حرب الأخوة غضب على الجميع

حرب الأخوة غضب على الجميع
جواد وادي
لا نعرف من أين تخرج هذه الأصوات الحاقدة من شذاذ الأفاق وتجار الحروب والأحقاد التي فاقت سموم الأفاعي وهي تبارك وتصفق وتزغرد لتشجيع طرف دون طرف آخر لشحن الهمم الشوفينية السامة، دون أدنى مراعاة للتساكن في وطن واحد، وبمحبة كانت قبل نشوب الأزمة هي الطاغية، ولم نكن نعرف أن شياطين الكون تكمن في تفاصيل تلك العلاقات التي كانت بمعظمها، علاقات مرائية مكامنها تتناسل في الصدور البغيضة، مما دعانا لطرح سؤال كبير وعريض ويتعاظم يوما بعد يوم، لماذا كل هذا البغض بين من كانوا بالأمس “اطعم من السمن على العسل”، ونحن نشاهد ونراقب ونستغرب لحجم براكين الكراهية التي تفجّرت بين ليلة وضحاها، وكأنها كانت تتحين الفرصة المؤاتية للتفجّر، لتمتد المشاحنات والاتهامات والبغضاء طولا وعرضا وفي كافة الاتجاهات، ووسط هذا التطاحن المخيف، تظهر أصوات الاعتدال على قلتها، وكأنها اكتوت بصدمة ما يحدث، فتصدر البيانات والادانات والشجب وطرح الحلول لهذه المواجهات التي لا مبرر لها أصلا، دون أن تلقى الآذان الصاغية وآخرها ما صدرت من بيانات من قيادة الحزب الشيوعي، تدعوا جميعها للاحتكام للغة العقل وإيجاد الحلول المرضية للجميع، لعدم وجود المبررات لهذه المواجهات التي وصلت الى استخدام السلاح لتذهب ضحايا بريئة، والمنافقون ومن يدفع للمواجهات المسلحة يسعّرونها، ويزيدون من تأجيجها، والنوايا كلها معروفة، بعد أن طفحت على السطح كل الأمراض الاجتماعية، العرقية والقومية والإثنية والطائفية، لتفتح شهية تجار الحروب لهكذا اقتتال، تتمنى فلول سماسرة الحروب والأحقاد والبغض الشيطاني، أن يتوالد ويتسع في كل الاتجاهات.
إن المتابعين “للصراع العربي الكردي” منذ الستينات وحتى ما يحدث اليوم، يعرفون جيدا وخلال السبعة عقود التي مرت، أنه صراع مفتعل ولا موجب له، سوى سياسة فرض الأمر الواقع بأهدافها البغيضة، التي ينتهجها سياسيون شوفينيون وجهلة وحاقدون بدوافع عديدة، منها البقاء في السلطة، واشغال الناس بممارسة مخططات لإلهاء الناس عن مساوئ السلطة وما تفعله من تجاوزات في شتى المناحي واهمها سرقة البلاد وإبقاء التأجيج الطائفي لعبة خبيثة لإدامة سلطتهم، والخاسر الأكبر، فقراء جميع الأطراف الذين لا ناقة لهم ولا جمل بما يحدث.
ولكي نظل فيما يحدث الان في العراق من مواجهات في شتى أساليب الشحن الخبيث، لتتحول الى مواجهات بين أخوة الأمس، سيما السياسيين منهم، حيث كنا نشاهد تلك العلاقات “الحميمة” داخل قبة البرلمان وبين المسؤولين خلال الزيارات المتبادلة، لنتفاجأ، كما تفاجأ الآخرون داخل وخارج العراق، تغيير البوصلة بشكل سريع وخطير، لتتحول تلك “الحميمية” الى حقد وكراهية وبغضاء وصلت حد التهديد بالمواجهات العسكرية، وهذا ما حصل فعلا.
ولكوننا نشعر بمرارة ما يحدث بين الاخوة الأعداء، ينبغي ان نعرّج ولو بإيجاز لسبب يحدث، حيث كان سبب البلاء هو مشروع الاستفتاء، الذي اعتبره أنا شخصيا، كان أمرا مفبركا أراد منه فرسانه تمرير نوايا كانت مختبئة وراءه، بمغامرة، ذكرتني، بمغامرة صدام حسين الصبيانية ومن يحيط به من جهلة وانصاف متعلمين، حين عزم على احتلال دولة الكويت بجرة قلم هوجاء، فاجأت العالم باسره، رغم مناشدات اكثر من 18 رئيس دولة بالانسحاب وإنقاذ العراق من البلاء القادم، دون نتيجة، فكنت أقول دائما، لو سألنا طفلا صغيرا وغضا، عن نية احتلال بلد مستقل وعضو في هيئة الأمم المتحدة ومعترف به دوليا، بعلم وطني وسيادة كاملة، ماذا تقول، لارتمى الطفل على قفاه ضحكا على هذه الرعونة والنكتة السمجة.
هكذا كان سلوك السيد البرزاني، حين اصر على اجراء الاستفتاء رغم مناشدات دول العالم وعشرات الأصوات، راجية منه أن يتخلى عن هذه الفكرة المدمرة، ولكننا لا نعرف سبب الإصرار الغريب على اجرائه، ومما زاد الطين بلّة أن العديد من السياسيين الكرد، حتى أولئك الذين كانوا في مناصب حساسة في الدولة العراقية، بذات الاندفاع والحماسة لتعبئة الناس للاستفتاء، معطّلين كل مجسّاتهم للمخاطر التي قد تتبع هذا الاجراء الكارثي، وحصل ما حصل، فما الفرق اذن بين مغامرة صدام ومغامرة القادة الكرد ممن ايد ودعّم وبارك وشارك في اجراء الاستفتاء الذي لم يجنوا منه غير الكوارث، فأي ساسة هؤلاء؟
المطوب اليوم من كل الأطراف المتنازعة، أن تعود لرصانة العقل وتحكم مداركها باتجاه العيش والتساكن بأخوة خالصة، وليست مبيتة، وتتخلى عن لغة المواجهات إعلامية كانت أم عسكرية، لأن طريق العناد سيؤدي الى مزيد من الدماء والضحايا والخراب، وبالتالي الجميع دون استثناء يخرج خاسرا منكّس الرأس وتلاحقه لعنة التاريخ والبشر.
وآخر دعوانا أن يهتدي الجميع لطريق الصواب، تحت مظلة العراق بمؤسساته وقوانينه وأحكامه، مع السعي الحثيث لتجاوز الهفوات في تشريعاته التي تحتاج الى جهود الجميع، لوضع مسار العمل المشترك والمصيري على سكة الإصلاح وترك النوايا التي تسعى لتدمير كل شيء.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
Read our Privacy Policy by clicking here