“النزيل”.. أوّل نجاح لهيتشكوك في العشرينيات

ترجمة: عادل العامل

كان يدهشني فيما مضى، يقول كولين فليمنغ، إن أميركيين كثيرين يرون كما يبدو أن ألفريد هيتشكوك مجرد رجل انكليزي ممتلئ الجسم انتهى به الأمر بطريقةٍ ما في هوليود وبدأ يصنع أفلاماً هناك. وقد عبر هيتشكوك البِركة وعمل فيلم “ريبيكا” عام 1940، ثم أخرج مجموعة من أعمال الإثارة مثل “المخرب” و”ظل من الشك” على مدى ذلك العقد، الذي أعقبته الخمسينيات الذهبية والنجاح المذهل لعدد من الكلاسيكيات: النافذة الخلفية، الرجل الذي عرف أكثر من اللازم، الدوامة، سايكو، والطيور.
لكن قبل وصول هيتشكوك إلى الولايات المتحدة، فإنه قضى عقداً ونصف من الزمن يصنع أفلاماً في انكلترا. وكان فيلما “الخطوات الـ 39″ (1935) و”السيدة تتوارى” (1938″ على درجة كبيرة من الدراماتيكية كأيّ شيء في السينما ومفعمين بالسحر الكامن الذي سيكون مألوفاً لجمهور المشاهدين فيما بعد.
وقد أطلقت شركة Criterion Collection الآن، لحسن الحظ، نسخة مخزونة من “النزيل”، وهو فيلم من عام 1927 كان أول نجاح لهيتشكوك، وبذلك يمكن للمعجبين اليوم الاستمتاع باكتشاف تطوره المبكر كمخرج. ولنبدأ بحقيقة أن “النزيل” فيلم صامت. وأي واحد مطلع على أفلام هيتشكوك يعرف مفهوم “السينما الصافية pure” في نتاجه، الذي يؤكد على الحركة والتركيب البصري. ولنا أن نتأمل كيف يُعَد وضع جيمي ستيوارت بسهولة في بداية فيلم “النافذة الخلفية”، ونحن ننتقل إلى داخل شقته، ونرى كرسيه المتحرك والأثر الذي على ساقه، ثم نلاحظ أن شخصيته تمتلك نوعاً من معدات الكاميرا التي يستخدمها المصور الفوتوغرافي الصحفي، ثم نرى صوراً التقطها في مواقع خطرة متنوعة، ثم نرى بعض المجلات التي صوّر أغلفةً لها. وذلك كلّه سلسلة متعاقبة من دون صوت، منفَّذة جيداً إلى حد أنك ستفترض بحقٍ أن هناك وراء ذلك أستاذاً كبيراً في صناعة السينما الصامتة.
والمادة المصدرية لفيلم “النزيل” هي رواية بالعنوان نفسه، حيث تؤوي عائلة نزيل لديها يتّسم بأحوال غريبة، فهو يأتي ويروح في أوقات غير اعتيادية، ويبدو كأنه تلميذ طب، ويظهر عليه دم أحياناً ــ فيصبح أفراد العائلة يتساءلون عما إذا كانوا قد أنزلوا لديهم واحداً من أسوأ القتلة شهرةً من انكلترا، من نوع جاك المغتصب في المستقبل. ونجد ابنة البيت، ديزي (جون ترِب)، في الفيلم، شقراء ، تماماً كضحايا القاتل. ونرى، وقد بدأت ترتاح للنزيل الغريب الأطوار (آيفور نوفيلو)، إلى مودتهما المتنامية تصير مصدراً لاندهاش والديها ولغيرة عاشقها السابق (مالكولم كين) ــ الذي يصادف أنه شرطي معيَّن للعثور غلى القاتل.
ولقد كان مثلث الرعب، والشك، والحب هذا، بالنسبة لهيتشكوك وهو في سن الـ 26 عاماً، تركيبةً لا يمكن مقاومتها. وكان قد عمل بقدرات متنوعة في أفلام أخرجها آخرون وأخرج هو نفسه فيلمين لم يكونا قد أُطلقا للعرض في بلده، لكنه لم يكن قد نال الفرصة بعدُ لإعطاء صوت لجانبه السينمائي الأكثر فلسفيةً وشاعريةً. وقد شهدت علاقته العملية باستوديو التصوير شداً وجذباً بينهما فكل منهما يود إنجاز ما يراه مناسباً له، لكن النتيجة النهائية كانت جديرة بذلك. وحين عُرض “النزيل” لأول مرة في عرض مهني في أيلول 1926، حظي بكتابات متحمسة، ووافق الاستوديو على إطلاقه عام 1927 إضافةً لفيلمي هيتشكوك اللذين لم يُعرضا في السابق.
في الفنون، لا يبدو الكثير من أفضل الأشياء أنه هكذا. ويمكن أن تجعلنا أحسن الكتب، على سبيل المثال، ونحن نقرأها، غير مدركين تماماً أننا نقرأ؛ إنها ببساطة تحملنا وتمضي بنا قُدُماً. كما أن فيلم هوارد هوكس البليغ، بحواره الداخلي الوافر، لا يبدو أبداً كثير الكلام؛ بل يبدو غامراً، كأننا نجلس مع الشخصيات، متكئين، ننتظر فرصتنا للتحدث. وهكذا هي الحال أيضاً مع “النزيل”. وقد يجد مشاهدو اليوم في الأول أن هناك مبالغة في التمثيل ــ خاصةً النجم البارع نوفيلو، الذي سوف يستدعي حضوره للذهن بكونه النزيل أيَّ عدد يعرفه الواحد من مرعبي الأفلام، قبل أن تجرفه القصة.
وأخيراً، فإن الفيلم الذي أطلقته Criterion الآن لا يشبه تذكار 1927؛ فهو ترميم له قامت به قبل سنوات قليلة دائرة الأرشيف الوطني التابعة للمعهد السينمائي البريطاني. وهو أكثر نظافةً وثباتاً بكثير، وبالأسود والأبيض، بالطبع، لكنه حيوي بألوانه بفضل التدرج اللوني الذكي، البرتقالي في بعض المشاهد، والأزرق في الأخرى.
 عن: The weekly standard

المدى

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here