توقعات “ستراتفور”: اندفاع أسرع للجيش السوري نحو حدود العراق.. وتمديد اتفاق خفض الانتاج

تنبأ مركز “ستراتفور”، من خلال توقعاته للربع الرابع والأخير من العام 2017، بأن تشهد الفترة المقبلة أحداثا سياسية أبرزها: انشغال واشنطن بالطموحات النووية لكوريا الشمالية، واندفاع الجيش السوري للحدود العراقية بسرعة أكبر، وتمديد الدول المنتجة للنفط العمل بمبدأ الحصص.

ويقوم مركز “ستراتفور” بوضع مجموعة من التوقعات الدورية لكل عشر سنوات، وسنوية وربع سنوية، استناداً إلى مبدأ أن الأحداث العالمية التحويلية ليست عشوائية، وإنما يمكن التنبؤ بها في الحقيقة.

وتُبنى هذه التوقعات على أساس منهجية “ستراتفور” الجيوسياسية، وإطارنا الخاص لتحديد الاتجاهات الأساسية التي تشكل النظام الدولي، والتنبؤ بوجهاتها المقبلة.

وفيما يلي الاتجاهات العالمية التي أبرزتها توقعات “ستراتفور” للربع الرابع والأخير من العام 2017:

أبرز التوقعات

• سوف تشغل الطموحات النووية لكوريا الشمالية معظم اهتمام الولايات المتحدة، بينما تبحث واشنطن عن طرق لوقف تقدم برنامج أسلحة بيونغ يانغ، حتى بينما تواصل الصين وروسيا دعم جارتهما المحارِبة.

• مع انشغال انتباهها بمسألة كوريا الشمالية، لن تكون الولايات المتحدة راغبة في خلق صداع آخر لنفسها بالانسحاب من اتفاقها النووي مع إيران. وفي الأثناء، سوف تقوم روسيا بتعميق تورطها في صراعات عدة حول العالم من أجل تعزيز موقفها التفاوضي في المحادثات مع الولايات المتحدة.

• سوف يواصل البيت الأبيض وضع سياساته التجارية موضع التنفيذ في الربع الرابع، ولكن، على الرغم من تصريحاتها المتشددة في المرحلة الافتتاحية من مفاوضات “نافتا”، فإن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في إقناع المكسيك وكندا بتلبية مطالبها الصعبة.

• عبر الأطلسي، سوف تتحول أوروبا إلى الاضطلاع بالمهمة الصعبة المتمثلة في إصلاح المؤسسات في داخل الاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو الآن بعد أن أقيمت الانتخابات الوطنية في كل من فرنسا وألمانيا.

• مع أن احتياطيات النفط العالمية قد تراجعت، فإنها لم تهبط بالسرعة الكافية لكي تناسب منظمي الاتفاق بين الدول المنتجة للنفط على خفض الإنتاج، وهو ما يشير إلى ترجيح نية المجموعة تمديد مبدأ الحصص إلى ما بعد آذار (مارس) 2018.

بداية سباق خطير

سوف تتجه الولايات المتحدة إلى الربع الأخير من هذا العام وهي تواجه واحداً من أعظم التهديدات النووية المباشرة للأرض الأميركية الرئيسية منذ أزمة الصواريخ الكوبية. وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية، صعَّدت كوريا الشمالية تجاربها النووية والبالستية، مما قاد مسؤولي الاستخبارات الأميركية إلى استنتاج أن بيونغ يانغ ستمتلك صاروخاً بالستياً موثوقاً عابراً للقارات، وقادراً على حمل رأس نووي، قبل انتهاء العام المقبل.

سوف تُسابِق واشنطن الزمن للعثور على طرق لوقف تقدم كوريا الشمالية وإعادتها إلى مائدة المفاوضات. ومن المرجح أن تحاول الولايات المتحدة طلب دعم روسيا والصين في هذا المسعى، بينما تراهن على استخدام الضغوط الدبلوماسية والمالية لثني بيونغ يانغ عن اختبار المزيد من الأسلحة. لكن الحصول على مساعدتهما لن يكون سهلاً. وحتى لو ألقت الولايات المتحدة شبكة عقوبات أوسع لتضم الشركات الروسية والصينية التي تتاجر مع كوريا الشمالية أو تقدم لها الخدمات المالية، فإن ذلك لن يضعف تصميم أي من البلدين على حماية استقرار الحكومة في بيونغ يانغ، بينما تدافعان عن سياسة تقوم على الانخراط بدلاً من العزلة. لكن المشكلة تكمن هنا.

يشكل الحوار بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة نوعاً من العقدة الغوردية (مشكلة صعبة الحل يتم حلها بعمل جريء). سوف توافق بيونغ يانغ على التحدث مع واشنطن فقط كنظير، ولن تتوقف عن تطوير أسلحتها حتى تكون كذلك. كما أن بيونغ يانغ مستعدة أيضاً للقبول بمزيد من العقوبات، واثقة من أن وجود قواتها في شبه الجزيرة الكورية وقدراتها النووية المزدهرة سوف تحول دون اتخاذ أي عمل عسكري ضدها. ومن الناحية الأخرى، طالبت واشنطن بأن تجمِّد بيونغ يانغ تجاربها للأسلحة النووية قبل خوض المفاوضات. كما تنظر واشنطن إلى الإكراه أيضاً على أنه الأسلوب الأكثر فعالية لمنع تطوير بيونغ يانغ المتواصل لأسلحتها النووية. ولأن مواقف الخصمين غير متوافقة، سوف تشهد منازعاتهما مزيداً من التصعيد بالتأكيد خلال الربع المقبل.

بينما تواصل كوريا الشمالية إجراء التجارب النووية، فإن خطر القيام بعمل عسكري أميركي ضدها سوف يتصاعد. ومع أن الولايات المتحدة يمكن أن توجه ضربة محدودة ضد كوريا الشمالية باستخدام الأصول العسكرية التي تحتفظ بها حالياً بالقرب من شبه الجزيرة الكورية، فإن الاحتمال الأكثر ترجيحاً هو أن تقوم الولايات المتحدة بزيادة تواجدها العسكري في المنطقة بالتدريج خلال هذا الربع، بحيث تعطي المساعي الدبلوماسية والعقوبات فرصة لإحداث تأثير. ومع أن حادثة أو خطأ خلال عملية إطلاق صاروخ كوري شمالي قد يجبرا الولايات المتحدة أو حلفاءها على إسقاط الجهاز، فإنهم لن يتخذوا القرار ببدء تدخل عسكري أكثر جدية قبل نهاية العام.

الآثار الجانبية للنظرة النفقية للولايات المتحدة

على بعد قارة، تحقق روسيا الكسب في صراع إقليمي آخر أيضاً: الحرب الأهلية السورية. وقد تمكنت القوات الموالية للحكومة السورية، مدعومة من روسيا وإيران، من كسر حصار “داعش” الخانق على دير الزور في أيلول (سبتمبر). والآن، سوف تصبح تلك القوات حرة للاندفاع نحو الحدود العراقية بسرعة أكبر. وبينما تفعل ذلك، سيكون على الولايات المتحدة الحفاظ على الاتصال مع روسيا لمنع اندلاع اشتباكات بين وكلاء البلدين في ميدان المعركة.

وأقرب إلى الوطن، سيتعين على واشنطن أن تصارع وجود موسكو في بيئة ثالثة غير مستقرة. فقد أصبحت فنزويلا تدبُّ مقتربة أكثر من حالة قصور مالي، وتشكل روسيا (إلى جانب الصين) أحد آخر الحلفاء الذين تبقوا للبلد الغارق. بل إن كاراكاس طلبت من موسكو إعادة هيكلة الديون الفنزويلية بينما تؤثر العقوبات الأميركية بشدة على أوضاعها المالية.

الحمائية الغربية تتصاعد والعالم يتكيف

سوف تواصل عودة الحمائية التجلي في العلاقات التجارية والاستثمارية والتكنولوجية في كل أنحاء الكوكب خلال نهاية العام الحالي. وكما كان صحيحاً بالنسبة لمعظم العام 2017، فإن الولايات المتحدة ستقود هذا الجهد، خاصة وأن عملية إعادة التفاوض على معاهدة “نافتا” جارية. وفي الحقيقة، وضعت واشنطن فعلياً الخطط التي تبين الطرق البديلة التي ينبغي أن تُبرم بها صفقات التجارة الثنائية. كما أنها دعت أيضاً إلى إدخال شرط محتوى أميركي في قطاعات معينة، والذي ينص على وجوب أن تحتوي البضائع الأجنبية على حصة معينة من الأجزاء المنتَجة في الولايات المتحدة كشرط للتأهل للاستفادة من التخفيضات الجمركية. بل إن واشنطن ذهبت إلى حد اقتراح شرط “غروب” تلقائي، والذي يمكن أن ينهي معاهدة “نافتا” في ظل ظروف معينة.

وقد اجتذب كلا الاقتراحين النقد من كندا والمكسيك، لكنهما أكدا أيضاً تصميم ترامب على مراجعة معاهدة أميركا الشمالية بشكل كبير. وعلى الرغم من تبني موقف افتتاحي صارم في المحادثات، فإن الولايات المتحدة لن تتخلى عن “نافتا” في نهاية المطاف. وبدلاً من ذلك، سوف يتوصل الشركاء الثلاثة إلى اتفاق في نهاية المطاف، ولو أن ذلك سيأتي بعد نهاية الربع الرابع من هذا العام.

على مدى الأشهر القليلة الماضية، وجهت الولايات المتحدة قدراً أكبر من الانتباه إلى شكاواها التجارية مع الصين وكوريا الجنوبية. ونتيجة لذلك، سوف تصبح النزاعات بين واشنطن وكلتا الدولتين الآسيويتين أكثر سخونة في الأشهر المقبلة. ويمكن لتحقيقات الولايات المتحدة في متطلبات نقل التكنولوجيا في الصين وغيرها من الممارسات المتصلة بالملكية الفكرية أن تضع الأساس لاتخاذ إجراء صارم ضد الصين، بما في ذلك فرض تعرفات جمركية واسعة النطاق. ومع ذلك، يرجح أن لا تأتي مثل هذه الخطوات قبل العام المقبل.

ربما لا تنتظر الولايات المتحدة كل هذا الوقت لإظهار عزمها على متابعة قضية ضد الصين من خلال منظمة التجارة العالمية. وفي حال اكتشف المحققون الأميركيون أن التكتيكات الصينية غير متوافقة مع قواعد الكتلة، فإن واشنطن ستكون مجبرة بحكم التزاماتها في كل من منظمة التجارة العالمية والقانون الدولي على جلب الخلاف إلى المنظمة قبل فرض أي تدابير تجارية عقابية أخرى من جانب واحد. ومن ناحية أخرى، إذا وُجِد أن أنشطة الصين تؤذي الشركات الأميركية بطرق لا تعالجها لوائح منظمة التجارة العالمية، فسوف تتمكن الولايات المتحدة من الرد بشكل أسرع، وبالطرق التي تراها مناسبة.

ليست الولايات المتحدة الطرف الوحيد الذي يشعر بالقلق من استراتيجية بكين لحيازة التكنولوجيا الغربية أيضاً. ففي أيلول (سبتمبر)، دعت مفوضية الاتحاد الأوروبي القارة إلى وضع المزيد من الآليات لفحص الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية من الشركات التي تدعمها دول خارج الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة تستهدف النقود الصينية بكل وضوح. وقد دعمت كل من إيطاليا وفرنسا وألمانيا هذا الاتجاه أيضاً، خشية أن تكون الحكومة الصينية بصدد استخدام موارد الدولة لتشجيع عمليات الاستحواذ على الشركات الأوروبية من أجل “شراء” التكنولوجيات والدراية الأساسية التي تدعم الاقتصادات العالمية الحديثة. وكالعادة، سوف تقود فرنسا الاتجاهات الحمائية داخل الاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة. لكن اقتراحات باريس ستكون مثيرة للجدل بين البلدان ذات التوجه السوقي، مثل الدنمارك ودول أوروبا الشرقية، التي ستنظر بعين الشك إلى أي مسعى يمكن أن يسلب منها فرص الاستثمار الصيني أو أن يزيد سيطرة بروكسل على اقتصاداتها الخاصة.

هذه الاختلافات في الرأي، إلى جانب الكثير من الأخريات، ستكون قيد العرض الكامل خلال هذا الربع من العام، بينما تتعامل أوروبا مع مهمة إصلاح الاتحاد. والآن وقد انتهت الانتخابات الحاسمة في كل من فرنسا وألمانيا، فإن الكتلة ستقوم بتقييم المقترحات بتأسيس صندوق نقد أوروبي، وتعزيز الاستثمار العام عبر القارة وإدخال تدابير لتقاسم المخاطر في منطقة اليورو. وعلى الرغم من أن برلين مستعدة لإيجاد أرضية مشتركة مع باريس، سوف تُمضي ألمانيا بقية العام في بناء تحالف حاكم في الوطن. وحتى مع ذلك، فإن النقاش حول مستقبل أوروبا الذي سيكون السمة المميزة للعام 2018 سينطلق في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة.

وسط عودة النزعة الاقتصادية القومية في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، سوف تبذل بقية دول العالم جهودها لتعديل توقعاتها واستراتيجياتها. وسوف يواصل الأعضاء الأحد عشر الذين تُركوا في مجموعة “شركاء عبر الباسيفيكي” محاولة التوصل إلى اتفاق من دون الولايات المتحدة، وإنما ليس هناك ضمان بأنها ستتوصل إلى تسوية. ومن المؤكد أن يكون أعضاء المجموعة الكبار والمتقدمون -اليابان وأستراليا وكندا- حريصين على توقيع اتفاق، لكن نظراءهم الأقل تقدماً ربما يطالبون بتنازلات بما يكفي لتسريع انهيار المفاوضات. وبذلك، تكمن أفضل فرصة للمجموعة في النجاح في سرعة الإجراءات، وهو ما يقترح أن المحادثات يمكن أن تتقدم بسرعة قبل نهاية العام.

مع استحقاق الاجتماع الوزاري الذي يعقد كل عامين لمنظمة التجارة العالمية في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، من المرجح أن تمضي البلدان الأشهر التي تسبقه في الضغط من أجل ترويج مشروعاتها المفضلة. كما ستعقد الكتلة أيضاً اجتماعاً “وزارياً مصغراً” غير مسبوق في تشرين الأول (أكتوبر) لمحاولة وضع أجندة للقمة الكاملة في بيونيس آيريس. لكن اجتماع هذا العام ربما لا يكون مثمراً كما أملت بعض الدول. وفي ضوء معارضة الولايات المتحدة والهند وجنوب أفريقيا في وقت سابق من هذا العام، تم إجهاض آمال الصين وألمانيا في التوصل إلى اتفاق شامل على تسهيل الاستثمار، وكذلك كان حال أي فرصة لإبرام صفقة لتقييد الإعانات الزراعية. وحتى مع ذلك، فإن هناك بعض التقدم الذي لا يمكن إغفاله في شؤون مثل التجارة الإلكترونية، والملكية العامة للأسهم وإعانات مصائد الأسماك.

صحوة النفط الخام

في هذه الأثناء، تبدو المخزونات النفطية في العالم آخذة في الانخفاض، وإنما ليس بسرعة تكفي لإشباع رغبة المنتجين العالميين. في الولايات المتحدة، وهي من الأسواق التي تتم مراقبتها أكثر ما يكون في هذه الصناعة، بلغ إجمالي مخزونات النفط الخام 471 مليون برميل (أعلى بنحو 24 في المائة من معدل الخمس سنوات) بحلول 22 أيلول (سبتمبر). وسوف يحفز مثل هذا الإفراط أقوى المدافعين عن خفض الإنتاج -السعودية، وروسيا وفنزويلا- على مضاعفة جهودهم لتمديد نظام الحصص بين أعضاء منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والدول غير الأعضاء في المنظمة إلى ما بعد آذار (مارس) 2018. وفي الوقت نفسه، سوف تزيد الضغوط على الدولتين المعفاتين من أعضاء (أوبك) -ليبيا ونيجريا- اللتين زادتا إنتاجهما الجمعي بواقع 622.000 برميل يومياً منذ الربع الرابع من العام 2016، للانضمام إلى المعاهدة. ومع ذلك، فإن من غير المرجح أن تنضم هاتان الدولتان. وإذا ما تم تمديد فترة التخفيضات، فلن يمضي طويل وقت قبل أن يشرع الالتزام بين الموقعين الحاليين في الانحسار.

من جهة أخرى، سوف يستمر الارتفاع في ناتج الولايات المتحدة. لكن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام وصل في نهاية حزيران (يونيو) إلى حجم أقل قليلاً من 9.1 مليون برميل في اليوم -أعلى بنحو 27.000 برميل فقط من مجموعه في شهر شباط (فبراير). ويشير ذلك إلى أن النمو الحالي في إنتاج الولايات المتحدة ليس مرناً بالقدر الذي توقعه خبراء الصناعة في البداية. ومع أن إنتاج البلد سيستمر في الصعود ببطء خلال هذا الربع، فإنه لن يكون سبباً للنقاش والخلاف بين المنتجين العالميين الذين يحاولون مواجهة استمرار العرض المفرط في سوق النفط.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here