5 اضواء على الدولة الفاطمية ح

بقلم د. رضا العطار

قلنا في الحلقة السابقة ان الخليفة الشاب الحاكم بأمر الله الفاطمي كان زاهدا متقشفا ولهذا منع شرب الخمور ودخول الحمامات بدون مئزر كما حرّم على النساء الخروج ليلا و السير وراء الجنائز.
وقد سجل التاريخ على الخليفة الفاطمي هذا انه اضطهد اليهود والنصارى واجبرهم على لبس ملابس غريبة ثقيلة كما هدم معابدهم وكنائسهم حتى وصلت اذاه الى كنيسة القيامة في القدس التي ساواها مع الارض، مما حدا بالبابا اريان الثاني رئيس كنيسة كليموت الفرنسية عام 1095 ان ينادي على مسيحي اوربا ان (ينقذوا) بيت المقدس من (براثن) المسلمين، فكانت بدأ الحروب الصليبية التي جلبت للعالم الاسلامي القتل والدمار طيلة مئتين عام.

كان الخليفة الحاكم بأمر الله شغوفا بالطواف ليلا والخروج الى الصحراء لرصد النجوم محاطا بموكب مهيب من رجال حاشيته، لكنه بدأ يقلل من عدد افراد حرسة تدريجيا الى ان انخفض الى اثنين فقط، وفي احدى الليالي طلع الى البادية وتوغل في العمق ولم يعد.
وقد ذهب المصريون في تكهنات عدة، فمنهم من قال بان الخليفة افترسته الضواري واخرون قالوا ان الخليفة تعرض الى حادث اغتيال وغيرهم اعتقد انه عرج الى السماء والبقية تصوروا انه دخل الغيبة وغاب عن الانظار وعلمه عند الله.

لم يخلف الخليفة المفقود ولدا يرثه في الخلافة، لكن اتباعه قالوا ان احدى جارياته كانت حامل وانها انجبت ولدا اسموه – الطيب – لكن هذا الولد هو الاخر دخل الستر وغاب عن الانظار. وهكذا ظهرت دعوة جديدة سميت بالحركة الطيبية، لكن اتباعها لم يتمكنوا من المكوث في مصر طويلا بعد ان خضعت البلاد لسلطة صلاح الدين الايوبي حيث اخرجهم منها. فذهبوا الى الهند واستقروا فيها نهائيا وعرفوا بعدئذ بطائفة البهرة وزعيمهم الروحي يعتبر نفسه من سلالة الطيب ويلقب نفسه ( سيدنا ). وللبهرة في العالم الاسلامي سبعة فنادق فخمة كبيرة، كلها تحمل اسم فيض حسيني. واحد منها في كربلاء المقدسة. فقد اقيم على رقعة واسعة من الارض تشرف على اريعة شوارع رئيسية، والفندق مفتوح طيلة ايام السنة تقوم بواجب الضيافة المجانية لجميع زوار البهرة القادمين من الهند.

وقد اتيح لكاتب السطور الفرصة بغية الاطلاع على جانب من الطقوس الدينية لهذه الطائفة عندما قدم زعيمهم الروحي الاعلى السيد محمد طاهر سيف الدين الى كربلاء في الاربعينيات من القرن الماضي مع مئات من اتباعه للمساهمة في مراسيم العزاء الحسيني الذي يقام ليلة العاشر من شهر محرم كل عام، وكان موكبهم متصفا بالزي الموحد: عمامة وملابس حريرية ناصعة البياض كل كان يحمل في يده شمعة بطول ذراع مزركش بالورود الشمعية زاهية الالوان، يرددون تراتيل دينية بصوت رخيم ولحن حزين، يبعث في نفوس المشاهدين احاسيس القدسية و الخشوع، كان موكبهم الطويل متسما بالوجاهة والرهبة. بيد ان عبارات ابتهالهم قد اختلطت بصخب المتهافتين من الاهالي.

كان الموكب تتقدمه كوكبة من سبعة رجال اشداء، يحمل كل منهم عمودا ثقيلا بقامة انسان مصنوع من الفضة الخالصة، ومزيّن بنقوش جميلة. فعندهم الرقم سبعة مقدس، تشير الاعمدة الستة الاولى الى اسماء ائمة الشيعة، بينما العمود السابع يرمز الى ( الامام اسماعيل )، واسماعيل هذاهو الابن المتوفي للأمام جعفر الصادق، (شقيق موسى الكاظم الذي لم يكن قد ولد بعد)، الذي يعتبره البهرة اماما سابعا لهم وبه يختمون عدد ائمتهم ولهذا سموا بالأسماعيلية.

* مقتبس من كتاب دائرة المعارف الاسلامية للباحث حسن الامين الطبعة الاولى المجلد الرابع بيروت 1990

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here