شناشيل غزال البرلمان وأرنب الشعب!

عدنان حسين

[email protected]

ما انفكّت الطبقة السياسية المُمسكة بالسلطة وبرقابنا منذ 2003 تتفاخر، وتواجه معارضيها، بأنها تمثّل الشعب لأنها مُنتَخَبة منه، لكنّ هذه الطبقة بدلاً من أن تتجاوب مع رغائب الشعب وتحقّق له تطلّعاته، تتعامل معه على وفق قاعدة ” تريد أرنباً خذ أرنباً، تريد غزالاً خذ أرنباً”.
نظام المحاصصة مثالاً، وتشكيل مفوضية الانتخابات مثالاً محدّداً راهناً.
منذ اندلاع الحركة الاحتجاجية المطالِبة بالإصلاح في شباط 2011، لم يبقَ أحد من أفراد هذه الطبقة، نائباً أو وزيراً أو مديراً أو عضواً في قيادات الأحزاب والقوى وائتلافاتها وتكتلاتها، إلّا أكّد وأعاد التأكيد أنّ نظام المحاصصة هو سبب البلايا التي نواجهها وتتكاثر وتتفاقم السنة بعد الأخرى، وأنه لا مناص من وقف العمل به .. بالطبع، كلّهم كاذبون مع سبق الإصرار والترصّد، فحساب الحقل لا يطابقه حساب البيدر.. منذ ذلك الوقت حتى اليوم مرّت هذه القضية بعشرات الاختبارات، وفي كلّ مرّة كانت هذه الطبقة تُعطي الدليل الأكيد على أنها متشبثة بالمحاصصة بالأظافر والأنياب، فلا أحد غيرها في أيديه وضع حدّ لنظام المحاصصة.
تشكيل الحكومات يتمّ على وفق نظام المحاصصة.. التعيينات في مناصب الدولة الداخلية والخارجية محاصصاتي بامتياز، وكذا تشكيل اللجان البرلمانية والوزارية، والهيئات الموصوفة في الدستور بأنها ” مستقلة” ويتوجب كفالة واحترام استقلاليتها، كما استقلالية القضاء، تُنتَهك استقلاليتها بأوضح الصور. .. ومفوضية الانتخابات، مرّة أخرى، مثال صارخ.
المفوضية السابقة انتهت ولايتها، وكان من المفروض تشكيل مفوضية جديدة قبيل حلول موعد الانتهاء.. أحد المطالب الرئيسة للحركة الاحتجاجية الشعبية المتواصلة منذ تموز 2015 هو تشكيل المفوضية الجديدة بعيداً عن المحاصصة. لماذا؟ لأنّ الناس تعرف أنّ المفوضية السابقة التي تشكّلت على وفق نظام المحاصصة زوّرت إرادة الشعب بتلاعبها بالعمليّة الانتخابيّة ونتائجها لصالح الأحزاب التي يمثّلها مسؤولو المفوضيّة.
بالضدّ من مطالب الشعب التي وجدت لها صدى داخل مجلس النواب، تعمل بعض كتل البرلمان الآن على تعويق تشكيل مفوضية جديدة مستقلة.. إنّها تصرّ على التشكيلة الحزبية لها. ومنذ أسابيع تجري عملية عرقلة للتشكيل الجديد للمفوضية، فالمحاصصاتيون يريدون الاحتفاظ بالصيغة المحاصصاتية التي جرى تجسيدها في ” لجنة الخبراء” التي اختارت ممثلين حزبيين للمفوضية الجديدة، وبخلاف هذا فإنها تهدّد بالتمديد للمفوضية المنتهية ولايتها والفاقدة صلاحيتها وشرعيتها لسنة أخرى، أي أنها تريد إجراء الانتخابات البرلمانية والمحلية التالية، في العام المقبل، بتنظيم وإشراف من المفوضية منتهية الولاية، كيما يُعاد إنتاج الطبقة السياسية الحالية المنتهية هي الأخرى صلاحيتها وشرعيتها .. أي أننا مخيّرون بين الأرنب والأرنب فحسب، أمّا الغزال فهو حصة الفاسدين سرّاق المال العام الساعين للبقاء في السلطة وحماية أنفسهم من المساءلة والحساب المتوجب عن كل ما تسبّبت به هذه الطبقة للعراق والعراقيين من كوارث ومحن على مدى أربع عشرة سنة.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here