«آسيان» وتحديات المستقبل

تأسست رابطة دول جنوب شرق آسيا «آسيان» قبل 50 عاماً. وتغلبت المنظمة الإقليمية التي أسستها خمس دول فقط في بداية الأمر، على عدد من الأزمات عبر تاريخها، مثل انتشار الشيوعية في الهند الصينية، والحرب الأهلية في كمبوديا، وانتهاء الحرب الباردة، والأزمة المالية الآسيوية. وتضم العضوية الآن عشر دول، لتشمل تقريباً كل جنوب شرق آسيا. وأصبحت الرابطة في مركز الهندسة الإقليمية، وقد ساهمت إلى حد كبير في تحقيق السلام والرخاء بشرق آسيا. وسعت الرابطة إلى تحقيق التكامل في جنوب شرق آسيا، وفي سبتمبر 2015 أعلنت تأسيس تجمع آسيان وهو أول تجمع إقليمي في آسيا.

وهذه الإنجازات كلها جديرة بالإشادة، لكن مستقبل آسيان ليس مفروشاً بالورد. وقضية بحر الصين الجنوبي إحدى القضايا الكبرى. صحيح أننا حين نركز على العناصر التي فشل أعضاء «آسيان» في التوصل إلى اتفاق فيها، نميل إلى عدم الالتفات إلى أن آسيان استطاعت أن تشكل موقفاً موحداً يستند على نهج معين تألف من التعبير عن المخاوف التي تتعلق بالتطورات في المياه المتنازع عليها والمطالبات بالتوصل إلى حل سلمي للنزاعات على الأراضي والدعوات إلى وضع ميثاق شرف ينحي الخلافات الداخلية جانباً. لكن رغم هذا، لا تستطيع الرابطة بقوة الأعراف التي أرستها أن توقف إصلاح الصين لجزر والبناء عليها. وتعرية هذا الواقع يدل على عدم قدرة «آسيان» على صنع السلام في شرق وجنوب شرق آسيا.

وتكامل هذا الإقليم الشاسع يمثل قضية ثانية. ومستقبل «اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر الهادئ» الذي أصبح «اتفاق الشراكة عبر الهادئ» مظلماً بعد أن وصول دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة. وهذا قد يكون تطوراً مرحباً به لدى بعض الدول الموقعة على اتفاق الشراكة عبر الهادئ من رابطة آسيان؛ لأنه قد يجنبها إجراء إصلاحات هيكلية قد لا تروقها.

ومن منظور طويل الأمد، يمثل إرساء قواعد اقتصادية مشتركة في آسيا والهادئ أساساً لتحقيق تنمية مشتركة في جنوب شرق آسيا ومنطقة آسيا والهادئ الأوسع نطاقاً.

والمستقبل غير المؤكد لاتفاق الشراكة عبر الهادئ سيؤثر سلباً على اقتصاديات دول الرابطة. وفي الوقت نفسه، تكتنف الصعوبات مفاوضات «الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة»، وهي إطار عمل يستهدف تحقيق تكامل اقتصادي تحتل فيه «آسيان» مركز الصدارة.

والقضية الثالثة التي تواجه التكتل هي احتمال أن تؤثر سلباً العوامل السياسية والأمنية المزعزعة للاستقرار على تقدم التكامل الإقليمي. صحيح أن ميثاق «آسيان» يتحدث عن «القيم العالمية»، مثل تطوير الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، وترسيخ حكم القانون والحكم الرشيد. وصحيح أن هذه القيم لا غنى عنها لتحقيق الاستقرار السياسي في الدول الأعضاء ولجذب الاستثمارات الأجنبية، لكن المنطقة ترجع القهقرى في الديمقراطية وحقوق الإنسان. وفي تايلاند، يحاول نظام حكم عسكري إطالة أمد حكمه. وفي كمبوديا، تعمل حكومة هان سين التي تحكم منذ فترة طويلة على البقاء في السلطة بإغواء أحزاب المعارضة ووسائل الإعلام. وفي ميانمار، تعرضت الحكومة التي تشكل «أونج سان سو كي» جزءاً منها لانتقادات شديدة لفشلها في حماية الروهينجا من الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان. وفي إندونيسيا التي يفترض أن العلمانية فيها قاعدة حكم، تتدخل القيم الدينية في السياسة مما يهدد استقرار المجتمع.

وأخطر القضايا التي تواجه «آسيان»، هي كيفية تحقيق توازن بين أسلوبها التقليدي في احترام سيادة الدول وبين الطموح من أجل «آسيان» جديدة تعزز التعاون والتكامل الإقليميين. صحيح أن الأسلوب القديم حقق تكاملا بطيئاً واحتراماً للسياسات المحلية. لكن الرابطة يتعين أن تحول نفسها إلى منظمة قادرة على التعاون في قضايا اعتبرت تقليدياً من شؤون الدول ذات السيادة، بما في ذلك إصلاح البنى الاقتصادية المحلية، إذا أرادت المضي قدماً في النمو الاقتصادي. وتحقيق هذا التوازن يمثل قضية لا تستطيع «آسيان» تجاهلها مستقبلاً.

مي أوبا

أستاذة بجامعة طوكيو للعلوم

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفيس»

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here