الجمر تحت الرماد ولا بدَّ من حل.

توفيق الدبوس
تساءل المتابعون للشأن العراقي.ماذا بعد داعش؟.فمبدأ الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد لازال عالقاً في الأذهان ونظرية بايدن لتقسيم العراق لم تغب عن الذاكرة .والعراق هو لبُّ الشرق الأوسط .لموقعه الجغرافي وخزينه من الثروة النفطية والزراعية, وثروة بشرية وعقول علمية متميزة.
ولكن السيد مسعود البرزاني الفاقد الشرعية كرئيس إقليم إستبق الجميع, ورمى كرة النار بوجه العراقيين . التي تضخمت وعلى هديرها, بعد إنضمام جماهير واسعة من الأشقاء الكرد لصخبها. فقد أوهمتهم البروباغندا الأعلامية المضللة. بأن هذا الأنفصال لمصلحة الكرد. ويحقق لهم حلمهم المشروع, بإقامة دولتهم. ولم ينبرِأيٌّ من ساستهم لتوضيح خطورة هذا الأمر في هذا الوقت, وما ستقوم به دول الجوار من إجراءات تضر بهم . فأعلن السيد البرزاني بعنادٍ وإصرار مشروع إستقلال الكرد عن العراق. مستغلاً التشتت السياسي العراقي .وضبابية دول الجوار ومكر الدول الكبرى ومصالحها في المنطقة. ظاناً إن الدعم الأسرائيلي لهذا المشروع كفيلاً بإنحياز الدول الكبرى , ومن يسير بركابها من الدول العربية التي هجرت إنتمائها العربي, بعد أن عمت الطائفية أبصارحكامها .ولكن حسابات حصاده لم تتفق مع حسابات الحقل والبيدر.وخسر مسعود حلمه بالسلطنة البارزانية. وخسرت إسرائيل حلمها بالإقتراب جغرافياً من إيران عدوتها اللدود. لتعمل على تخريب أمنها القومي و تغييرَ نظامِها .
كثيراً ما ينظر المزارعون إلى حقولهم بعين الرضا وهم يتوقعون محصولاً غزيراً يعوضهم عن خسارة أعوامٍ ماضية، فظاهر الأمر يدل على ذلك. ولم يكن في حسبانهم قط ما تخبئه الأيام من مفاجآت مدمرة. فقد تغيَّر الجو فجأة وهبت ريح عاصفة وأعاصير وتساقط المطر مدراراً ليتحول إلى سيول جارفة اكتسحت في طريقها مشاريع زراعية علَّقت الدول والجماعات والأشخاص عليها الآمال.
وينتقل سوء التقدير لحسابات البيدر وفق حسابات الحقل إلى السياسة . وهنا يكون خطره أكبر وتأثيره أعم وأشمل حيث أنه يَجِرُّ في كثير من الأحيان إلى ويلات ومآسٍ كثيرة لان الأمر هنا يشمل مساحة كبيرة ومهمة من الواقع.وهذا ما حصل مع السيد البارزاني ومن لفَّ لفه.
لم يَقدُمْ السيد مسعود على خطوته الخطيرة هذه لولا إنه تغولَ وتعاظمت طموحاته الغير مشروعة. عندما غضت النظر عنه الحكومة والسلطة التي هيمنت عليها أحزاب دينية وطائفية. كي يسهل عليها الأستقواء على بعض مكونات الشعب الأخرى. فتفردت وتصرفت كيف ما تشاء . فقرَّبت من تشاء وأقصت من تشاء دون حساباتِ كفاءةٍ أو وطنية.وإجتثت من ترى مصلحتها في إجتثاثة وغضت النظر عن الأقارب والمحسوبين والمنسوبين والحواري. فإستمْكَنَ السيد البارزاني وتمكنَ وتوسع نفوذه. وبسط سيطرته على أراضٍ ليست من أراضي الأقليم. وقمع مجلس نواب الأقليم ومنع رئيس المجلس من دخول أربيل والوصول لقبة المجلس. وصادرَ الحريات. وحاول خنق الأحزاب المعارضة. وتسلَّط على الأقليم. كما إستفردت بعض الكتل السياسية في بغداد ,وهيمنت على ثروات العراق ووظائف الدولة. وهكذاإستفرد البارزاني بثروات النفط ووضعها في جيبه وجيب حزبه وعائلته . وإستأثر بالسلطة. فصار سلطاناً لا رئيساً بالمعنى المدني المتحضر .فالسيد مسعود لولا سوء تصرف الأحزاب الدينية ونفاقها ولولا الدعم الخفي والتنسيق مع إسرائيل ودول أخرى دولية وإقليمية ما كان يجرؤ على فعلته, التي أضرت أخوتنا الكرد قبل غيرهم من مكونات الشعب العراقي.
وكانت نتائج الأتفاقيات السرية إنسحاب البيشمركة من كركوك والمناطق المتنازع عليها, ودخول القوات الأتحادية كركوك وسنجار و آلتون كوبري على مشارف أربيل. وسيطرت على آبار النفط وحقوله .كل هذا حدث بعد أن راجعت الدول الكبرى حسابات مصالحها التي ستتضرر حتماً, بإشتعال المنطقة الحساسة الغنية بالنفط, وما يترتب عليه من أزمات إقتصادية تعتري العالم كله ودول الغرب خاصة.وخاب ظن البارزاني وبقي وحيداً في الساحة بعد أن خذله عامة الكرد.
والآن ماذا بعد هذا؟ والجمر تحت الرماد. فهل يأمن الساسة أن تلتهب مناطق أخرى في العراق وتنحو منحى البارزاني أو أكثر ؟وهل سيسكت الشعب العراقي الذي شُرِّدَ في المنافي والمهجر ومخيمات اللجوء؟هل يثق الشعب بزمر سياسية جاءت مع الأحتلال. وسرقت قوت الشعب. وخربت البلاد, وأذاقت الشباب الويل والبطالة واليأس, الذي تسبب بإنتشارتعاطي المخدرات والرذيلة والفسق والفجور واللصوصية والخطف والأبتزاز بمسمعٍ ومرأىً من المسؤولين ؟وهل سيسكت الشعب جراء إنتقاص دول الجوار لسيادته وكرامته والتجاوز على أرضه ومياهه وسمائه؟.وهل سيسكت المهمشون ؟
الجواب واضح فلا ثقة للشعب بهذه الكتل التي قادت البلاد لما فيه اليوم. ولم يعُد مُتَحمِّلاً لكوارث أخرى .فلا بدَّ إذن من الحل .ولا بدَّ أن يضع الشعب هذا الحل من خلال مفاوضين مستقلين أكاديميين ذوي كفاءة ووطنية خاصة تمثل كافة مكونات الشعب ,بمشاركة جادة أو رعاية من المرجعية الدينية التي يثق بها الشعب وينصاع لها .ولا بأس أن يشارك في هذا الحوار ممثلون عن دول محايدة وممثل للأمم المتحدة بصفة مشاورين وناصحين أو مُحكِّمين .فلا فائدة ترجى من حوار لا يتعدى تباوس اللحى والنفاق وإتفاقيات مبهمة على الورق. أساسها النفاق والدجل, والغاية البقاء في المناصب والهيمنة على الدولة ومواردها المالية.وهذا يشمل الأقليم وبقية العراق .فلم يعد السيد مسعود بارزاني ولا الأحزاب الكردية المتحالفة معه ممثلة للأشقاء الكرد . ولم تعد الحكومة العراقية ولا الأحزاب الممسكة بالسلطة هي منْ يمثل الشعب العراقي بالواقع حق التمثيل .لأن هذه الحكومة منبثقة عن مجلس النواب. وكلاهما لا يمثلان الشعب العراقي بواقع الحال. لأنهما حصيلة قانون إنتخابات ومفوضية إنتخابات وإنتخابات جرت بقانون غير منصف. كُتب وفُصِّلَ على مقاسات هذه الكتل, التي حكمت 15 سنة من الفشل والفساد والهزائم.
نعم نجح السيد العبادي وسجل في سجل العراق صفحة ناصعة من الوطنية. ولكنه وحدُه وفي ظل هذه المحاصصة القاتلة لا يتمكن من لجم جماح وجشع الأحزاب والكتل المتنفذة.وهناك كتلٌ وأحزابٌ لا تُحبُّ ولا تؤمن بالأنتقال السلمي للسلطة. ولا تعرف معنىً للديموقراطية والمشاركة في السلطة أو الأستماع لرأي الآخرين .ولم نجنِ منهم سوى الكلام المزوق البعيد عن الصدق والواقع.
وخلاصة القول نحن بحاجة لحوارٍشاملٍ شفاف. لكتابة عقد وطني إجتماعي جديد (دستور) واضح لا لبس فيه غير متعددِ التفسيرات. ليس بجامدٍ بل قابل للتعديل وفق المستجدات والظروف والتجارب .ولو بعد كل 5 سنوات. دستور يتضمن صلاحيات للحكومة الأتحادية ومجلس النواب الأتحادي بحلَّ برلمان و حكومة أي إقليم أو محافظة تخرق الدستور أو تتخذ أي إجراء مضر بسلامة الوطن ووحدته وأمنه .ومن حق الحكومة الأتحادية أن تدير هذا الأقليم أو المحافظة , بعد حل الأقليم المنفلت لحين إجراء إنتخابات جديدة فيه.كما في دول متقدمة كالهند واسبانيا.
قد يتطلب هذا وقتاً. والوقت الآن قصير فقد قربت الأنتخابات .ولكن يمكن إصدار قانون جديد للأنتخابات وتشكيل مفوظية إنتخابات مستقلة ثم حل البرلمان .وبقاء حكومة العبادي بعد تقليصها كحكومة طوارئ لحين إنتهاء الحوار المقترح وإتفاق كل الفرقاء على دستور جديد لا عيوب فيه . لنبنِ دولة مدنية جديدة وفق مفاهيم دولة مؤسسات المجتمع المدني .يَنتخب فيها الشعب ممثليه وفق قانون إنتخابات منصف ومفوضية إنتخابات بعيدة عن المحاصصة.دولة لكل العراقيين دون تمييز وتهميش تبتعد عن مفاهيم التهديد و الثأر والحقد والأنتقام والإجتثاث. دولة تُفَعِّل دور القضاء ومؤسساته. وأهمها دور المدعي العام .هكذا يبرد الجمر ويصبح رماداً وتشرق شمس السلام والمحبة والديموقراطية الحقة على عراق يساهم في بناء الحضارة. ودولة تُسْعِدُ شعبها لا تذِلُّه.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here