كيف ينمي جحا مبادئه

امجد العسكري

روي ذات مرة ان سئُل “جحا” كم عمرك؟ فاجابهم عشرون سنة، وبعد عشرون سنة سال جحا نفس السوال كم عمرك؟ فاجابهم عشرون، فقالوا عجبا ياجحا قبل عشرون عام من الان قلت ان عمرك عشرون! فقال لهم ان الرجل لا يغير كلامه، حين يتشبث الانسان بمباديء يظنها غير قابلة لتطوير او التغير، حينها ستكتب بمخيلته مسلة جحا الحاولية على مفاهيم آنية دون النظر لما هو بأيدي المستقبل.

في كل عام يعيد القاريء قصة “الحسين” عليه السلام واهل بيته، فيقرأ على مسامع الجالسين ويروي ماحدث بعبارات تغزو مشاعرهم، فتفجر قلاع الحزن بداخلهم, فتترجم عاطفتهم بدموع تنبع من صلب المشاعر ومن سويداء العين، يختم القاريء قوله ذبح الحسين وسبيت النساء، و”قُضِيَ الأمْرُ الَّذِي فِيهِ، تنحر الذبائح ويقدم الطعام، طلبا لمرضاة الخالق، على ثواب ابي الاحرار، تمضي الايام وتعاد الاحداث وعمر جحا لم يتعدى العشرون عام.

في داخل الخليط الشيعي ان صح التعبير، يختلف الموالين الشيعة بطريقة اعتقادهم لقضية الحسين فالبعض يرى ان الحسين عزاء ينصب، ودموع تذرف، وهامات تطبر صبيحة يوم العاشر من محرم، حيث يغض الطرف عن اهم المباديء التي خرج لاجلها الحسين وكأن مصيبة الطف تنحصر بعشرة ايام، ومنارة تشق كبد السماء تشيد بكربلاء، والبعض الاخر يرى ان القضية الحسينية اكبر من مفهوم البكاء والعويل ولطم الصدور، فيذهب برأيه الى ابعد من ذلك، متخطا الحدود الحسينية، يتقمص دور “عمر بن سعد” فيتعالى عن أجر عزاء الحسين، ويفشل في تطبيق مبادء الثورة الحسينية، اما الصنف الاخير فهم اولئك الساعين لجمع المفهوم الحسيني بتطلعات مستقبلية، فيمني النفس بندب الحسين وتطبيق مبادئه على ارض الواقع، فلا عبودية ولا خضوع لمن هو ظالم مستبد.

بعد ان اضمحلت المفاهيم المحمدية، ودرست النصوص القرآنية بطريقة لغوية، دون النظر الى محتوى الايات البينات، كان لابد من تمزيق خيوط العنكبوت و بزوغ شمس الرسول من غار حواء، خرج الحسين بركب لايزال مستمر منذ سنة 61 هجرية الى لان ومابعد ذلك للمستقبل، فلو كانت ثورة الحسين على حكم طاغية عصره، لانتفى ضرورة القيام الهاشمي، بسقوط حكم يزيد، وانتهى دور السبايا برجوع الى الشام، ولكن ما وضعه الحسين هو ختام لرسالة النبي الاكرم، لذا وضع شهيد نينوى منهاجا واضحا وطريقا معبدا، لمن اراد ان يسلك درب النجاة، والخروج عن مفهوم الروتين في قضية كربلاء.

هل ان مفاهيم الثورة الحسينية توازي تولد الحكم الجائر، وتقتصر على بذل الدماء وصولا للغاية المطلوبة، في عالم يعج بالتغير الحضاري والتطور التكنلوجي، لابد ان تتطور رؤانا لقضية الحسين، واعادة النظر في محتوى المضمون، فلم تنحصر الاعراض عن ارتكابي الذنوب وابتعاد عن معصية الخالق في عدة ايام من السنة! لندع الامر يتعدى الى ابعد من ذلك، وتستمر الى يوما غير معلوم، يوم تسترجع الامانات الى الله، لماذا تتحابب القلوب وتجمع تحت خيمة عزاء ابا الاحرار في ايام عاشوراء فقط! لندع الاحقاد جانبا ونستمر بقلوب نقية طاهره متحابة في حب الله. لماذا يطعم الفقير وتبذل اصناف الطعام في ايام عاشوراء فقط؟ لندع السفرة الحسينية تستمر للسائل والمحروم على مدار فصول السنة، فلا يشار الينا بقول الرسول صل الله عليه واله( ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به )

ان مفهوم ثورة الحسين والتبرك باسم اتباع الحسين لا يتقصر على اشهار السيوف او بذل الدماء في سبيل الله، لثورة الحسين جوانب عديدة، وابواب مختلفة، فبناء مجتمع اتخذ من منبر الحسين، كمدرسة يستمد منها الدروس، اطعام الفقير، وبر الوالدين، واصلاح ذات البين، وتربية ابنائنا على خلق علي الاكبر، في ايام يضج فيها الانحدار بالمستوى الخلقي، وان نكون متعاونين على البر والتقوى كما نتعاون كل عام على خدمة الناس في المواكب الحسينية فتلك هي بحد ذاتها، بصمة نتركها للاجيال ستأتي بزمان ليس زماننا، وما نيل المطالب بالتمني.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here