سلاما يا سماء بودابست يا واهبة شمس الخريف الوديعة و الساطعة

سلاما يا سماء بودابست يا واهبة شمس الخريف الوديعة و الساطعة !

متشحة قامتي المديدة بعباءة خريف متوهجة باصفرار غسيلها المتساقط كشلالات ذهبية ، أجوب حدائق بودابست و ضفاف دانوب الوديعة والمنتظرةكأم حنونة بأحضانها الدافئة ، أمضي بجبين عال و شامخ ، أمضي هوينا ، بخطوي المسترشد بفناراته البعيدة ، تداعبه أصابع شمس فتية ومترعة بنورها الدافئ والمتدفق بكرم غير محدود ، وهو يشّع في عيني الجذلتين فرحا وسرور ، كعيني عاشق ولهان ، تاركا جسدي يغطس متنعما في بحيرة متموجة من أشعة دافئة تهطل عليّ كباقات متلئلئة ، لتغمرني بدفئها و حنانها كقبلات حبيبة حنونة ، في وسط هذا الخريف اللطيف بوداعته الخجولة و تردده المرتبك وابتسامته المشرقة ــ على غير عادته في الفصل المعروف بتجهمه وعبوسه الموسمي ــ كأنما ليمنحنا مزيدا من وقت لنتنعم ببقايا صيف جميل قد أُجبر على الرحيل منذ أسابع غابرة ، ولكنه سرعان ما عاد مشرقا ، ساطعا بمودة عارمة.
صيف قصير العمر و لكنه حنون و كريم في هذه المرة ،:
صيف يسمونه الهنغار بصيف الكهول والعجائز !.
فأهتف مع نفسي منتشيا ، كنشوة صوفي يستوى ذائبا في نور الله و أنا أحتضن جسد شمس الخريف المنفلتة هه من بين ذراعيّ وهي تنطلق مقهقهة كطفلة سعيدة ، فأهتف :
ـــ فيا لهذا البذخ العظيم والترف الملكي لشمس الخريف الزاخرة بدفئها و أشعتها الغزيرة ، وهي تفتح نوافذ و شرفات صباحاتنا بألق حضورها النوراني المبارك ، لتصبح أمزجتنا رائقة ومبتهجة ، و جذوة وجودنا متماوجة و مشعة في شعلة أبدية ترافق وجودنا حتى نهاية مشواره ، وتفتح شهية حياتنا برغبات وجوع على كل ما هو جميل و لذيذ وطيب ورائع في الكون .
فسلاما يا سماء بودابست يا واهبة شمس الخريف الوديعة والساطعة الدافئة .

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here