سلب حق الناس لا يقل شأن عن سلب جسد الحسين

امجد العسكري

تصطف الرجال بفئات مختلفة، بين من افترش الارض ومن اتكأ على حافة الجدار، بين متذمر، ومنتقد لحالة طول الانتظار، هناك على مقربة من شباك استلام المعاملات يتجمع عشرات المواطنين، كل فرد فيهم ينتظر دوره لاكمال معاملته، يتسامر الشبان، ويتبدال الغرباء اطراف الحديث، فتنشئ علاقات حميمة تطول لساعات متتابعة، فيتنقل كل مواطن من طابور الى اخر، بغية اكمال اجراءات الجواز العراقي، جلست على مسافة ليست ببعيدة وانا انتظر دوري في الطابور، فرأيت اصناف الناس وكيف تتعامل مع مدة الزمن المنقضية في الهباء وكيف يتصرفون، كان لنساء حظ اوفر كما لرجال، فتلك تحمل طفلها، واخرى غطت وجهها بعبائتها فحرارة الشمس قد تغير لون البشرة تفقد احد صفات جمالها وهن يقفن في الطوابير، كنت اراقب الناس وهم في صفوف الانتظار، فرأيت شعب الله المختار، اؤلائك الذين يتخطون طول الطابور، فعندهم اصحاب الشأن وذوليهم رتب عسكرية تيسر لهم وتوفر عليهم عبئ الانتظار، فتسير معاملاتهم كما تسير المياه في البلعوم.

ترك الحديد على راحت يدي لونه المتصدأ، حين جلست انتظر لساعات ليست بقليلة ، فالاجهزة الامنية التي وجدت لخدمة المواطن، اصبحت عالة تضاف الى حمل الجمل الذي يعاني منه الشعب، فالمحسوبية تعطي صاحب الحاجة مميزات عديدة اهما، سير المعاملة بسهولة وكذلك الاحترام والمودة من قبل الموظفين الى غير ذلك من الامور التي تجعله قاب قوسين او ادنى من كرسي مدير الدائرة.

وعلى هامش الانتظار جلس بقربي شاب في مقتبل العمر، بدء يصف دولة عربية كان قد اقام فيها شهور، فأخذ يتهجم على الشعب العراقي وحكومته، وينتقد الاجراءات القانونية، ويقارن مابين العراق ودولته التي زارها، وكيف تسهل المعاملات على المواطنين بتلك الدولة، وكم هو جميل ذلك القانون الذي لا يستثني احد، فيكون كالهواء يستنشقه الفقير والغني، والضعيف والقوي، فتعيش الناس تحت ظل العدالة والمساوات، وان على الحكومة وضع قرارات صارمة، تجبر المواطن على الخضوع للقانون ومحاسبة المقصرين من المنتسبين، فلا اخي ولا اقاربي، فالجميع يأخذ مكانه في الطابور، قاطع حديثه صوت احد الشرطة المتواجدين في المبنى، يخبره ان اجلب مافي يدك وهلم اليه، فلا داعي للانتظار وقد بعث الله لك “الواسطة” كما يطلق عليها في الشارع العراقي، فنطلق ذلك الشاب الحالم بعراق لم يتحمل فيه بعض ساعات في الطابور، وكأنه نسي قوله تعالى ” أنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ “

بين تلك الصور المتشعبة والافراد الذين امتلئة بعض انفسهم بالازدواجية، فينتقد المحسوبية من جهه، ويصفق للمن يسهل امر معاملته من جهه اخرى، رن هاتف احد الجالسين بنغمة النشيد الوطني ” موطني .. موطني .. ” اي موطن الذي لا نضحي لاجله لا نستحق ان نكون فيه، فالعراق ليس بالفندق الذي نغادره كلما سائت الخدمات، ان مايحلم به الشعب العراقي بصورة عامة، وفئات الشباب بصورة خاصة، قد رسم لخارطته السيد “الحكيم” طريقا واضحا، ومنهجا بيننا، حيث نادى للتغير، واعلن عن “تيار الحكمه الوطني” مدجج بسبل النجاح، ومحاربة الفساد، وقطع جميع جذورها، فالمحسوبية هي احدى افرع الفساد، وسلب حقوق المواطنين حتى في دور الانتظار في الطابور، هو جرم وذنب واغتصاب في الحق، لا يقل ولا نبالغ ان نقول مشابه لما تعرض اليه “الحسين” عليه السلام، فسلب حقه في الخلافة وزحزح عن مرتبة قد اوجب الله على عباده وامة رسول الله، ان تكون لمن هو اولى بها من غيره.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here