التقارب العراقي السعودي عودة للعمق العربي.

بقلم : يوسف رشيد حسين الزهيري
ثلاث عقود انتهت من تدهور وتأزم العلاقات بين البلدين العراق والسعودية بعمق اتجاهاتها على مجمل العلاقات وكافة المستويات وخاصة بعد حدة التصعيد الطائفي وظهور الشبح الإيراني في المنطقة العربية بقوة فاعلة في العراق بعد احداث عام 2003 اثر سقوط النظام السابق وتتويج الاحزاب الاسلامية القادمة بقوة من ايران والمدعومة من قبلها والتي اعتبرها الجانب السعودي خطرا ايرانيا يهدد نفوذ المملكة في العراق وتوسع ايران وقوة تهديدها في المنطقة العربية وانعطفت تلك المرحلة انعطافة خطيرة لتشهد العلاقات المتوترة مرحلة اخطر وتصعيدا في المواقف اسفرت عن تدخلا مباشرا وغير مباشر في الشأن العراقي الذي وقع تحت تاثيرات الصدامات الطائفية والاضطرابات الداخلية .ضحية تصفية ونزاعات عقائدية وسياسية في صراعات القوى الاقليمية المؤثرة
وان التقارب العراقي السعودي الأخير الذي توج بلقاء العبادي والملك السعودي على هامش اعلان مجلس التنسيق للتعاون العراقي السعودي والتي سبقتها زيارة الزعيم العراقي مقتدى الصدر والتي تعتبر الزيارة المهمة في تاريخ العلاقات بين البلدين ليبدأ فصل جديد من العلاقات العراقية السعودية. وعودة للعمق العربي الاستراتيجي والثوابت العربية والاسلامية .
ان هذا الانفتاح الإيجابي على مستوى العلاقات العربية بعد ان كانت المملكة منغلقة سياسيا ودبلوماسيا مع الحكومة العراقية السابقة .وتغيير بمواقف المملكة بأتجاه الحكومة العراقية الحالية يمكن تحليل نهج هذه السياسة الجديدة في
نجاح حكومة العبادي في إيصال عدة رسائل اطمئنان طيلة فترة رئاسته الى سنة العراق . وخطابه السياسي المعتدل الذي انتهج مواقف التسامح والحب ونبذ الخلاف والعنف . كما كان للحكومة دورا كبيرا في اعانة النازحين من المناطق الغربية وتطهير اراضيهم وضمان عودة سلامتهم وتوفير امنهم . وهذا ما لوحظ ايضا حتى على طبيعة الخطاب السياسي المتغير الذي كان يتصف بالوحشية والعدائية جراء سياسات الحكومة السابقة لقادة وزعماء سنة العراق الذي كا ن خطابهم متناغما وناعما مع حكومة العبادي او متازرا في عدة مواقف مع سياساته الاعتدالية والوسطية .
رسائل مهمة لعبت دورها على بلورة مواقف ايجابية جديدة من قبل المملكة تجاه العراق وابرزها التظاهرات التي تبناها التيار الصدري وشعاراتها التي نددت بالتدخل الإيراني والفساد الحكومي والظاهرة الطائفية السياسية ودعت الى الوحدة بين صفوف الشعب فكرا وسلوكا . وهذا ما لوحظ حتى في اطار تحرير المناطق المحررة واستتباب امنها من قبل تشكيلات سرايا السلام التابعة للتيار الصدري التي تعاملت مع الجمهور السني في اعلى مفردات الاخوة والتعامل الانساني والاخلاقي .
بعد ان تخوفت المملكة من” تشكيلات الحشد الشعبي” وشنت الحملات الاعلامية المعادية عليه وصنفته ضمن قوات تابعة الى ايران لتصفية وابادة سنة العراق والسيطرة على المنطقة وان هذا التخوف جاء ايضا من تنامي قوة “الحشد الشعبي” واستعادة العراق عافيته بعد استعادة الموصل وكسر شوكة داعش على يد القوات العراقية بمشاركة فصائل الحشد الذي عارضت السعودية وجوده من الأساس وعلى الملأ.
ومع وجود فرض السيطرة العراقية وتنظيم الحشد وارتباطه بشكل رسمي برئاسة الوزراء وعودة النازحين بشكل تدريجي وأمن الى مناطقهم المحررة .وتعرض السعودية الى هجمات ارهابية مؤخرا اوجدت كذلك المصلحة في التعاون مع العراق للحد والسيطرة على هذا الوحش الهمجي الكاسر .وحيث لا ننسى الدور والعامل الأميركي في أن ترتيبات أميركية منذ عهد أوباما أذابت الجليد بين الجانبين ومهدت لزيارة الجبير الى بغداد والتي فتحت الباب أمام اعلان عزم السعودية اعفاء العراق من قروض متراكمة لها على العراق منذ الحرب العراقية الايرانية .
ومن البديهي جدا ان السياسة الأميركية الجديدة في عهد ترامب الذي يريد فرض الاستقرار في المنطقة مجدداً، بعد حسم أمره بمواجهة نفوذ إيران في المنطقة وكبح جماحها ومشروعها النووي .
ان تفهّم الطرف العراقي أنّ العمق الاستراتيجي له هو الجغرافيا العربية، وأن العراق بدأ يلمس عواقب تدخلات إيران المستمرة ، ما يجعله يقرر العودة إلى البيئة العربية بوصفه الخيار الأفضل. وتجلّت مناخات الود الجديد في لوحات استقبال المنتخب العراقي في الرياض والتي استخدمت مفردة “عراق العروبة”. وموقف الملك الاخير تجاه انفصال اكراد العراق الذي جاء متوافقا مع سياسة العبادي في التمسك بوحدة العراق وشعبه ومحاربة داعش وتطهيره من كافة الاراضي العراقية
وبما أن الحرب على داعش تشكل أحد الأبعاد المهمة في التقارب الأخير بين الجانبين، خاصة بوجود رغبة دولية في إطفاء بؤر التحارب ونزع فتيل الأزمات الداخلية و حدة التوتر الطاىفي في العراق وسوريا، وكذلك اليمن ولبنان، ابتداء بالقضاء على داعش، وأن التقارب الجديد بين الرياض وبغداد، يدخل في إطار محاربة داعش والقضاء عليه بمجهود دولي وتحالف واسع اضافة الى بناء علاقات رصينة بين الرياض وبغداد وفتح الطريق البري بين البلدين وسعيهما لاستحداث وفتح خط طيران مشترك إلى بغداد والنجف. والتعاون في مجال الاستثمار والاقتصاد.
كما ان من مصلحة السعودية كسب العراق الجديد والاعتراف بسلطته الجديدة وفتح افاق للتعاون والحوار العربي المشترك بما يخدم مصالح البلدين والعودة الى العمق العربي واحتضانه عربيا وايقاف كافة المحاولات للنيل من عروبته والاستفادة من العراق كبلدا عربي حاميا للبوابة الشرقية العربية وتأمين حدودها الشمالية بمشاركة الجانب العراقي عبر وضع العراق تحت مسؤوليات الحفاظ على الحدود خاصة عقب انتشار تنظيم داعش وهزيمته في الموصل. وعودة مدينة كركوك العربية .

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here