ما هو ثمن قتل الشعب الكوردستاني هذه المرة؟

شروط وتصريحات حكومة بغداد ومعها قادة الحشد الشعبي في التعامل مع استفتاء اقليم كوردستان ونتائجه غير واقعية ولا تبشر بالخير ابدا، حيث ما زالت، حكومة بغداد، على رأيها في التمسك بالشرط التعجيزي بالنسبة لاقليم كوردستان الا وهو الغاء الاستفتاء ونتائجه!، اضافة الى رفضها للمبادرات التي قام بها رئيس البرلمان ونائبي رئيس الجمهورية واعتبار هذه المبادرات بالشخصية والاتية من خارج الحدود والحكومة غير ملزمة بها ولا تضع لها اي اعتبار، وهذا الموقف المتشدد يؤكد للجميع ويثبت لنا نحن العراقيين بان حكومة بغداد مصرة على ارضاخ كوردستان لقراراتها واطاعتها بصورة عمياء دون اعطاء فرصة للتفاوض او حتى النقاش، وبذلك يبدو ان طبول الحرب ستدق من جديد خصوصا وان تركيا وايران تدعمان حكومة بغداد في قمعها لشعب كوردستان.

نعرف جيدا ان العلاقات الدولية مبنية على المصالح، وان هذه العلاقات عندما تتغير بدرجة كبيرة في مدة زمنية قياسية، كما يحدث الان في العلاقات بين تركيا من جهة وايران والعراق من جهة اخرى، فان هناك شيء كبير وخطير يحدث ما وراء الستار وان ثمن هذا التغير الفجائي في العلاقات ثمنه باهض جدا.

بالرجوع الى التاريخ العراقي الحديث والتمعن في مسببات الاحداث ونتائجها، نلاحظ ان اكبر واهم اسباب عدم استقرار العراق كان عدم ايجاد حل جدي ومثالي للقضية الكوردية، وهذا كلف العراق مالا لا يقدر وارواحا لا تحصى، فبالاضافة الى زج الجيش العراقي في قتال مع الاحزاب الكوردستانية، فان القضية الكوردية كانت من اهم الاسباب التي ادت الى دخول العراق في حرب مدمرة طويلة استنزفت العراق ماليا وحصدت من كل بيت عراقي، تقريبا، روحا فتية طاهرة وبريئة اقتيدت الى الموت كرها ( القصد هو الحرب العراقية الايرانية التي اندلعت اثر الغاء اتفاقية الجزائر الموقعة بين الطرفين لضرب الثورة الكوردية).

ففي عام 1975 تم عقد اتفاقية بين العراق وايران سميت باتفاقية الجزائر ووقعت بين نائب الرئيس العراقي آنذاك (صدام حسين) وشاه ايران (محمد رضى بهلوي) وباشراف رئيس الجزائر (هواري بومدين)، وكان هذا الاتفاق ينص على اعتبار نقطة خط القعر كحدود مائية بين الدولتين، ونقطة خط القعر هي النقطة التي يكون فيها الشط باشد حالات انحداره!، وبذلك رضخ العراق للشروط الايرانية وتنازل عن حقوقه في جزء لا يستهان به من مياهه الاقليمة لايران، ام الهدف من هذا الاتفاق كما هو معلوم فكان ضرب الثورة الكوردية وحصرها من عدة محاور ووقف دعم شاه ايران لهم، اي ما معناه تنازل الحكومة العراقية عن حقوقها وسيادتها لدولة اخرى لضرب شعب كوردستان والذي هو جزء من الشعب العراقي.

ما يحصل اليوم في العلاقات التركية العراقية والتركية الايرانية، يشبه كثيرا ما حصل في 1975 لكن باختلاف صغير، فما حصل في 1975 كان علنيا ورسميا وتم باتفاق وتوقيع البلدين بحضور واشراف رئيس دولة اخرى وكان مكشوفا للجميع، اما ما يحدث اليوم فهو مخفي ومستور وغير معلن ولا احد يعرف الثمن هذه المرة غير المتفقين عليه، فليس هناك من استثناء في عدم معرفة نوع وطبيعة العلاقات الباردة والمتوترة بين تركيا وعراق وايران التي تحولت بين ليلة وضحاها الى علاقات ودية وتحالفات عسكرية لمحاصرة شعب كوردستان وضربه على اثر استفتاء الاستقلال الذي قام به!.

ليس خافيا على احد حجم وطبيعة المصالح التركية في اقليم كوردستان التي لا يمكن ان تستغني عنها بسهولة دون مقابل، ربما يكون هناك مخاوف تركية وايرانية من قيام خطوة مماثلة من قبل كورد هذه الدول لكن هذا لا يبرر كل هذا التصعيد والتهديد والتحشيد ضد كيان لم يولد بعد، مع كل الممارسات والتأكيدات الكوردية بان هذا الكيان لن يكون عامل تهديد لاي من هذه الدول، اضافة ان قطع العلاقات التجارية مع اقليم كوردستان يضر بتركيا قبل ان يضر باقليم كوردستان، لذلك لابد، بل ومن المؤكد، ان الحكومة العراقية قدمت بدائل اكثر اهمية واكثر ربحية لتركيا لغلق الحدود والتوحد ضد تطلعات وارادة الشعب الكوردستاني ( هناك تسريبات اعلامية تؤكد ان الجانب العراقي سيعوض تركيا عن الخسائر المادية الناتجة عن غلق الحدود وايقاف عملية تصدير النفط، والايام وحدها ستكشف حجم الثمن الان ومستقبلا ).

كان يمكن للحكومة العراقية بدل تكرار اخطاء وممارسات الماضي ضد شعب كوردستان ان تدعو الى حوار جدي وبناء يحفظ الارواح ويصون سيادة العراق دون تدخلات خارجية تؤجج الصراع وتبقي ابناء العراق منشغلين بالصراع والتقاتل فيما بينهم بينما دول الجوار تتهنى بخيراتهم.

كوهر يوحنان عوديش

[email protected]

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here