إبليس ..أول من أرسى دعائم نظرية (الفوضى الخلاقة)!!

حامد شهاب

كان الاعتقاد السائد لدى من كتبوا عن ادبيات الفوضى الخلاقة ان هذه النظرية بزغت في الولايات المتحدة عام 2003 على يد العالم الامريكي (مايكل ليدين) العضو البارز في المعهد الأمريكي (انتربرايز) الذي يعد حسب وصف بعض الباحثين بأنه أول من صاغ مفهوم الفوضى الخلاقة في التاريخ المعاصر!!

لكن الحقيقة هي ليست كذلك، بل ان باحثين تمعنوا في ثنايا هذه النظرية وأشكال فلسفتها وجدوها انها ولدت منذ ان بزغ فجر الكون، لغايات آلهية ربما .. !!

وفي اعتقادي ومن خلال البحث بين ثنايا بداية الخلق ، وبزوغ فجر البشرية فإن ( إبليس ) او ما يسمى بـ (الشيطان ) يعد اول من أرسى دعائم هذه النظرية منذ ان رفض الانصياع لأمر الخالق بالسجود لآدم، وقوله (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقتته من طين ) والحكاية المعروفة في الطريقة التي وسوس فيها الشيطان لحواء لاغواء آدم كي يأكل من شجرة التفاح ، التي حرمه الله عليه، والقصة المعروفة في القران الكريم!!

والفوضى هي استخدام عملية (تضليل وخداع ) وقد بدأ الشيطان بصياغة هذه النظرية لاغواء بني البشر بقوله (فبعزك لاغوينهم أجمعين) وهذه دلالة أكيدة على ان (الاغواء والتضليل والخداع والايقاع ) صفات تلازم الأشرار ومن لديهم اهدافا مريبة لحرف البشر عن الطريق المستقيم او طريق الهداية..وفي السياسة يعد خداع الاخر والايقاع به او خلق المتاعب امامه، من الاهداف التي يسعى اليها الاخر لعرقلة وصول خصمه او عدوه الى اهدافه المطلوبة.

وجهة نظر مسيحية

ويشير كتاب آخرون الى ان المصطلح كان قد عثر عليه في احد ادبيات الماسونية القديمة حيث ورد في اكثر من مرجع كما اشار اليه الباحث الامريكي” دان براون” وينسب الى الاب “ديف فيلمنج” بكنيسة المجتمع المسيحي في مدينة بتيسبرج ببنسلفانيا قوله ان الانجيل يؤكد لنا ان الكون قد خلق من الفوضى وان الرب قد اختار الفوضى ليخلق منها الكون وعلى الرغم من عدم معرفتنا لكيفية هذا الامر الا اننا متيقنون ان الفوضى كانت خطوة مهمة في عملية الخلق .

علماء نفس ..الفوضى الخلاقة تخدم تطور الانسان

ويؤكد مارتن كروزرز ( وهو مؤسس احد المذاهب الجديدة في علم النفس) ان الفوضى احد العوامل المهمه في التدريب والعلاج النفسي فعند الوصول بالنفس الى حافة الفوضى يفقد الانسان جميع ضوابطه وقوانينه وعندها من الممكن ان تحدث المعجزات فيصبح قادرا على خلق هوية جديدة بقيم مبتكرة ومفاهيم حديثة تساعد على تطوير البيئة المحيطة به .

ميكيافيلي مؤسس الفوضى الخلاقة

أما الكاتب توفيق أبو شومر فيعد ميكافيللي بأنه هو مؤسس نظرية الفوضى الخلاّقة !! ويقول الكاتب توفيق أبو شومر في موقع الحوار المتمدن أن ميكافيللي المتوفى عام 1527م إشتهر بأنه عميد المدرسة التي تُعرّف السياسة بأنها : ” فن الخداع والغش ” أو وهي بتعبير آخر [ فن الخساسة] .

أبو العلاء المعري سبق ميكافيلي بقرون

ويشير الكاتب توفيق أبو شومر الى أن أبا العلاء المعري قد وضع خلاصة هذه النظرية ” في سقط الزند” الذي قال عن الحكام والأمراء والرؤساء ومن على شاكلتهم إنهم : يسوسون الأمور بغير عقل ، فينفذ أمرهم ويُقال ساسة ، فأفَّ من الحياة وأفَّ منى ، على زمنٍ رياسته خساسة !

فلو شاع البيتان من وجهة نظر توفيق لتأكد بأن أبا العلاء سابقٌ على ميكافيللي بسبعة قرون على الأقل !

يقول ميكافيللي في كتابه [ الأمير] : الشجاعة تُنتج السلم ، والسلم يُنتج ، وا لراحة يتبعها فوضى ، والفوضى تؤدي إلى الخراب ، ومن الفوضى ينشأ النظام ،والنظام يقود إلى الشجاعة .

ويضيف الكاتب ” سأقتبس من ميكافيللي أقوالا أخرى تؤكد مذهبه النفعي في السياسة ، وتؤكد ريادته للسياسيين في عصرنا :

” الدين خير وسيلة لتعويد الناس المفطورين على الشر للخضوع للقانون ، فعلى ( الأمير) أن ينشر الدين ،ويظهر بمظهر الورع ،وهذا أفضل من أن يتصف بالأخلاق الحميدة ، ومن الخير للأمير أن يتظاهر بالرحمة والتدين وحفظ الوعد والإخلاص، ولكن عليه أن يكون مستعدا للاتصاف بعكسها ”

وميكافيللي بالطبع درس آثار سابقيه ودرس كتابات معاصريه ، واستفاد من جمهورية أفلاطون ومباديء سقراط وأرسطو وكل الفيثاغوريين ، ثم إن ميكافيللي نجح في اختيار المباديء التي تصلح لكل عصر وأوان ، وهو أيضا أحسن في صياغتها في قوالب لغوية سهلة وميسورة ، وربما تشكل الإجابات السابقة أساسا لفهم ريادة ميكافيللي [ لفن ] الحكم .

وليس عندي شك في أنه استفاد من مقولات سابقيه ، فأرسطو مثلا نصح أهل أثينا قائلا لهم :” لابد أن تكونوا متدينيين لأن في بلادكم معابد كثيرة !

وهذه المقولة تصلح كما يقول الكاتب أن تكون هي أساس استخدام الدين أيضا استخداما نفعيا ، فقد اهتدى أرسطو بفعل قراءاته إلى أن [ الربح] الاقتصادي والتجاري يقتضي التمسك بالدين ! ولا يغيب عن كثيرين ما في مقولة أرسطو من معانٍ عديدة.

نظريات الفوضى الاميركية

عدت الفوضى الخلاقة آخر تجليات العقل الاستراتيجي الأمريكي في ظل سيطرة تيار الصحوة المسيحية الإنجيليين، وهي نظرية اليمين الأمريكي لفتفتة الأرض العربية توارت بأفول حقبة بوش

وتشير ادبيات الفوضى الخلاقة المعاصرة الى مصطلح (الفوضى الخلاقة) يرجع تاريخيا الى (مايكل ليدن) العضو البارز في معهد (اميركا انتربرايز) المعروف بكونه قلعة (المحافظين الجدد) ومايكل ليدن هو احد اصحاب النفوذ في دائرة المحافظين الجدد، وارتبط اسمه بعد الحادي عشر من ايلول 2001 بنظرية ( التدمير البناء ) وهو مشروع التغيير الكامل في الشرق الاوسط الذي يشمل اجراء اصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية شاملة في كل دول المنطقة.

وتنطلق نظرية الفوضى الخلاقة من فكرة قوامها ان الوضع في منطقة الشرق الاوسط غير مستقر، وان الفوضى التي تفرزها عملية التحول الديمقراطي في البداية هي من نوع (الفوضى الخلاقة) التي ربما تنتج في النهاية حسب رأي غوندليزا رايس (وزيرة الخارجية الاميركية السابقة ) وضعا افضل مما تعيشه المنطقة حاليا.

وقد اجرى البروفسور توماس بارنيت احد اهم المحاضرين الرئيسين في وزارة الدفاع الاميركية، منذ ايلول سبتمبر 2001 بعض التطويرات على نظرية (الفوضى البناءة) فقد لخص رؤيته لما كان يعرضه في البنتاغون في دراسته التي اعطاها عنوان(خريطة البنتاغون) المنشورة عام 2004 وحدد بارنيت الشرق الاوسط كمنطقة للبدء بتطبيق الاستراتيجية الجديدة.

خطط كيسنجرية

من جانبه أكد السفير أحمد الغمراوي سفير مصر السابق في أفغانستان أن موضوع الفوضى الخلاقة صناعة صهيونية. وأن ما أعلنته وزيرة الخارجية السابقة غونداليزا رايس كان ضمن مخطط عام يخطط له كيسنجر الذي كان مستشارا لبوش ومجموعة الصهيونية العالمية التي كانت مسيطرة على القرار، ولذلك موضوع الفوضى الخلاقة مازال مستمرا.

الخلاصة

من هذا يمكن الاستدلال الى ان نظرية الفوضى الخلاقة قديمة قدم الكون وقد بزغت مع نشأته لكن افكارها تطورت من فترة لأخرى حسب مجالات توظيفها، وقد كان الزمن الاميركي في العصر الحديث وعهود الهيمنة الامريكية هي من استوجبت الاهتمام بهذا العلم الحيوي الذي بحاجة الى مزيد من الاهتمام لكشف تأثيراته الخطيرة على مستقبل منطقتنا العربية على وجه التحديد، وما يجري في العراق وبعض دول المنطقة الا شاهد على مدى ايغال الساسة الامريكان في اشاعة اجواء الفوضى وحالات الاحتراب والتفتيت للدول والكيانات المجتمعية، والعمل على اثارة الفتن والحروب بين مكوناتها.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here