حسين نعمة الكرعاوي
في كل البلدان التي ترفع شعار الديمقراطية, نجد أن أهم عنصراً في المعادلة المجتمعية هناك هو المواطن, الذي يجب أن تسعى الدولة وبكافة قطاعاتها الى توفير كل متطلباته بأريحية تامة ودون أي عناءً أو جهداً يذكر, بحكم أنها جاءت منهٌ ووِجدتً اليهِ فلم تأتي من فراغ لولاه ولن يكون لها فائدةً سواه, الأمر الذي يجعلها تدرك أن تلبية احتياجاته الدستورية منها قبل أن تكون هبةً من أحد, أمراً مهماً تأخذه على عاتقها, والذي يعتبر أساساً لأي عمل تقوم به, فالمؤوسسات الحكومية ودوائر الدولة بشكل عام, لا يوجد غاية من تواجدها سوى خدمة ذلك المواطن البسيط, الذي عادة ما يكون مفتقراً لأهم أحتياجاته الضرورية الأساسية منها قبل الثانوية, الأمر الذي يجعل تلك الدوائر والمؤسسات ملاذاً لهُ عسى أن يَحصُل على ما يطمح له في الزمكانية المناسبة .
حتى تستطيع الحصول على جواز سفر, عليك أن تكون فاقهاً جداً, أنك تحتاج للقدر الكافي من الوقت والعناء والأمور المادية الأخرى, فالروتين الحكومي يصبح أصعب يوماً بعد يوم, كأننا نعود الى الوراء, في زمناً العالم يتقدم نحو تطوير اموراً ليست بالحسبان أصلاً بل تكاد تكون ثانوية, لأن الاساسية منها وصل لاقصى حداً من الأريحية للمواطن, ففي اليابان مثلاً تحتاج لثلاث دقائق فقط لأصدار جواز سفر, ولكن عكسياً جداً عندما يكون الأمر مقروناً بمديرية الجوازات العراقية, حيث أنك تحتاج ليومان من المراجعة, هذا اذا لم يطلب منك أموراً أخرى, (كتبديل الجنسية مثلاً, أو شهادة الجنسية, أو صحة صدور لأمر ما), ولكن ما يجعل الأمر أكثر أثارةً, أنك لن تدخل المديرية الأ قبل أن تكون دافعاً ل55 الف ديناراً, وما يثير سخرية الوضع أكثر فأكثر, أنك لن تبدأ أي شيئاً مما ذُكر حتى تأخذ وصلاً بمبلغ 39 الف دينار في حين أن قيمته الفعلية 25 الف ديناراً وحتى تكون لغة الأحتكار واضحة جداً, أنك ستدفع أيضاً 5 الاف دينار لورقة أستنساخ لا تساوي ربع الثمن المدفوع, وبعد ذلك تذهب لشباكً أخر لكي تدفع 10 الاف ديناراً لتقوم بسحب أستمارةً تُقرء بواسطة الباركود الموجود في داخل المديرية, وكل هذا الامر لا تتجرأ أن تحصل عليها من الخارج بأقل من هذا المبلغ بكثير, خشية أن لا يتم تمرير المعاملة لعدم تعاونك مع تلك الكرفانات الموجودة في خارج الدائرة!!
وهنا سرعان ما تكون متفائلاً, انك قد اجريت اللازم في الخارج وأنك لن تظطر لتحمل معاناة داخل المديرية, بحكم حجم المعاناة والسرقة التي حصلت لك في تلك الكرفانات, ولكن ما يجعل الأمر مثيراً أكثر, أنك سوف تنتظر في طابوراً طويل بعد تسليمك للفايل, على أن يتم مناداة أسمك عند وصول دورك بالتتابع, وأخيراً تجد صوتاً يَحن عليك فيناديك بصوت غير مسموع, فتتقدم بكل طمأنينةً وأمل بأنك ستُكمل تلك الاجراءات المعقدة وما أن تجلس للحظة, حتى تجد الضابط المسؤول يتصفح معاملتك كأنها كتابٌ فلسفي معقد, فتكون نظرتك مصوبةً نحو ملامح ذلك الضابط, أن كان سيُكمل معاملتك أو سيجعلك في دوامة الروتين تارة أخرى, وما أن أعتلت الانظار في وجهك حتى طلب منك أمراً ما, كصحة صدور مثلاً, الأمر الذي يجعلك تأخذ تلك المعاملة بكل خيبةً, وتذهب للأدارة الذي سيقول لك وبكل بساطة, أذهب لتلك الكرفانات لكي تَجلب لي طلباً, وكالعادة طلباً مقابل مبلغ مالي, عبارة عن ورقةً وكلماتً بسيطة تستطيع أي دائرة حكومية أن تحضى بالعديد منها لو ارادت تكليل العقبات وتقليل العبئ على المواطن, وفور جلبك لذلك الطلب تحتاج لختم الأدارة وتوقيع المدير, ومن ثم التوجه لمكتب معلومات منطقتك الذي بدوره سيُعيد لك هذا الروتين من شراء طلباً وأستنساخات بل وحتى الضرف الذي يوضع فيه الطلب, لتعود بعدها جالباً ذلك الطلب للمديرية مكملاً لتلك المعاملة التي تكللت بالملل والأزعاج, فتلجئ لنفس الضابط الذي أرجعك ليكمل لك ما توقف عنده, لتحصل على توقيع المدير ومن بعدها كارت لحجز من الحسابات, فيقول لك بأبتسامة صادحة , أذهب لتأتي بعد أسبوع لأستلام ذلك الجواز.
ما هذا يا سادة, بالتأكيد أنها الأجراءات الحكومية في بلدنا العزيز
ولكي تحصل على جواز سفراً في بلدً ديمقراطي, عليك أن تكون أكثر ديمقراطيةً ومرونة في وقتك وجهدك الجسدي وتلك الملاليم التي في جيبك, كأن الأمر مقصوداً لأرجاع رواتب الموظفين لخزينة تلك الدولة البائسة الروتين, والتي لا تعرف كيفية ترتيب الاوراق بصورة صحيحة, مقارنةً بتلك البلدان التي تجاوزت الكثير من هذا الروتين القاتل للوقت والجهد, ولكن من يدرك ذلك ؟ فقط من أرا الهروب من الواقع والسفر فلا ظير لو كان السفر مخصصاً للمتعة فقط, سيكون مناسباً للشخص الأنتظار قليلاً, ولكن ما بالك لو كانت لرحلة علاجاً لحالةً خطرة, هل سيموت المريض منتظراً لجواز سفره؟ أم أن الدولة ستعيد النظر في روتينها القاتل هذا ؟ لن ندرك وطنيتنا هذه , حتى ندرك حقاً أننا نعيش في وطناً ملبي لمطامحنا…