يفترض بالمواطن العراقي أن لا يخلط بين وطن و بين ساسة وزعماء ظالمين و فاسدين

يفترض بالمواطن العراقي أن لا يخلط بين وطن و بين ساسة وزعماء ظالمين و فاسدين

يمكن القول بلا مبالغة أن مجتمعنا العراقي يعاني في غالبيته من ضعف و هزال الوعي الوطني إلى حد يثير الدهشة و الاستغراب بالمقارنة مع شعوب عربية أخرى ..
بطبيعة يجب أن توجد ثمة أسباب و دوافع عديدة خفية تقف خلف ذلك ، وحسب اعتقادي ــ آملا أ أن أكون صائبا ــ بأن ثمة أبرز سببين ربما قد تقفان خلف هذا الضعف والهزال الوطنيين..
أولهما : الانتماء العشائري و القبلي العميق الجذور عند العراقيين و ثانيهما الانتماء الطائفي أو القومي الذي هو الآخر قوي الامتداد و الأواصر بين أغلب شرائح وفئات المكوّنات العراقية ، وهو الأمر الذي يلعب دورا في مواقف وانعطفات سياسية و تاريخية حادة وحاسمة تدفع أغلب العراقيين أن ينحازوا إلى انتمائهم العشائري او الطائفي أوالقومي أو حتى الديني أيضا ..
ولو أخذنا المسألة بالتدرج على هذا الصعيد لوجدنا العراقي ينحاز لعشيرته أولا و ثم إلى طائفته و بعد ذلك إلى دينه و أخيرا لوطنه ؟! ..
فمن هنا سهولة القبول عند البعض الكثير بفكرة تقسيم العراق وتشظيه دويلات كارتونية لتتحكم بها عائلات ” مقدسة ” ظلامية و إقطاعية متخلفة ، أو السكوت عن ذلك ــ كأضعف الإيمان ــ كنوع من قبول وتواطؤ بهذا التشظي والتشرذم البائسين للعراق .
أما السبب الثاني لهذه الضعف والوهن للوعي الوطني العراقي ــ حسب ما اعتقد و أظن ــ فربما يرجع إلى خلط المواطن العراقي بين العراق كوطن و بلد و بين حكامه الطغاة المستهترين والطائشين والظالمين والفاسدين الذين مروا على حكم العراق حتى الآن ، بحيث أن كرههم ونفورهم ، بل هم وخيبتهم أيضا ، من هؤلاء الحكام قد توسع ليشمل العراق بلدا و وطنا على حد سواء ، إلى حد جعلهم أن لا يأسفوا على تقسيم العراق و زوال وجوده التاريخي والعريق ..
بطبيعة الحال توجد هناك أسباب كثيرة و عديدة أخرى ، لكننا لا نبغي التوسع في عدها والاسهاب في تفاصيلها ، و ذلك احتراما لضيق وقت المتلقي ..
ولكن الأكيد أن العراقي ــ وهنا لا نقصد التعميم المطلق ــ لو تحتم عليه انحيازا و تضامنا و بغض النظرعن مستواه الثقافي والدراسي ــ أن يختار بين العراق كوطن وبين انكماش وتقوقع في شرنقة قوميته أو طائفته في رقعة ضيقة منفصلة ، فأنه سينحاز نحو طائفته أو قوميته في كل الأحوال داعما ومؤيدا وربما مقاتلا أيضا !! ..
بالرغم من علمه الجيد بأن ساسة و زعماء أبناء جلدته ليس بأفضل من غيرهم أن لم يكونوا الأسوأ إذا أصبحوا زعماء دويلات منقسمة ..
غير إن ذلك لا يمنعنا من أن نشير ــ بعجالة واختزال ــ في مقابل ذلك إلى قوة الوعي الوطني العظيم عند المصريين أو اللبنانيين وحبهم المطلق نحو بلدانهم : ففي مصر ــ مثلا وليس حصرا ــ تعرض و يتعرض الأقباط إلى مذابح متواصلة مصحوبة بحرق كنائسهم المكتظة ولعشرات مرة ومع ذلك نجد الأقباط المصريين أكثر الناس هناك حبا واعتزازا بمصر و تمسكا بوحداتها الوطنية وسيادتها الكاملة بحيث لا تخطر على بالهم فكرة التقسيم أوالانفصال ..
و كذلك الأمر بالنسبة للبنانيين الذي عاشوا حربين أهليتين فظيعتين ومرعبتين حقا ! ، آخرها دامت 17 عاما ، مع وجود حكم أمراء وعائلات طائفية مهيمنة وفاسدة حتى النخاع ، ومع ذلك نجد االبناني يشكو و يتذمر وينتقد نظام حكمه حينا و يسخر منه حينا آخر ، سواء علنا أو مبطّنا ولكنه مع ذلك لا يطالب بتقسيم اللبنان على عكس من كثير من العراقيين .
بلا ………………………….
ولو جرت عملية استطلاع للراي العام ــ ضمن التدرج الانتمائي الآنف الذكر ــ على صعيد هزال الوعي الوطني في البلدان العربية ــ فمن المحتمل جدا أن العراقيين سيكونون ــ كالعادة ـ في أسفل القائمة.
بينما نحن نعلم أن الأوطان المخربة لا تبني نفسها بنفسها ، أنما بسواعد وزنود أبنائها المخلصين ، وعندنا هنا ــ مثالا و ليس حصرا ــ ثلاث دولة مثل المانيا و اليابان وكوريا الجنوبية أكبر دليل على ما نقول .

مهدي قاسم

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here