البعثي الذي وشى باخيه وهو اليوم مسؤول كبير

في شهر تموز دعاني صديق الطفولة كاكه عثمان لزيارته في منزله كردستان هربا من حر بغداد فلبيت الدعوة لاسبوع كانت كافية لاسترجاع احداث علاقتنا التي امتدت لعقود من ايام المتوسطة الى الجامعة حيث اختبأ في بيتنا بسبب الملاحقة الامنية له حتى تهريبه من خلال سفره مع والدتي وبهويتي مرورا بلجؤي اليهم ايام القادسية البغيضة ومن ثم معاناتي في الحصار ومساعدته لي احيانا وصولا الى سقوط البعث ونيله حقوقه كاملة وبقاء بعض حقوقي بخزينة الدولة حيث بقي التواصل بيننا واللقاء احيانا وكانت هذه الفرصة للقائه من خلال دعوته الكريمة واهم ما كان في الزيارة هي انه اطلعني على وثائق من ايام الحكم الصدامي تخص عددا من البعثيين ولكن الاحقر فيها ان هناك شخص وشى باخيه الى الامن بانه عضو في حزب الدعوة الاسلامية ليتم اعدامه فيما حصل هو على درجة مدير عام وينعم بعطايا البعث وليصبح اليوم من كبار مسوؤلي الدولة .
من المعروف ان ارشيف الامن و المخابرات في زمن صدام قد وقع بين ايدي اربع جهات هم الامريكان والحكومة العراقية والاكراد وجماعة احمد الجلبي ومن هنا قال لي كاكا عثمان هذا البعثي صاحبكم ( يعني انه شيعي ) وشى باخيه للامن فاعدموه وترقى هو بعثيا ووظيفيا وهو اليوم من كبار موظفي حكومتكم فقلت له قبل ان ابدأ بقراءة الاوراق اراك تقول حكومتكم وكانك لست عراقيا فقال نحن( كوردستان) وانتم (عيراق ) فقلت دعني اقرأ المصيبة اولا وبعد ذلك نتحدث عن (كردستان والعراق ).
فايل من تسعة اوراق 3 اوراق تابعة لجهاز المخابرات واثنتين لمنظمة الحزب وورقة بخط الشخص المعني وثلاثة بأسم وزارته التي كان يعمل فيها .
فمنظمة الحزب تتحدث عن وضع اخيه والشكوك التي تدورحوله باعتباره مشكوك فيه رافضا الانتماء للحزب بينما اخوته الاثنين بعثيين وتقترح نقله الى منطقة نائية كعقوبة ولورقة الثانية تشرح حالة اخوته البعثيين الاثنين ومساهماتهم في المنطقة ومنظمة الحزب وكلها تشير الى انهم( مؤمنون بالبعث وبقيادة الرئيس المناضل صدام حسين وملتزمون بكل قرارات الحزب والثورة ) حسبما هومكتوب .
اوراق الوزارة الذاتية تتحدث عن كفاءة الشخص العلمية ونشاطه البعثي المكثف بين الموظفين حيث هومثال للموظف الجيد ولكن المشكلةانه شيعي لايمكن ترقيته لدرجة مدير عام مقترحة منحه مكافأة مالية كل ثلاثة اشهر وورقة كتبها ضابط امن الوزارة تتضمن مقابلته له واستفساره عن تاريخه وتاريخ العائلة وتاريخ اخيه المعني بالذات وسبب عدم انتماءه لحزب البعث كبقية اخوته وان كان مريض نفسيا او انه معارض للحزب و الثورة متسائلا عن سبب عدم انتماءه للحزب وهل انه من الرجعية ام من الشيوعيين وثالثة تشير الى ترقيته الى درجة مدير عام.
اوراق المخابرات الثلاث الاولى تتحدث عن طلب استسفار عن الشخص المعني بالتفصيل وتحديد انتماءات افراد عائلته وان كانت عنده اخوات فهل هن محجبات ام سافرات متزوجات ام عازبات كما يجب تحديد علاقته باخوته و الورقة الثانية هي أمر من خلال المنظمة الحزبية في المنطقة للشخص مطلوب منه كتابة تقرير عن كل تفاصيل اخيه وقائمة باصدقاءه الذين يزورونه بانتظام و مذيلة باقتراحات تسهم في كسبه للحزب . و الورقة الثالثة تسمح فيه بترقيته الى درجة مدير عام كونه اثبت ولاءه لقيادة الرئيس المناضل صدام حسين ولحزب البعث العربي الاشتراكي من خلال المعلومات القيمة التي قدمها عن اخيه العميل الذي نال جزاءه العادل .
والورقة الاخيرة هي عبارة عن معلومات مكتوبة بخط اليد موجهه الى المنظمة الحزبية تبدأ بامة عربية واحدة ذات رسالة خالدة وتنتهي ( عهدا باننا سنبقى اوفياء للرئيس القائد وسيفه الصارم لقطع رقاب الخونة والعملاء) وما بين العبارتين عشرة اسطر اثنان منها لاعلان ولاءه وعائلته للحزب والثورة وسبعة اسطر معلومات عن اخيه والسطر العاشر المقزز الذي يتبرأ منه ويطالب انزال اقصى العقوبات به بل استعداده لتنفيذ العقوبة بنفسه .
اضبارة مقززة سرقت النوم من عيني وتمنيت انني لم اطلع عليها لانها افسدت علي اسبوعي الذي قضيته هناك وكان من المفترض ان ارتاح فيه ولانني كلما اشاهد هذا المسؤول اللعين على شاشة التلفزيون اقول في نفسي لقد تحملت والدتي مخاطر تهريب صديقي الكردي في ذاك الزمن الرهيب وهذا الحقير وشى باخيه ليصل الى هدفه كمدير عام وهو اليوم مسؤول كبير فيا للحقارة والسفالة .
طلبت من صديقي ان احصل على نسخة من الاضبارة فقال ان كنت ستنشرها كاملة فهي لك واذا تتحفظ فهي للقراءة فقط فذكرته بالكتب والمجلات التي كنت اعطيها له ايام الدراسة ولكنه لم يتراجع عن موقفه فقلت له اولا لا استطيع نشرها بالاسم لانني لست سوى مواطن بسيط وهو مسؤول كبير وفي حكومة الحزب الذي كان يصفه بالعميل وقد يجرجني للمحاكم وانا لست مستعدا لذلك هذا اذا لم يرسل حمايته لانال ما ناله اخوه الشهيد ( اكيد هو الان يقبض راتب من مؤسسة الشهداء عن دماء اخيه التي اراقها بيده اضافة الى راتبه الملياري ) وثانيا هناك من هو اخس وانذل واحقر منه ويداه ملطختان بدماء اهالينا واحبتنا وهم في اعلى المراكز الان وثقة الحكومة بل وثقة اعضاء حزب الدعوة الاسلامية التي اعدم بسببها هذا الشاب المسكين فمن يهتم ومن يبالي فاعتذر عن اعطائي نسخة فتقبلت ذلك عن مضض لانني لم اتوقع ان يرفض وعلى كل حال عدت بعد اسبوع وكنت طوال الرحلة انظر من شباك الطائرة الى الارض وانا اقرأ سورة الفاتحة على كل المدفونين في ارض العراق ارض المقابر الجماعية فرحم الله شهداء العراق و الخزي والعار لهذا البعثي الحقير الذي ينادونه اليوم بلقب …. . و المشكلة انني اصبحت مدمنا على متابعة اخباره وتصريحاته وكلما تكلم بالوطنية و الحرص و المسؤولية ارتفع الضغط في عروقي واكاد انفجر فاشتمه واسبه ويا رب انتقم منه اي والله انتقم منه .
سافتقد كاكه عثمان لانه كان ضيفي كل سنة في الزيارة الاربعينية ليس لانه لم يعد صديقي بل لان الوضع السياسي متازم ولانه اصبح كوردي وانا عيراقي حسب المصطلحات فله مني كل تحية وعسى ان يستطيع احد ممن له ظهر يوما ما كشف اسم هذا المسؤول الحقير علانية حتى تسقط عنه هذه الهالة التي يحيط بها نفسه فتبا له .

محمد العبد الله

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here