عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٧)

نـــــــــزار حيدر
تختلفُ فلسفة الحَرْبِ والسَّيف عند أَميرِ المؤمنينَ (ع) عمَّا هي بالنِّسبةِ للآخَرين، وهي نفسها التي التزم بها الحُسين السِّبط (ع) عندَ خروجهِ على نِظامِ الطَّاغية الأَمويِّ يَزيدٍ.
فمِن كلامٍ لَهُ (ع) وقد استبطأَ أَصحابهُ إِذنهُ لهُم في القتالِ بصفِّين {أمَّا قَوْلُكُمْ: أَكُلَّ ذلِكَ كَرَاهِيَةَ الْمَوْتِ؟ فَوَاللهِ مَا أُبَالِي دَخَلْتُ إِلَى المَوْتِ أَوْ خَرَجَ المَوْتُ إِلَيَّ.
وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: شَكّاً في أَهْلِ الشَّامِ! فَوَاللهِ مَا دَفَعْتُ الْحَرْبَ يَوْماً إِلاَّ وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ تَلْحَقَ بِي طَائِفَةٌ فَتَهْتَدِيَ بِي، وَتَعْشُوَ إِلى ضَوْئِي، فهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَهَا عَلَى ضَلالِهَا، وَإِنْ كَانَتْ تَبُوءُ بِآثَامِهَا}.
فعلى الرَّغمِ من يقينهِ بحقِّهِ وأَنَّهُ على صوابٍ وأَنَّ عدوَّهُ على باطلٍ وأَنَّ مَن يُقتلُ منهُم بسيفهِ فإِلى النَّارِ وبئسَ المصير! كما كتبَ مرَّةً إِلى أَحد عمَّالهِ الفاسدينَ يهدِّدهُ ويتوعَّدهُ {وَلاََضْرِبَنَّكَ بِسَيْفِي الَّذِي مَا ضَرَبْتُ بِهِ أَحَداً إِلاَّ دَخَلَ النَّارَ!} معَ كلِّ ذَلِكَ فهوَ (ع) لم يستعجلِ الحَرْبَ فعسى ولعلَّ في تأخيرِها من يهتدي بكلامهِ وخطابهِ ومحاججتهِ!.
بل أَنَّهُ كان يكتفي منهُم أَحياناً الاعتزال لحقنِ الدَّم!.
كما كانَ يرى (ع) في الصُّلحِ الأَعوج سبباً لسفكِ الدَّمِ الحرامِ! كما أَنبأَ أَصحابهُ في صفِّين بَعْدَ أَن خدعهُم الشَّامِيُّون بالصُّلحِ المُزيَّفِ قائِلاً لهُم {وَأَيْمُ اللهِ لَتَحْتَلِبُنَّهَا دَماً، وَلَتُتْبِعُنَّهَا نَدَماً!} وهذا ما حَصلَ بالفِعلِ!.
إِنَّهُ (ع) لم يتصرَّف بقاعدةِ [أَوامر من فَوق] كما يفعل كثيرونَ! ولم يتَّكِئ على الحقِّ فقط ليقتلَ ويذبحَ ويسبي ويغتنمَ كما يفعل كثيرونَ! ولم يستخدم السَّيف كمُتعطِّش للدِّماء! وإِنَّما يُسخِّر كلَّ شيءٍّ من أَجْلِ الحياة! حتَّى الحَرْبِ هي من أَجْلِ الحياة وليس من أَجْلِ الموت! فاذا اضطرَّ لها فمِن أَجْلِ حمايةِ المجتمعِ مِن العُدوان! ممَّا في قولهِ تعالى {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ}.
إِنَّ الحياةَ مُقدَّسةً ومُحترمةً في قِيم السَّماء لا يجوزُ التَّعدِّي عليها والتَّهاون في حمايتِها من عَبثِ العابثينَ! ولذلكَ شدَّدَ القرآنُ الكريم في أَمرِها بقولهِ عزَّ مَن قائِل؛
{مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وقولهُ تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}.
ولذلكَ يمكنُنا الآن فهم الموقف الشَّديد الذي كان مِن رَسُولِ الله (ص) وأَميرِ المؤمنينَ (ع) ضدَّ الأَمويِّين الذين نزلَت بهِم آية الشَّجرة الملعونة بقولهِ تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا} لأَنَّهم كانوا يشدِّدونَ على حُرمةِ الدَّم الذي يسترخصهُ الأَمويُّون في دولتهِم كَما وصفَ ذَلِكَ أَميرُ المؤمنينَ (ع) بقولهِ {فَعِنْدَ ذلِكَ لاَ يَبْقَى بَيْتُ مَدَر وَلاَ وَبَر إِلاَّ وَأَدْخَلَهُ الظَّلَمَةُ تَرْحَةً، وَأَوْلَجُوا فِيهِ نِقْمَةً، فَيَوْمَئِذ لاَ يَبْقَى لَهُمْ فِي السَّماءِ عَاذِرٌ، وَلاَ فِي الاَْرْضِ نَاصِرٌ.
أَصْفَيْتُمْ بِالاَْمْرِ غَيْرَ أَهْلِهِ، وَأَوْرَدْتُمُوهُ غَيْرَ مَوْرِدِهِ، وَسَيَنْتَقِمُ اللهُ مِمَّنْ ظَلَمَ، مَأْكَلاً بِمَأْكَل، وَمَشْرَباً بِمَشْرَب، مِنْ مَطَاعِمِ الْعَلْقَمِ، وَمَشَارِبِ الصَّبِرِ وَالْمَقِرِ، وَلِبَاسِ شِعَارِ الْخَوْفِ، وَدِثَارِ السَّيْفِ، وَإِنَّمَا هُمْ مَطَايَا الْخَطِيئَاتِ وَزَوَامِلُ الاْثَامِ.
فَأُقْسِمُ، ثُمَّ أُقْسِمُ، لَتَنَخَّمَنَّهَا أُمَيَّةُ مِنْ بَعْدِي كَمَا تُلْفَظُ النُّخَامَةُ، ثُمَّ لاَ تَذُوقُهَا وَلاَ تَطْعَمُ بِطَعْمِهَا أَبَداً مَا كَرَّ الْجَدِيدَانِ!}.
وهوَ المنْهَجُ الذي استُشهِدَ الحُسينُ السِّبط (ع) من أَجْلِ حفرهِ وتثبيتهِ في ذاكرةِ النَّاسِ إِلى يَوْمِ يُبعثونَ! لِيبقى دمَهُ الطَّاهر حُجَّةً!.
٦ تشرين الاوّل ٢٠١٧
لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
‏Face Book: Nazar Haidar
‏WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here