوت واضح حول الازمة: يعتبر الحزب الشيوعي الدولة الاتحادية (الفدرالية) هي الشكل الأنسب لتجسيد حق تقرير المصير، ولذلك لا يؤيد دعوات الانفصال، وفي الوقت نفسه يدرك أن بقاء العديد من القضايا المهمة عالقة بدون حل بين الإقليم والحكومة الاتحادية، من شأنه أن يخلق ارضية مؤاتية تغذي المطالبة بالانفصال.
وقال لي صديقي الصَدوق أَبُو سُكينْة: حكيت لي قبل أيام عن الضجةِ التي أثارها الاعلام في فنلندا أحتجاجا ضد سلوك لاعب بيسبول ضرب بطة صادف وجودها في المكان واعاقته عن اللعب فعالجها بالمضرب وكسرَ رقبتها. الحَربجيّة عندنا، في تحالفٍ غير مُعلن بين الطائفيين الشوفيين والمتعصبين قوميا، أزعجتهم كثيراً نداءات الحق والعقل والمطالبة بالحوار، فهم يريدون ان يكسروا أعناق الكل، لتسديد ضرباتهم، دون ان يعرفوا ان السحر ينقلب دوماً على الساحرِ، وستنكسر أعناقهم ايضا معنا، فالحرب لا تجلب سوى المصائب، التي لا تقف عند حد معين .
* طريق الشعب العدد 44 السنة 83 الأثنين 9 تشرين الاول 2017
Read our Privacy Policy by clicking here