إخلاء مسلّحين أحياء من تحت أنقاض الموصل بعد أشهر من التحرير

ترجمة/ حامد أحمد

هذه الذراع الثانية للجثة، هل كانت ترتدي عباءة سوداء؟ صاح عامل الدفاع المدني داوود سالم محمود على مجموعة صغيرة من افراد اقارب الضحية الذين كانوا يتابعون عملية انتشال الجثث قرب موقع البيت المهدم وهو يحمل بيده عظم ذراع امرأة انتشله من تحت الانقاض كانت قطعة عباءة سوداء ماتزال معلقة به.
ويقول مراسل ومصور (نيويورك تايمز) الاميركية ايفور بريكيت، الذي كان يوثق جهود عمال الدفاع المدني في اخراج الجثث من البيوت المهدمة في ازقة احياء مدينة الموصل القديمة، إن محمود وفريقاً صغيراً معه من عمال الدفاع المدني كانوا يراعون الحذر عند الحفر بين الكتل الصخرية لانتشال بقايا رفات الجثث المطمورة تحت الانقاض وكذلك البحث عن المقتنيات الشخصية للضحايا بين الجدران المحطمة والمفتتة لبيوت الضحايا، مشيرا الى ان عملية انتشال بقايا الجثث كانت تجري ببطء وبذل جهد مضني.
ويقول بريكيت انه بعد شهرين من انتهاء حرب ضروس استمرت لتسعة أشهر لتحرير الموصل من قبضة داعش، ماتزال اغلب مناطق المدينة تعجّ بالانقاض والاطلال. وربما كان هناك آلاف من الضحايا قد سقطوا قتلى خلال المعارك المصحوبة بغارات جوية متكررة للتحالف على أحياء المدينة كثير منهم مايزالون مدفونين تحت الانقاض لم تدون أعدادهم، وان الجهود الآن تتركز على اخراج بقاياهم من تحت انقاض بيوت المدينة القديمة لتسليمها الى اقاربهم. عمال الدفاع المدني، الذين تدرب غالبيتهم كعمال اطفاء حرائق وانقاذ، يتحركون بحذر بين الانقاض ليتفادوا اي قنابل او عبوات او احزمة ناسفة لم تنفلق بعد. وفي آب الماضي قتل احد افراد فريق الانقاذ وجرح ثلاثة آخرون عندما انفلقت متفجرات اثناء بحثهم بين الانقاض. هذا اليوم كان طاقم فريق الدفاع المدني يعمل ببطء وبشكل منهجي في احد أزقة الحي القديم في مدينة الموصل بينما كانت كل من سندس مزعل وزوجها وعمتها المسنة نادرة عزيز ينتظرون بتلهف لأي مؤشر يدلهم على رفات اقاربهم ومقتنياتهم الخاصة.
صاحبة البيت، نادرة عزيز، كانت تجلس على كرسي على بعد 15 قدماً فقط من موقع البحث الجاري عن جثث اقاربها في وقت كانت الجرافة تزيل الانقاض وتحفر للوصول الى داخل غرف البيت. كانت المرأة المسنة توجه سائق الجرافة أين يحفر وتنادي على عمال الدفاع المدني ان يجمعوا الكتب والحقائب التي رأتها تلوح بين الانقاض، وفي نهاية اليوم تكدس بجانبها تل من المقتنيات البالية التي تريد اخذها معها.
وذكر رجال الدفاع المدني لمراسل الصحيفة انه اثناء عملهم في الاسبوع الماضي تعرضوا لإطلاق نار مباشر من قبل شخص ما ثم هرب بسرعة. من الصعب إدراك حقيقة كيفية بقاء مسلح من داعش على قيد الحياة بعد أشهر من انتهاء المعركة وفي منطقة قد تم تجريفها بشكل كامل، الامر الذي جعلهم يكونون على درجة عالية من الحذر والترقب .
الحي الواسع من المدينة القديمة خالٍ الآن من السكان الذين اعتادوا العيش فيه ولكن مباشرة بعد وصول كادر فريق الدفاع المدني هذا الصباح تفاجأ قسم منهم عند مشاهدتهم لشاب مختبئ في احد البيوت المهدمة جزئيا. حيث تمكن من البقاء على قيد الحياة في منطقة انقطعت عن بقية اجزاء المدينة بعد اشهر من انتهاء المعركة، وقد انكر كونه مسلحاً من تنظيم داعش ولكنهم شاهدوه وبحوزته جهاز موبايل وبعض النقود واربعة مخازن بندقية رشاشة. قاموا بتسليمه الى وحدة للشرطة الاتحادية قريبة واستمروا بمزاولة عملهم.
ربيع إبراهيم حسن، رئيس فريق البحث عن الجثث، يقول انهم لم يتسلموا رواتبهم منذ اشهر ولكنهم يرون انه هذا من صلب واجبهم تجاه اهالي المدينة، مؤكداً في الوقت ذاته “سنواصل العمل لحين الانتهاء من واجبنا هنا”.
وفي وقت سابق من صباح هذا اليوم اكدت السيدة سندس مزعل، التي كانت تراقب سير عمل البحث عن جثث اقاربها بأن الذراع التي تم العثور عليها بين الانقاض تعود لشقيقتها. والآن وبعد ساعات من الحفر عثر فريق الانقاذ على جثة والدتها بين ركام مايبدو انه كان قبوا . كانت جثتها سليمة غير مقطعة الاوصال ولكنها تعرضت للتعفن بعد اشهر من طمرها تحت الانقاض وقد عمل ثلاث رجال انقاذ على الحفر بحذر باستخدام ايديهم لإزالة قذيفة الهاون وقطعة الحديد الملتوية حول جسمها لإخراجها.
عملية استخراج جثتين فقط من بين الانقاض استغرق نهارا كاملا بتناوب عمال اغاثة يبلغ عددهم عشرة رجال، مما يشير الى ان امامهم أشهراً طويلة من العمل.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here